تغليب المصالح:

هل يتسبب الملف الفلسطيني في توتر العلاقات التركية الإسرائيلية؟

08 August 2017


دخلت العلاقات التركية الإسرائيلية مرحلة جديدة من التراشق السياسي والإعلامي بين الجانبين، وذلك على خلفية أحداث الأقصى الأخيرة، وهو ما دفع البعض إلى التكهن بوجود أزمة حالية بين الجانبين قد تُعيد مرحلة ما بعد أحداث السفينة مرمرة، وذلك على الرغم من دخول الجانبين في مرحلة تطبيع العلاقات وتبادل السفراء وبناء علاقات اقتصادية قوية.

مظاهر كاشفة:  

كشفت المتابعة السياسية والإعلامية الجارية بين الجانبين التركي والإسرائيلي عن توتر متصاعد بينهما، ويتضح ذلك من خلال ما يلي:

1- هجوم الرئيس التركي "رجب طيب أرودغان" على الممارسات الإسرائيلية في 29 يوليو الماضي في كلمة له بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإسلامي العالمي للتعليم العالي، حيث اتهم تل أبيب بأنها لا تريد الاستقرار أو السلام، وأنها ترغب في استمرار التوتر في الأراضي المحتلة بسبب استمرار سعيها لتغيير الهوية الإسلامية بالقدس. 

2- وصف رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان التركي "طه أوزهان" الاتهامات الإسرائيلية لتركيا في توظيف الملف الفلسطيني لحسابات سياسية بأنها سخيفة، وتعكس مستوى الدبلوماسية الإسرائيلية، وقد جاء هذا الوصف بعد تصريحات للمتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية "إيمانويل نحشون" هاجم خلالها تركيا والرئيس "أردوغان" عبر بيان رسمي أصدرته الخارجية الإسرائيلية. 

3- قرار الحكومة الإسرائيلية مؤخراً إغلاق بعثاتها الدبلوماسية في تركيا بعد الهجوم على معبدين يهوديين، واعتبار القرار احترازياً، ويأتي هذا القرار في ظل التقييمات الإسرائيلية بأن التطورات في الأراضي المحتلة مرشحة للتصعيد على الرغم من انتهاء أزمة الأقصى على الأقل شكلياً حتى الآن.

4- مطالبة الحكومة التركية للجانب الإسرائيلي بوقف الممارسات الإسرائيلية الأمنية في الأراضي المحتلة لتعارضها مع حقوق الإنسان وحرية الدين، وعدم الاستمرار في مخطط التهويد والاستيطان في القدس، وهو ما رأته بعض الأوساط بمنزلة رسائل تحذير تجاوزت العرف الدبلوماسي. 

محددات حاكمة: 

جاء رد الفعل التركي من التصعيد الإسرائيلي الأخير في الأقصي مرتبطاً بمجموعة من المحددات، والتي يتمثل أهمها فيما يلي: 

‌1- ربط مسألة التطورات الراهنة في الأراضي المحتلة، وتداعيات أزمة الأقصى بملف رفع الحصار على قطاع غزة، ويتضح ذلك من خلال الإشارة التركية إلى احتمال انفجار الموقف الراهن في قطاع غزة ودخول التنظيمات الأخرى على الخط، مما يصعب من مهمة حركة حماس في السيطرة على الأوضاع في الداخل. 

‌2- إن سعي الأتراك لاستقرار المشهد الفلسطيني نابع من رغبة تركيا في تأمين حضورها المباشر في قطاع غزة، خاصة في الجوانب الاقتصادية والخدمية في قطاع غزة.

‌3- حث الحكومة الإسرائيلية بشكل ضمني على الفصل بين علاقتها مع السلطة الفلسطينية وحركة حماس، وألا تكون الأزمة مع السلطة مقدمة لتصعيد إسرائيلي ضد حركة حماس وقطاع غزة.

رد فعل احتوائي: 

تعاملت الحكومة الإسرائيلية مع المواقف التركية الأخيرة من تطورات المشهد الفلسطيني من خلال عدة أسس تتمثل فيما يلي:

‌1- اعتبار الموقف التركي تدخلاً في الشؤون الداخلية الإسرائيلية، وهو أمر غير مقبول في الأعراف الدبلوماسية بين الدول، وعبر عن ذلك البيان الرسمي الصادر عن الخارجية الإسرائيلية.

2- دخول بعض الأحزاب اليمينية الحاكمة في الائتلاف على خط الأزمة، خاصة حزب البيت اليهودي، حيث خير زعيم الحزب "فيتالي بينت" الرئيس "رجب طيب أردوغان" بين الانضمام للغرب وبين الانضمام للتنظيمات الإرهابية.

