تحجيم القدرات:

تأثير استهداف القيادات على تماسك التنظيمات الإرهابية

28 September 2016


أثار إعلان وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عن مقتل أبو محمد العدناني (طه صبحي فلاحة)، القيادي البارز في تنظيم "داعش"، ومسئول الدعاية والتجنيد في التنظيم والذي كان يلقب بـ"مهندس العمليات الإرهابية الخارجية"، إثر عملية قصف في 30 أغسطس 2016، تساؤلات عديدة حول التداعيات التي يفرضها استهداف القيادات الرئيسية على تماسك التنظيمات الإرهابية التي تحظى فيها تلك القيادات بتأثير ونفوذ بارز لا يمكن تجاهله.

وقد اكتسبت تلك التساؤلات أهمية خاصة، في ظل تصاعد ظاهرة استهداف تلك القيادات خلال الفترة الأخيرة، التي تحولت، على ما يبدو، إلى إحدى الآليات الرئيسية التي تتبناها القوى المشاركة في الحرب ضد الإرهاب من أجل إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالتنظيمات الإرهابية، ولا سيما تنظيم "داعش".

اتجاه متصاعد:

شهدت الفترة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في استهداف قيادات التنظيمات الإرهابية الرئيسية في المنطقة؛ خاصة التي تنتمي إلى تنظيم "داعش" في كلٍّ من سوريا والعراق، من خلال الضربات العسكرية التي يوجهها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب بعض القوى الأخرى.

فقبل مقتل أبو محمد العدناني، تم استهداف قيادات أخرى مثل علي عبدالرحمن القادولي، الذي قُتل في 25 مارس 2016، والذي كانت تعتبره الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة "الرجل الثاني" في تنظيم "داعش"، إلى جانب أبي الهيجاء التونسي القيادي في "داعش" الذي قتل في غارة لطائرة أمريكية بدون طيار قرب مدينة الرقة في 31 من الشهر ذاته، فضلا عن القيادي في تنظيم "داعش" في محافظة الأنبار العراقية وهيب أحمد الفهداوي الذي قتل في 6 مايو 2016، في غارة جوية نفذها التحالف الدولي، والذي وصفته وزارة الدفاع الأمريكية بأنه الأمير العسكري لمحافظة الأنبار والعضو السابق في تنظيم "القاعدة"، بالإضافة إلى أبو عمر الشيشاني الذي كان يلقب بـ"وزير الحرب" في تنظيم "داعش"، والذي أعلن عن مقتله قرب مدينة الموصل في 13 يوليو 2016.

وقد دفع تصاعد استهداف القيادات البارزة في تنظيم "داعش" المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية بيتر كوك إلى القول بأنه "من الخطير هذه الأيام أن تكون قياديًا بالتنظيم في العراق وسوريا".

وإلى جانب تنظيم "داعش"، تم استهداف قيادات في تنظيمات إرهابية أخرى، على غرار "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقًا)، حيث أُعلن في 3 أبريل 2016 عن مقتل المتحدث باسم الجبهة أبو فراس السوري، في قصف على معسكر تدريب في محافظة إدلب.

كما أسفرت غارة جوية نفذتها طائرة أمريكية بدون طيار عن مقتل القيادي البارز في تنظيم "القاعدة" في اليمن جلال بلعيدي المعروف باسم "أبو حمزة" في فبراير 2016. وشاركت قوى دولية أخرى في تلك العمليات أيضًا على غرار إيطاليا التي شنت غارة جوية على مدينة سرت الليبية في بداية يونيو 2016، أدت إلى مقتل ميرغني بدوي البشير الذي يلقب بـ"أبو الحارث" أحد أهم قيادات تنظيم "داعش" في ليبيا.

هذه العمليات السابقة في مجملها تطرح دلالة مهمة تتمثل في أن القوى المشاركة في الحرب ضد الإرهاب باتت تدرك أهمية القيادات الرئيسية داخل التنظيمات الإرهابية وتأثير غيابها على تماسك تلك التنظيمات وقدرتها على الاستمرار، ولذا فقد بدأت تلك القوى تركز على استهدافها من أجل القضاء عليها بشكل يمكن أن يساعد في إضعاف تلك التنظيمات ودفعها إلى الانقسام وربما الانزواء والتراجع تدريجيًا.

تداعيات محتملة:

تشير اتجاهات عديدة إلى أن استهداف القيادات البارزة التي تحظى بنفوذ قوى داخل التنظيمات الإرهابية يفرض تأثيرات قوية على التنظيمات التي تنتمي إليها، خاصة في تلك المرحلة التي تتعرض فيها الأخيرة لعمليات عسكرية يشنها التحالف الدولي وبعض القوى الأخرى، وتتمثل أبرز تلك التداعيات في:

1- تراجع العمليات الإرهابية الخارجية: ترتبط العمليات الإرهابية التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية خارج مناطق نفوذها، خاصة تنظيم "داعش"، بوجود قيادات تمتلك خبرة كبيرة من الناحية التنظيمية والعملياتية للتخطيط لهذا النوع من العمليات الإرهابية، ومن هنا ترجح اتجاهات عديدة إمكانية تراجع العمليات الإرهابية الخارجية التي يقوم بها تنظيم "داعش"، خاصة داخل القارة الأوروبية، بشكل نسبي خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد مقتل أبو محمد العدناني، الذي كان يلقب بـ"مهندس العمليات الخارجية" داخل التنظيم، رغم أن ذلك ربما لا ينفي أن احتمال تنفيذ عمليات فردية من قبل ما يسمى بـ"الذئاب المنفردة" ما زال قائمًا.

