دلالات التوقيت:

لماذا أطلقت إيران القمر الاصطناعي الجديد "ثُريا"؟

30 January 2024


أعلن الحرس الثوري الإيراني، يوم السبت 20 يناير 2024، نجاحه في وضع القمر الاصطناعي الجديد "ثريا"، في مدار على ارتفاع حوالي 750 كيلومتراً فوق سطح الأرض، بواسطة الصاروخ "قائم100". 

وقد حضر عملية الإطلاق قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، ورئيس منظمة الفضاء حسن سالارية، وقائد قوات الجو- فضاء التابعة للحرس الثوري العميد علي حاجي زاده، وعدد من المسؤولين العسكريين الإيرانيين. 

وقال وزير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الإيراني، عيسى زارع، إن محطات مراقبة الأقمار الاصطناعية الإيرانية تلقت إشارات من القمر الاصطناعي "ثريا"، إلى جانب بيانات القياس عن بعد المتعلقة بحالة إمدادات الطاقة، وتحديد المواقع التلقائية، والاتصالات والتحكم وأنظمة المعالجة، والتي تشير إلى أن القمر الاصطناعي في حالة جيدة. 

دلالات مُتعددة: 

ثمّة دلالات تُؤشر عليها عملية إطلاق إيران القمر الاصطناعي "ثريا"، يمكن الوقوف على أبرزها على النحو التالي:

1. استمرار تطوير البرنامج الفضائي: يعكس الإطلاق الناجح للقمر الاصطناعي "ثريا"، تطوراً في البرنامج الفضائي لإيران، إذ إنه بالمقارنة بالأقمار الاصطناعية السابقة "نور 1، ونور 2، ونور 3"، والذين تم وضعهم في مدار حوالي 450 كيلومتراً، فإن القمر "ثريا" قد تم وضعه بنجاح في مدار 750 كيلومتراً، بزيادة قدرها 300 كيلومتر فوق الأرض عن مدارات الأقمار الاصطناعية  الإيرانية الأخرى. هذا إلى جانب أنه تم إطلاقه باستخدام صاروخ "قائم100" ثلاثي المراحل والذي يعمل بالوقود الصلب، في تطور عن الصواريخ البالستية التي كان يتم إطلاقها من قبل باستخدام الصواريخ، التي تعمل بمزيج من الوقود الصلب والسائل، أي أقل دقة وتطوراً. 

ومن جهة أخرى، فإن رئيس منظمة الفضاء الإيرانية حسن سالارية، كان قد أعلن، في 6 يناير 2024، أن إيران تعتزم إطلاق عدد من الأقمار الاصطناعية الجديدة إلى الفضاء حتى نهاية العام الإيراني الحالي (ينتهي في 19 مارس 2024) أي في أقل من 3 أشهر، ويأتي إطلاق القمر "ثريا"، في ضوء هذا الإعلان، إذ إنه إنتاج مُشترك بين الحرس الثوري ووزارة الاتصالات. 

2. تأكيد رفع الحظر الأممي عن برنامج الصواريخ: تحاول إيران عبر إطلاق القمر "ثريا" باستخدام الصاروخ "قائم100"، تأكيد أن الحظر الأممي الذي كان مفروضاً على برنامجها الصاروخي، قد انتهى عملياً في 18 أكتوبر 2023، بموجب نص الاتفاق النووي الموقع في 2015. ورغم عدم التزام إيران ابتداءً بهذا الحظر، في سياق استمرار تطوير صواريخها البالستية، بحجة أنها غير مُصممة لحمل رؤوس نووية، فإن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق في مايو 2018، بالإضافة لإعلان الترويكا الأوروبية المشاركة في الاتفاق (بريطانيا وألمانيا وفرنسا)، في أكتوبر 2023، استمرار العقوبات المفروضة على إيران، بشأن برنامجيها للصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، يعوق رفع الحظر- فعلياً- عن إيران. وفي هذا السياق، فقد فرضت واشنطن، في 19 أكتوبر 2023، عقوبات جديدة تستهدف برنامجي الصواريخ البالستية والمُسيرات الإيرانية، تشمل "11 فرداً و8 كيانات وسفينة واحدة". 

3. استثمار الانشغال بحربيْ غزة وأوكرانيا: سعت طهران، من خلال التجربة الفضائية الأخيرة، إلى استغلال الانشغال الدولي والإقليمي بالحرب في غزة وأوكرانيا، لتقوم بتطوير برنامجها الفضائي، الذي يثير المخاوف، خاصة لدى الغرب، من إمكانية أن يكون ستاراً تخفي من خلاله إيران، تطوير صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية في المستقبل، باستخدام نفس التكنولوجيات. إذ يرى الغرب أن تطوير إيران لتلك الصواريخ مُخالف للقرار الأممي 2231 الخاص بالاتفاق النووي، والذي يحظر على إيران تطوير صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية. 

رسائل ردع:

يحمل الإعلان الإيراني عن النجاح في إطلاق القمر الاصطناعي الجديد "ثريا" الرسائل التالية:

1. الرد على التهديدات الإسرائيلية والأمريكية: تأتي تلك الخطوة من جانب طهران، في سياق محاولات الرد على التهديدات الإسرائيلية والأمريكية المُتنامية ضد إيران، وأذرعها، خلال الفترة الأخيرة. إذ جاء الإعلان الإيراني، في ذات اليوم، الذي اغتالت فيه إسرائيل، 5 مستشارين للحرس الثوري في غارة جوية على حي المزة بالعاصمة السورية دمشق، وهو ما يأتي في أعقاب اغتيال القائد العسكري البارز رضي موسوي، في غارة إسرائيلية على منطقة الزينبية في دمشق، في 25 ديسمبر الماضي. وبالتوازي، فإن الغارات الأمريكية قد تكثفت خلال الفترة الأخيرة ضد المليشيات الموالية لإيران، في سوريا والعراق، وأسفرت عن سقوط عناصر وتدمير بُنى تحتية خاصة بتلك المليشيات. 

