صعوبات الإحلال:

كيف تؤثر العقوبات التكنولوجية الغربية على الاقتصاد الروسي؟

24 June 2022


فرضت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها حزمة من العقوبات على قطاع التكنولوجيا الروسي، شملت تقييد تصدير السلع التكنولوجية والتقنية إلى موسكو، بما في ذلك أشباه الموصلات، ومعدات الاتصالات السلكية واللاسلكية، وغيرها. 

وتستهدف تلك العقوبات حرمان روسيا بشكل مباشر من الوصول إلى التقنيات الغربية المتطورة، أو بتعبير آخر "قطع وصول الصناعة الروسية للتقنيات التي بأمس الحاجة إليها اليوم لبناء مستقبل" بحسب ما أوضحت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية في تصريح سابق. 

حزم متعددة من العقوبات:

فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها حظراً على تصدير السلع والخدمات التكنولوجية إلى روسيا، بما يتضح على النحو التالي:

1- قيود أمريكية على روسيا: فرضت الإدارة الأمريكية قيوداً على تصدير السلع التكنولوجية إلى روسيا، فضلاً عن فرض عقوبات أخرى على بعض الكيانات والشركات التكنولوجية الروسية. وتضمن ذلك حظر تصدير وأيضاً مدخلات الإنتاج التقنية، مثل الرقائق الإلكترونية. واستوردت روسيا من الولايات المتحدة رقائق إلكترونية بقيمة 114 مليون دولار في عام 2021.

والجدير بالذكر أن واردات روسيا من سلع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بلغت نحو 23.3 مليار دولار، أي ما يوازي 9.4% من إجمالي الواردات الروسية خلال عام 2019، وفقاً لأحدث بيانات البنك الدولي.

وعلاوة على ما سبق، حظرت الإدارة الأمريكية تصدير التكنولوجيا الأمريكية إلى روسيا أو ما يعرف بـ "قاعدة المنتج الأجنبي المباشر" بما يعني تقييد تصدير المنتجات والسلع التقنية المعتمدة على التكنولوجيا أو البرامج أو المعدات الأمريكية، حتى وإن كانت منتجة خارج الولايات المتحدة. 

كما تم فرض عقوبات أخرى على 34 كياناً وشخصاً روسياً، تتضمن شركة "ميكرون"، والتي تعتبر أكبر صانع للرقائق في روسيا، بالإضافة إلى شركات تكنولوجية روسية أخرى، مثل شركة "سيرتال" وشركة "سيرنيا الهندسية".

2- حظر تصدير المنتجات الأوروبية: فرض الاتحاد الأوروبي أيضاً عقوبات على تصدير عدد واسع من المنتجات التكنولوجية إلى روسيا، وتضمن ذلك: أجهزة الكمبيوتر، وأشباه الموصلات، والإلكترونيات المتطورة والبرامج، والسلع والتكنولوجيا اللازمة لتكرير النفط، فضلاً عن سلع وتكنولوجيا صناعة الطيران والفضاء، وسلع الملاحة البحرية، ومعدات الاتصالات السلكية واللاسلكية، والسلع ذات الاستخدام المزدوج (المدني والعسكري)، وغيرها.

3- قيود متعددة الأطراف: أقرت دول أخرى، بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، قيوداً على تصدير السلع والخدمات التكنولوجية، ولعل أبرزها تايوان، التي حظرت تصدير الرقائق الإلكترونية للسوق الروسي.

4- تخارج الشركات التكنولوجية: جمدت الشركات الغربية متعددة الجنسيات العاملة في مجال الإلكترونيات مثل "آبل" و"ديل" و"مايكروسوفت" أعمالها في روسيا وعلقت مبيعاتها، كما أعلنت بعض الشركات المصنعة للرقائق في العالم، مثل "سامسونج" و"أنتل" عن إيقاف بيع المعالجات الدقيقة إلى روسيا.

5- خروج بعض مزودي خدمات الإنترنت: قررت شركتا "لومين" (Lumen)، و"كوجنت" (Cogent)، وهما من أكبر مزودي خدمة الإنترنت عالمياً، عن وقف أعمالهما في روسيا؛ بسبب مخاوف من إمكانية استخدام الحكومة الروسية لشبكاتهما في هجمات إلكترونية ضد الغرب. 

