هسبريس:

دراسة ترصد غياب "الأمن الجندري" في الحديث عن الحرب الروسية الأوكرانية

26 September 2023


أفادت دراسة صادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بأنّ “الاهتمام الذي خصه المجتمع الأممي للحرب الروسية الأوكرانية كان ومازال مقصوراً على كيفية حماية السيادة الأوكرانية وأمنها القومي، على حساب حماية المجتمع الأوكراني، أو بعبارة أخرى البحث عن كافة الحلول المناسبة لحماية أمن الدول الأوروبية دون النظر إلى حماية المواطن الأكثر معاناة من ويلات هذه الحرب”.

وأشارت الدراسة المعنونة بـ”السرديات الغائبة للحرب وإعادة الإعمار في أوكرانيا” إلى أنّ “حالة الحرب الروسية الأوكرانية لا تعدّ الوحيدة التي تتجاهل الأبعاد الإنسانية، بل إن سرديات الحرب وسياسات الاستجابة عادة لا تعبأ كثيراً بمفاهيم الأمن الإنساني بمعناه الواسع، أو حماية الفئات الأكثر هشاشة، وهي القضية التي يركز عليها مفهوم ‘الأمن الجندري’ (Gender Security)”.

وأكدت الورقة، التي أعدها الباحث أندرو ألبير شوقي، أنّ “الحرب في أوكرانيا أفرزت مخاطر متعددة لم تهدد الأمن القومي الأوكراني وسيادة الدولة فحسب، لكنها امتدت لتهدد الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع الأوكراني، وفي مقدمتها النساء والفتيات والأطفال”، بحيث تم “حرمان الأوكرانيات من الرعاية الصحية والإنجابية، بعد أن أفاد صندوق الأمم المتحدة للسكان بأنه في بداية الأزمة الروسية الأوكرانية كانت هناك حوالي 265 ألف امرأة حامل في أوكرانيا”.

وحسب ما تم توقعه حينها فإن “حوالي 80 ألفاً منهن كن سيلدن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا”، ولهذا حذر الصندوق من أن “عمليات الولادة ستكون محفوفة بالمخاطر، لاسيما أنها ستحدث في الأقبية والملاجئ وسط ظروف مزرية، وقد تهدد صحة المرأة وتزيد من احتمالية وفاة المواليد أو الأمهات”.

والأكثر من ذلك فإن التقديرات أشارت إلى أنه “في حالة انعدام الأمن الغذائي تواجه النساء حالات متزايدة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، إذ تضطر المزيد من النساء إلى ممارسة الجنس مقابل الغذاء، ولا تستطيع العديد من المزارعات الصغيرات، اللاتي غالباً ما يكن في أدنى درجات الاندماج الاقتصادي، تشغيل مزارعهن”، مع الإشارة إلى أنه “بالنسبة للفتيات تزيد أزمة الغذاء من فرص إخراجهن من المدرسة”.

إلى ذلك، قالت الدراسة إنّ “مخاطر اللجوء والنزوح ترتفع في صفوف النساء، فبدءاً من يوليو 2022 فر ما لا يقل عن 12 مليون شخص من منازلهم منذ بدء الهجوم الروسي؛ فيما تُقدر المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة (IOM) أن أكثر من نصف الذين فروا من البلاد أو نزحوا هم من النساء”، وأضافت: “يكمن خطر اللجوء في تزايد معدلات الاتجار بالنساء والفتيات أثناء بحثهن عن المساعدة لأنفسهن ولأطفالهن”.

وتواجه النساء أيضا مخاطر الحرمان من التعليم، بحيث أفادت وزارة التربية والتعليم الأوكرانية بأنه “بحلول يونيو 2022 تم تدمير أكثر من 1800 مدرسة وجامعة في مختلف أنحاء أوكرانيا، وتم استخدام بعض المدارس كمراكز معلومات أو ملاجئ أو مراكز إمداد لأغراض عسكرية”؛ ونتيجة لذلك، “حُرم ملايين الفتيان والفتيات في الأشهر الثمانية الماضية من التعليم المناسب”، مع أن “احتمال خروج الفتيات من المدرسة كان بمقدار 2,5 مرة مقارنة مع الفتيان”.

كما تتعرض النسوة أثناء الحروب لمخاطر العنف الجنسي، إذ تشير الدراسة إلى أنّ “النزاع المسلح في أوكرانيا أدى إلى زيادة مخاطر هذا العنف، بما في ذلك الاغتصاب والاستعباد الجنسي والدعارة القسرية”، مضيفة أنّ “تقارير واردة تؤكد أن تواتر اغتصاب النساء الأوكرانيات جاء إثر إعدام أزواجهن؛ وفي بعض الحالات يتم أمام أفراد أسرهن، وهو تكتيك متعمد لتمزيق نسيج الأسرة الأوكرانية، وكسر الروح المعنوية للنساء”.

وأمام هذا الوضع، تبدو الحاجة إلى استجابات متكاملة لجهود إعادة الإعمار بعد النزاعات المسلحة، وذلك من خلال تحقيق الانتعاش الاقتصادي، فـ”اندماج النساء الأوكرانيات في جهود إعادة الإعمار أمر لا مفر منه، إذ يعد أحد المسارات الحيوية لإنقاذ اقتصاد أوكرانيا؛ وعليه يجب تحفيز النساء اللاجئات على العودة إلى الأراضي الأوكرانية، إذ إن الفشل في إقناع نحو 2,8 مليون امرأة في سن العمل بالعودة إلى البلاد من شأنه تكلفة أوكرانيا 10% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي”، وفق المصدر ذاته.

ويبدو للباحث ذاته أنّ “مدخل الأمن الجندري يحفز على إدماج النساء في محادثات إعادة الإعمار، وخطط التعافي الاقتصادي، الأمر الذي يجعل هذه العملية متكاملة الأبعاد، ولا تقتصر فقط على البُعد الاقتصادي المتمثل في كيفية الوصول إلى اقتصاد مزدهر عبر حماية شركات القطاع الخاص”.

وقالت الدراسة إن “هذا الاقتصار كان المدخل الذي يؤدي إلى إهمال الجوانب الاجتماعية والصحية والاقتصادية للفئات الأكثر ضعفاً، وربما وضع المزيد من الأعباء على النساء الأوكرانيات”.

*لينك المقال في هسبريس*