2- تزايد الهجمات العشوائية: تفتقد الكوادر الجديدة التي يتم تصعيدها كبديل للقيادات التي تم استهدافها، في كثير من الأحيان، إلى الخبرة التي كانت تحظى بها الأخيرة، الأمر الذي سوف ينعكس بشكل ملحوظ على مستوى العمليات التي يمكن أن تقوم تلك الكوادر بالتخطيط والإعداد لتنفيذها خلال المرحلة القادمة، حيث أن هذه العمليات سوف تكون، في الغالب، أقرب إلى نمط الهجمات العشوائية التي تسعى من خلالها تلك الكوادر إلى إثبات قدرتها على تولي مهام رئيسية داخل التنظيمات الإرهابية، دون أن يكون لها تأثير قوي وبارز على غرار العمليات التي قامت بتنفيذها تلك التنظيمات في الفترة الماضية.

ومن دون شك، فإن الضغوط القوية التي تتعرض لها تلك التنظيمات في المرحلة الحالية، بسبب الضربات العسكرية التي تتعرض لها من جانب التحالف الدولي وبعض القوى الأخرى، لا توفر هامشًا واسعًا أمام تلك الكوادر من أجل تنفيذ عمليات كبيرة ونوعية للرد على تلك الضربات، رغم أن ذلك لا ينفي في الوقت نفسه أن بعض هذه التنظيمات ما زالت لديها قدرة نسبية على التعامل مع تلك القيود والضغوط التي تتعرض لها حاليًا رغم التأثيرات القوية التي فرضتها.

3- الاضطراب التنظيمي: غالبًا ما تحظى القيادات الرئيسية داخل التنظيمات الإرهابية بدعم وتأييد من جانب كوادرها وعناصرها، نظرًا لمكانتها التنظيمية، وهو ما يسمى في أدبيات التنظيمات الإرهابية بـ"السابقون الأولون في الجهاد"، في حين أن الكوادر الشابة التي يتم تصعيدها تنظيميًّا لملء الفراغ الناتج عن غياب تلك القيادات تفتقد للخبرة التنظيمية وغالبًا ما تكون في سن متقارب مع العديد من الأعضاء الآخرين داخل التنظيم، وهو ما يفرض حالة من الانقسام حول هذه القيادات الجديدة التي لا تحظى، في كثير من الأحيان، بتوافق داخلي، مما يؤدي، في الغالب، إلى حالة من "الاضطراب التنظيمي" الذي ينعكس في وقت لاحق على أداء التنظيم وتماسكه وفاعليته.

4- التراجع الفكري: يؤدي استهداف القيادات الفكرية داخل التنظيمات الإرهابية، في كثير من الأحيان، إلى حالة من التراجع الفكري، خاصة في مواجهة التنظيمات الإرهابية المنافسة، نظرًا لافتقاد التنظيم، في هذه الحالة، للكوادر التي تُدافع عنه وتساهم في دعم تماسكه التنظيمي، كما تساعد في استقطاب عناصر جديدة داخل التنظيم.

5- اختلال التوازن بين التنظيمات الإرهابية: يفرض استهداف القيادات البارزة في التنظيمات الإرهابية تأثيرات مباشرة على توازنات القوى بين تلك التنظيمات، التي يمثل التنافس سمة رئيسية للتفاعلات فيما بينها. ومن هنا أشارت اتجاهات عديدة إلى أن استهداف عدد كبير من القيادات الرئيسية في تنظيم "داعش" سوف يؤدي إلى تغيير توازنات القوى لصالح تنظيم "القاعدة"، المنافس التقليدي لتنظيم "داعش"، الذي يسعى إلى استعادة موقعه داخل خريطة التنظيمات الإرهابية، والذي تراجع بسبب تصاعد نشاط تنظيم "داعش" خلال الأعوام الأخيرة.

لكن ذلك في مجمله لا ينفي أن استهداف القيادات الرئيسية في التنظيمات الإرهابية لم يؤد إلى انهيارها، حيث أن تنظيم "داعش"، على سبيل المثال، ما زالت لديه القدرة على مواصلة نشاطه في سوريا والعراق، رغم كل الضغوط التي يتعرض لها، سواء بسبب فقدانه السيطرة على مناطق رئيسية عديدة خلال المرحلة الأخيرة، أو بسبب استهداف كثير من قياداته العسكرية والتنظيمية. 

وهنا ربما يمكن القول إن تلك التنظيمات باتت مدركة لأهمية تعزيز قدرات وخبرات كوادرها وعناصرها من أجل التعامل مع تداعيات غياب قياداتها الرئيسية عن المشهد، وهو ما يعني أن هذا الاتجاه الجديد الذي يعتمد على استهداف القيادات الرئيسية في التنظيمات الإرهابية ربما يفرض تأثيراته على تماسك تلك التنظيمات، على المدى البعيد، باعتبار أن تراجع قدرة تلك التنظيمات على استقطاب عناصر جديدة لتعويض خسائرها البشرية الفادحة بفعل الضربات العسكرية التي تتعرض لها ربما يكون المدخل الرئيسي لإضعافها وتحجيمها في النهاية.