عقبات جوهرية:

إشكاليات تنفيذ تفاهمات حركتي فتح وحماس

30 September 2017


أعلنت حركة حماس -مؤخرًا- عن حل اللجنة الإدارية التي شكّلتها من قبل لإدارة قطاع غزة، كما أعلنت عن رغبتها في التفاوض مع حركة فتح لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وجاءت تلك الخطوات استجابةً للجهود المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وإنهاء الانقسام. وقد رحبت حركة فتح بما أعلنته حركة حماس، وهو ما يُشير إلى أن الفترة المقبلة ستشهد خطوات عملية لاستئناف حكومة الوفاق الوطني عملها في غزة.

معوقات داخلية:

ستواجه حركتا حماس وفتح عراقيل عدة نابعة من جانب الطرفين في سبيل تنفيذ التوافقات الأخيرة بينهما، ويتضح ذلك على النحو التالي:

بالنسبة لحركة حماس:

1. أنه على الرغم من إعلان حركة حماس قبولها بحل اللجنة الإدارية في بيان رسمي؛ إلا أن تنفيذ ذلك الأمر سيواجه صعوبات عملية في تنفيذ تلك التوافقات على الأرض، ويدعم ذلك وجود سوابق لإعلانات سابقة مشابهة من جانب حركة حماس؛ إلا أن الحركة سرعان ما تراجعت عنها، وأعلنت تمسكها بإدارة شئون قطاع غزة.

2. وجود إشكاليات متعلقة بالجهاز الإداري في قطاع غزة وصعوبات إدماج الموظفين والعاملين في القطاع، واستيعابهم في الجهاز الإداري للسلطة الفلسطينية، خاصة ما يتعلق بتحمل رواتبهم، وهو أمر ليس يسيرًا على السلطة الفلسطينية، فمن الوارد عجز السلطة الفلسطينية عن الوفاء بالتزاماتها المالية، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تُعاني منها السلطة الفلسطينية في الوقت الحالي.

3. الحساسيات المتعلقة بتعامل السلطة الفلسطينية مع العناصر الأمنية الداخلية في قطاع غزة، وكيفية إدماجهم في الجهاز الأمني الموحد، ويدعم من ذلك الأمر وجود تباينات في الرؤى والتوجهات الموجودة لدى بعض قطاعات الأمن داخل حركة حماس عن الأجهزة الأمنية المناظرة في حركة فتح (تجدر الإشارة إلى وجود خطط أمنية معدة سلفًا من جانب السلطة الفلسطينية للتعامل مع خيار الدمج بين قوات الأمن التابعة لحركتي حماس وفتح على أسس مهنية، ومن ذلك خطة الجنرال دايتون).

4. اعتراض عددٍ من قيادات حركة حماس على الاستمرار في نهج المصالحة مع حركة فتح بدون رؤية شاملة، وتُطالب القيادات كذلك بتنويع اتجاهات الحركة الحالية إزاء القوى الإقليمية المختلفة، خاصة تركيا وإيران.

5. رصيد عدم الثقة الموجود بين الطرفين، حيث ترى بعض قيادات حركة حماس أنه لا يُمكن الوثوق بسهولة في الموقف الحالي للسلطة الفلسطينية، وأن الدليل على ذلك أن الطرفين توصلا من قبل إلى توافقات بدت جادة في البداية، لكن سرعان ما تحللت السلطة الفلسطينية منها بسبب عدم منحها الفرصة لحركة حماس للدخول في شراكة كاملة مع حركة فتح.

6. تخوف حركة حماس من الصراعات الراهنة داخل أجنحة وتيارات متصارعة من حركة فتح، وترى حماس في ضوء ذلك أن الموقف الحالي لحركة فتح مرحلي ومؤقت، وأن التيارات المضادة للرئيس الحالي "محمود عباس" قد تُجهض التوافقات الأخيرة بين فتح وحماس في حال تمكنت تلك التيارات من السيطرة على مفاصل حركة فتح. ويدعم من ذلك الحديث المتكرر خلال الفترة الأخيرة عن الحالة الصحية لأبو مازن، ومطالبة البعض بالبحث عن خليفة له. 

7. تخوف حركة فتح من استمرار حركة حماس في مخططها الراهن في البقاء في السلطة بصورة غير رسمية، خاصة وأن إجراء حل اللجنة الإدارية سيحتاج إلى مراحل تنفيذية وخطوات عدة لملء الفراغ ومراقبة ومتابعة مباشرة، مع العمل مجددًا على تسديد مدفوعات قطاع غزة من الكهرباء، ورفع الخفض على الرواتب وقرارات التقاعد المبكرة، وكذلك المدفوعات لأسرى حماس في السجون الإسرائيلية.

8. ترفض بعض القطاعات من حركة فتح تحول الحركة إلى موقف رد الفعل، وعدم إشراك الحركة في الترتيبات الأمنية والسياسية الأولية في قطاع غزة.