وتجدر الإشارة إلى أن هذه التحركات لن تقطع روسيا تماماً عن الإنترنت العالمي، لكنها ستحد من مقدار النطاق الترددي المتاح لاتصالات الإنترنت بينها وبين العالم الخارجي.

تداعيات على الاقتصاد الروسي:

من المرجح أن تلحق العقوبات الغربية أضراراً بالعديد من الأنشطة الاقتصادية والعسكرية الروسية، خاصةً تلك التي تعتمد على الرقائق أو أشباه الموصلات، وهو ما يُمكن إيضاحه على النحو التالي:

1- تراجع الاستثمارات التقنية: تمثل العقوبات الغربية تحدياً أمام خطط روسيا لتعزيز الإنفاق الاستثماري بقطاع التكنولوجيا، والتي كانت تعتمد في جزء منها على الشركات الغربية، إلى جانب الإنفاق الحكومي. 

ويذكر أنه منذ عام 2018، خصصت الحكومة الروسية أكثر من 420 مليون دولار للمبادرات التي تعزز شبكات الجيل الخامس وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي.

2- إضعاف قدرات التحديث: من المرجح أن تقوض العقوبات التكنولوجية من قدرات روسيا في تحديث أنظمتها الاقتصادية والعسكرية، والكثير من الصناعات الرئيسية، مثل السيارات والطيران وغيرهما مع صعوبة وصولها إلى السلع والخدمات التكنولوجيا الغربية. 

3- تقويض القدرات العسكرية الروسية: تعتمد الأنظمة العسكرية على استيراد الرقائق وأجهزة الاستشعار والسلع التكنولوجية من الخارج. ومن ثم ستعمل العقوبات الغربية على إضعاف بعض أنظمتها العسكرية، خاصة أنه لم تتمكن من استبدال التقنيات الغربية بأخرى محلية، أو سد الفجوة التكنولوجية عن طريق شركاء دوليين آخرين مثل الصين.

4- تضرر صناعات مختلفة: من الوارد أن تؤدي العقوبات التكنولوجية الغربية إلى أضرار كبيرة لعدد من الصناعات خاصة الطيران والسيارات. وتعتمد موسكو بشكل كبير على استيراد قطع غيار الطائرات من الشركات الغربية، فحوالي ثلاثة أرباع الأسطول الجوي التجاري الروسي يعتمد على المنتجات والتقنيات الأوروبية والأمريكية والكندية. 

ومن ناحية أخرى، بات من الصعب على شركات السيارات إنتاج السيارات وفق المواصفات العالمية عقب حظر تصدير السلع التكنولوجية للسوق الروسي. وجدير بالذكر أيضاً أن بعض الشركات العاملة في صناعة السيارات مثل "رينو" و"فولكس فاجن" قررت إغلاق عمليات التصنيع في روسيا بعد فرض العقوبات الغربية، كما قامت شركة "مرسيدس" بوقف مبيعاتها في روسيا.

5- هجرة العقول التكنولوجية: من المتوقع أن يؤدي تضرر القطاع التكنولوجي والاضطراب الاقتصادي إلى تسريع هجرة العقول الروسية ذات المهارات العالية في مجالات التكنولوجيا. كذلك، تشير بعض التقديرات إلى أن الروس العاملين بالخارج في المجالات التقنية لا يُخططون للعودة إلى وطنهم والعمل في شركات التكنولوجيا الروسية على غرار "ياندكس" و"میل.آر یو" وغيرهما.

محاولات احتواء العقوبات:

تمتلك روسيا بعض الآليات التعويضية التي قد تمكنها من تجاوز غياب التكنولوجيا الغربية خاصةً في المدى القصير، وذلك بالنظر للاعتبارات التالية:

1- رصيد من المخزونات: كانت روسيا تتوقع مسار تطور العقوبات الغربية عليها لتتضمن المجال التكنولوجي. وعليه، فمن المتوقع أن روسيا قد قامت بتخزين رصيد من السلع التقنية، مما قد يمكنها من مواجهة العقوبات على المدى القصير، وفق ما تكشفه بعض الترجيحات.