وعليه، فقد سعت طهران إلى إيصال رسالة مُفادها، أن عدم الرد المباشر على التهديدات التي توجه ضدها وضد أذرعها، لا يعني عدم قدرتها على الرد، وأنها قادرة على ردع أي محاولة من شأنها تهديد أمنها وسيادتها، خاصة مع تزايد التهديدات الإسرائيلية بإمكانية توجيه ضربات مباشرة لإيران.

2. استيعاب إخفاقات الداخل: يأتي الإعلان عن نجاح وضع القمر الاصطناعي "ثريا" في مدار 750 كيلومتراً، في إطار محاولات النظام الإيراني، استيعاب تداعيات تفجيري "كرمان" اللذيْن وقعا في 3 يناير 2024، وأسفرا عن مقتل نحو 100 شخص، وإصابة العشرات، وهما الهجومان اللذان استهدفا مسيرة لإحياء ذكرى مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني. وسعت طهران لتفادي إثارة الغضب الشعبي جراء الإخفاق في تأمين المسيرات من وقوع الانفجارين، واللذين وقعا بالقرب من مقبرة "سليماني"، خاصة في ضوء الأعداد الكبيرة للقتلى والمصابين، ومن ثم فإن إطلاق القمر "ثريا" يأتي كرسالة مزدوجة للداخل، بأن النظام ما زال قادراً على تحقيق نجاحات لصرف نظر الداخل عن حادث كرمان، وفي نفس الوقت لديه القدرة والقوة على بسط السيطرة على زمام الأمور في الداخل.

3. شكوك حول مُهمة القمر "ثريا": تؤشر الكتلة الكبيرة نسبياً للقمر الاصطناعي "ثريا" التي تمثل نحو 50 كيلوغراماً - وفق تصريح وزير الاتصالات الإيراني، إلى جانب أن موقع إطلاق القمر كان من محطة "شاهرود"، التي تقع على بُعد حوالي 350 كيلومتراً شرق طهران، وهي محطة مُخصصة لإطلاق الأقمار الاصطناعية ذات الاستخدام العسكري، بخلاف محطة الإمام الخميني، وقد تم إطلاق الأقمار "نور" بنسخها الثلاث من محطة "شاهرود"- على إثارة الشكوك، حول المهمة الحقيقية للقمر" ثريا"، وأنه قد يكون لاستخدامات الرصد والترقب للمواقع المُعادية، خاصة وأن الحرس الثوري الإيراني قد شارك في إطلاقه، وبحضور قيادات الحرس الثوري.، وهو ما يعزز فرضية أن القمر له أهداف عسكرية. 

4. محاولة تحريك المفاوضات النووية: أتى ذلك الإعلان من جانب إيران، في الوقت الذي تبعث فيه واشنطن إشارات بشأن إمكانية عودة المفاوضات النووية المتوقفة مع إيران، وأن الخروج من الاتفاق النووي كان خطأً كبيراً، في الوقت الذي بعثت فيه إيران أيضاً برسائل إيجابية في هذا الشأن، وقالت إنها مُستعدة للعودة للمفاوضات مع مُراعاة "خطوطها الحمراء". بل إن بعض الأوساط قد اعتبرت أن موقف إيران المتجنب للانخراط بشكل مباشر، في الصراع الدائر سواءً في غزة أم في اليمن ضد الحوثيين، هو محاولة إيرانية للتهدئة مع الولايات المتحدة، بُغية استئناف المفاوضات النووية معها.

لذا فقد تهدف إيران، من جراء تلك الإجراءات التصعيدية، إلى محاولة الدفع لتحريك ملف المفاوضات المتجمد منذ سبتمبر 2022، ووضع الغرب أمام خيارين؛ إما العودة للتفاوض مع إيران، وإما استمرار تصعيدها على المستويات كافة، إلا أن ذلك الأمر محفوف بمخاطر عدم استجابة الغرب لتلك الرسائل، واستئناف الضغط على الجانب الإيراني.

وفي التقدير؛ يمكن القول إن إيران تسعى من وراء الإعلان عن نجاحها في إطلاق قمر "ثريا" لأول مرة إلى مدارات أبعد من 500 كيلومتر في الوقت الحالي؛ إلى مُواصلة استعراض القوة من خلال اختبار الصاروخ "قائم100" في ظل تصعيدها المُتنامي مع الولايات المتحدة وإسرائيل خلال الفترة الحالية، خاصةً في ظل تداعيات الحرب في قطاع غزة، وللتأكيد أن البرنامج الصاروخي الإيراني بمثابة "خط أحمر" بالنسبة للنظام الإيراني، وأن استمرار تطويره هو الضمانة الاستراتيجية لمواجهة التهديدات الخارجية على إيران من جهة، وتعزيز ثقة الداخل في النظام من جهة أخرى؛ خاصةً في ظل الاخفاقات الأمنية التي واجهتها إيران مؤخراً داخلياً وخارجياً، ولحشد الإيرانيين في الانتخابات المُقبلة لمجلس الشورى الإسلامي ومجلس الخبراء في أول مارس 2024، لرفع مستوى المشاركة الشعبية التي يعوّل عليها النظام في توجيه رسائل إلى الغرب بأنه ما زال يمتلك قاعدة شعبية قوية في الداخل.