9. إبداء بعض القيادات المؤثرة داخل مركزية حركة فتح بعض التحفظات على انفتاح حركة حماس على بعض قيادات تيار الإصلاح داخل حركة فتح، على اعتبار أن ذلك قد يُعطي دفعة لتجدد الصراعات السياسية مرة أخرى داخل حركة فتح، خاصة وأن القيادة الفلسطينية رفضت تقديم أي تنازلات في هذا الملف، وتمسكت بموقفها السابق من تيار الإصلاح.

10. رؤية قطاعات عدة داخل حركة فتح أن حركة حماس تسعى إلى مزاحمة حركة فتح في مكانتها الإقليمية والدولية، وأن ما يدعم من ذلك هو قيام حركة حماس -مؤخرًا- بإصدار وثيقة جديدة، اقتربت في مضمونها من البرنامج الحالي لحركة فتح، وهو ما يُشير -وفقًا لتلك القطاعات- إلى أن حماس باتت أقرب إلى الحزب، وتسعى إلى ممارسة دور سياسي لا أيديولوجي كما كان في السابق. 

11. تحفظ وتوجس حركة فتح من شكل وإطار التحرك الراهن لحركة حماس لإنهاء وتصفية بعض المشكلات المجتمعية التي تباشرها قيادات من القطاع، وبمشاركة عددٍ من الفصائل فيما يُعرف بتصفية ديات الدم، وإنهاء النزاعات السابقة التي جاءت في أعقاب سيطرة حركة حماس على السلطة. 

عراقيل خارجية:

سيواجِه تنفيذ الاتفاق على الأرض مجموعةً من العراقيل التي قد تتسبب بها قوى خارجية، ويُمكن رصد ذلك على النحو التالي:

1.دخول أطراف إقليمية على الخط: حيث من المتوقع أن تحاول كلٌّ من تركيا وإيران وقطر الدخول في تفاصيل الاتفاق الحالي. ويشار -في هذا السياق- إلى أن الرئيس "محمود عباس" كان قد طلب تدخل الوسيط التركي في الملف الفلسطيني خلال زيارته الأخيرة لأنقرة، وأعلنت الحكومة التركية في ضوء ذلك الطلب أنها تُرتب لعقد عدة لقاءات بين حركتي فتح وحماس. 

كما أن انفتاح إيران الواسع على حركة حماس خلال الفترة الأخيرة، وإعلانها عن استئناف ضخ المساعدات للحركة؛ قد يدفعها للدخول على خط إفشال المصالحة، أو على الأقل التدخل لعرقلة مراحل تنفيذه. 

2. رد فعل الجانب الإسرائيلي تجاه فكرة المصالحة: لا يروق لإسرائيل التوافقات الأخيرة بين حركتي فتح وحماس، ودفع الطرفين نحو فكرة المصالحة. وفي ضوء ذلك، من المتوقع أن تسعى إسرائيل نحو إرباك المشهد الراهن، وقد يأتي ذلك في صورة توجيه ضربات للقطاع واستئناف سياسة الاغتيالات والاعتقالات وتصدير أزمات جديدة للسلطة الفلسطينية ومحاصرة الرئيس "محمود عباس" دوليًّا.

3. تحفظات الجانب الأمريكي: ستدخل الولايات المتحدة على خط المصالحة بصورة غير مباشرة، وهو ما قد يؤثر سلبًا على مسارها، ويرتبط بذلك استمرار رؤية واشنطن أن حركة حماس حركة إرهابية، وأنها لا تستوفي شروط الرباعية، وما تزال تسعى لتدمير إسرائيل. 

كما أنه وبرغم تعامل الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية على أنها المسئولة فقط داخل الأراضي الفلسطينية؛ إلا أنها لم تُقدم على خطوات فعلية داعمة، حيث تؤجل النظر في تقديم المساعدات للسلطة، وتربطه بإجراءات التعاون الأمني بين السلطة واسرائيل.

نجاح مشروط: 

يتطلب التطبيق العملي للاتفاق الراهن بين حركتي فتح وحماس العودة إلى تنفيذ مضمون اتفاق القاهرة عام 2012، وهو ما سيحتاج إلى مفاوضات ممتدة بين الطرفين، وإشراك الفصائل الفلسطينية الأخرى، وستبقى المصالحة الوطنية الفلسطينية مرهونة بتسلم حكومة الوفاق الوطني السلطة في غزة بشكل فعلي، ومن ثم إدارة معابر غزة، والتحضير لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. 

ومن المتوقع أن يُصدر الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" مرسومًا لإلغاء القرارات التي اتخذتها الحكومة ضد قطاع غزة كافة، وذلك بعد دخول استحقاقات حل اللجنة الإدارية في غزة حيز التنفيذ، وسيمهد ذلك الأمر الأجواء للبدء في الحوار الوطني الفلسطيني.

وسيبقى محك الاختبار الفعلي للحكم على نجاح التوافقات الأخيرة بين حركتي فتح وحماس، هو قيام حركة حماس بشكل عملي ونهائي وشامل بالامتناع عن ممارسة أي صلاحيات حكومية في غزة في ظل وجود حكومة الوفاق الوطني.