2- اتخاذ إجراءات مضادة: سمحت الحكومة الروسية للشركات الروسية باستخدام الاختراعات والنماذج الصناعية التي تمتلكها "الدول غير الصديقة" من دون موافقتهم ومن دون دفع تعويضات، وتتضمن هذه الدول: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وغيرهما.

3- الالتفاف على العقوبات الغربية: قد تلجأ روسيا لشراء المنتجات التكنولوجية والتقنية، ومدخلات الإنتاج كالرقائق أو أشباه الموصلات عن طريق وسطاء من شركات أو دول أخرى أو ما يُطلق عليه "السوق الرمادية". 

4- اللجوء لتطبيقات بديلة: في ظل حظر بعض التطبيقات الإلكترونية، لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك" و"تويتر" و"انستجرام"، دفع المواطنين الروس للاعتماد على بعض التطبيقات البديلة، ومنها "فكونتاكتي" كبديل لـ "فيس بوك" و "روسجرام" بديلاً لـتطبيق "انستجرام."

فاعلية البديل الصيني:

يسود اعتقاد بأن الصين بمقدورها سد الفجوة التكنولوجية وتعويض غياب الشركات الغربية بالسوق الروسي، خاصة أنه من مصلحة الصين أن تجعل موسكو أكثر اعتماداً على التكنولوجيا الصينية في خضم السباق العالمي للهيمنة التكنولوجية، وهو افتراض يمكن تفنيده استناداً على ثلاثة معايير:

1- حجم المشاركة في السوق: بطبيعة الحال، يمكن أن يوفر تراجع الغرب وشركاته التكنولوجية بالسوق الروسي في إعطاء مساحة أكبر لبكين للمشاركة في السوق الروسي، وتزويدها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بالسلع والخدمات التكنولوجية.

2- درجة تعقيد السلع: يمكن أن تمد الصين السوق الروسي ببعض احتياجاته من السلع والخدمات التكنولوجية منخفضة أو متوسطة التكنولوجيا، وليست عالية التقدم وفق بعض الترجيحات. ولا تزال التكنولوجيا الصينية بعيدة عن التقدم الذي وصلت إليه تكنولوجيا الغرب وحلفائه في بعض المجالات. 

وعلى سبيل المثال، فإن شركة "أس أم آي سي" (SMIC) الصينية المتخصصة صناعة أشباه الموصلات، ليست على درجة تطور تصنيع رقائق متقدمة مثل شركة "سامسونج" الكورية و"تي أس أم سي" (TSMC) التايوانية.

وإلى جانب ما سبق، ينبغي الأخذ في الاعتبار أن السوق التكنولوجي يرتكز اليوم إلى درجة كبيرة من الاعتمادية المتبادلة بين الدول، بحيث يتم تطوير المنتجات عالية التقنية باستخدام مدخلات من عدة أسواق، ومن ثم لا يمكن للصين واحدها سد الفجوة التكنولوجية الناتجة عن العقوبات. 

3- الضغوط الغربية: تركز الجهود الدبلوماسية الأمريكية، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، على الحيلولة دون تزويد الصين السوق الروسي باحتياجاته من السلع التكنولوجية، ولذا، هددت الإدارة الأمريكية بمعاقبة شركة "أس أم آي سي" (SMIC) حال قيامها بتزويد روسيا بمنتجاتها. 

وربما هذا ما دفع بعض الشركات الصينية التكنولوجية لدراسة الخروج من السوق الروسي، خشية التعرض للعقوبات الأمريكية، ومن بين هذه الشركات "لينوفو" (Lenovo Group Ltd) و"شاومي" (Xiaomi Corp)، وفق بعض التقارير. ويأتي ذلك على الرغم من حث الحكومة الصينية للشركات الصيني على التضامن مع روسيا، وعدم الخضوع لأي إكراه خارجي.

وفي الختام، يلاحظ أنه بمقدور روسيا تعويض غياب التكنولوجيا الغربية من خلال عدة آليات تعويضية بما سيمنح اقتصادها وأنشطتها الاقتصادية القدرة على الصمود في المدى القصير، إلا أن عدم تمكُّنها من الوصول إلى التقنيات التكنولوجية المتطورة اللازمة لتحديث الاقتصاد، يعد تحدياً وتهديداً قوياً لأنشطتها الاقتصادية والعسكرية على المدى الطويل.