‌3- مطالبة الحكومة الإسرائيلية تركيا بوضع المصالح العليا المشتركة على رأس الأولويات، وحثها على عدم الدخول في مشاحنات جديدة، وهو ما يشير لحرص إسرائيلي على عدم الصدام مجدداً مع الجانب التركي، خاصة في ظل التفاهمات الاقتصادية والعسكرية الراهنة المتفق عليها بين الجانبين.

مسارات محتملة:  

وفقاً لمعطيات التوتر الحالية بين الجانبين التركي والإسرائيلي، يمكن استشراف مستقبل الخلاف الحالي بينهما من خلال عدة مسارات محتملة، تتمثل فيما يلي:

1- المسار الأول: استمرار التصعيد بين الجانبين، خاصة مع عدم وجود أفق حقيقي لانتهاء الأزمة الحالية في الأراضي المحتلة، حيث تم حل الأزمة بصورة شكلية من دون تفكيك العناصر الرئيسية بها، وهو ما قد يحفز الجانب التركي للتصعيد بصورة أكبر لمحاولة تحقيق مكاسب سياسية في الداخل التركي، وكذلك في الأوساط العربية والإسلامية. وفي المقابل قد تسعى الحكومة الإسرائيلية للتعامل الصفري مع الأزمة من خلال محاولتها التصعيد مع الجانب التركي لمنعه من تكرار موقفه الحالي، وعدم إعطاء الفرصة للرئيس "أردوغان" لتحقيق مكاسب سياسية من أي نوع. 

2- المسار الثاني: محاولة الجانبين التوصل لخيارات وسط على أساس أن هناك مصالح عليا بين البلدين تدفع للتعامل وتنحية الخلافات والتجاذبات الراهنة بينهما في الملف الفلسطيني، ويدعم هذا المسار وجود مساع من جانب بعض الأطراف في الدولتين تسعى إلى تحييد الخلافات، خاصة المؤسسات الأمنية ووزارتي الدفاع في البلدين، وكذلك القطاعات المنخرطة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، والتي ترى أن مصالح الطرفين المشتركة تحتم عليهما المضي قُدماً لتنمية العلاقات، وليس الدخول في مناكفات جديدة في ظل التحديات والمخاطر التي تواجه الجانبين.

3- المسار الثالث: بقاء الأزمة في دائرتها الراهنة مع عدم التورط في الدخول في مناكفات ومكايدات سياسية واقتصادية جديدة أو العودة إلى خيار مرمرة، وذلك في إشارة للمرحلة التي شهدتها العلاقات من قبل، وأدت لتوتر كامل في العلاقات، وهو ما تجاوزه الجانبان بعد عودة العلاقات من جديد وتبادل السفراء والدخول في مرحلة تطبيع العلاقات، على نحو ما أفاد الجانبان عملياً، خاصة في الجانب الاقتصادي الذي يحتل الأولوية في علاقات الطرفين.

تصعيد إعلامي: 

يمكن القول إن هدف أنقرة الرئيسي من تصعيدها الإعلامي مؤخراً مع تل أبيب هو محاولتها توظيف واستثمار التوتر الأخير بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لدى الرأي العام التركي من جانب والرأي العام العربي والإسلامي من جانب آخر، ومحاولة الظهور بمظهر المحتضن للقضية الفلسطينية. 

ومن المتوقع أن يستمر التوتر الحالي بين تركيا وإسرائيل حول الملف الفلسطيني في حدوده الحالية وهو التراشق الإعلامي، والحرص على ألا تصل تداعيات ذلك للتأثير بشكل سلبي على العلاقات الاقتصادية القوية بين الجانبين، والتي ستتوج في نهاية العام الجاري كما يخطط الجانبان بتوقيع اتفاق الغاز. 

وستحرص المؤسسات الأمنية ووزارتا الدفاع في البلدين على استمرار التعاون الأمني والعسكري بينهما، واتمام صفقات السلاح بينهما، وستدفع تلك المؤسسات دائماً نحو ضمان عدم تأثير الأبعاد السياسية بشكل سلبي على مستويات التعاون المشتركة بينهما.  

كما ستحرص إسرائيل بصورة أساسية على الدفع نحو إعادة العلاقات مع تركيا لمسارها الطبيعي، خاصة أن لتركيا فضلاً على إسرائيل في إعادة العلاقات بين حلف الناتو وتل أبيب وفتح مقر مقيم لإسرائيل لدى الناتو.