الدفاع الجماعي:

قمة فيلنيوس.. كيف سيواجه الناتو تهديدات روسيا والصين؟

10 July 2023


تنعقد قمة فيلنيوس لقادة دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" يومي 11 و12 يوليو 2023 في عاصمة ليتوانيا، وسط بيئة أمنية أكثر تعقيداً ولا يمكن التنبؤ بها منذ الحرب الباردة، حسب وصف الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، في بيانه الصحفي لتحديد مكان انعقاد القمة في 9 نوفمبر 2022، وفي ظل تحديات مُستعرة يواجهها "الناتو" بعد مرور أكثر من عام على الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، وأيضاً في ضوء تنامي القدرات العسكرية الصينية وتزايد المنافسة الاستراتيجية على قيادة العالم، وتوسيع عضوية الحلف بضم فنلندا والعمل على تذليل العقبات القائمة أمام انضمام السويد. ويأتي اختيار العاصمة الليتوانية فيلنيوس ليُسلط الضوء على أهمية أمن الجناح الشرقي لدول "الناتو"، وكيفية تكامله مع الأهداف الاستراتيجية للحلف خلال الفترة المقبلة.

أجواء القمة:

تنعقد قمة فيلنيوس في ظل المحددات التالية:

1- صدور وثيقة المفهوم الاستراتيجي الجديد لـ"الناتو" في قمة مدريد في يونيو 2022، والتي عدت روسيا "التهديد الأكبر والمباشر لأمن الحلفاء"، وذلك في تغيير لـ"نهج الشراكة مع روسيا" الذي أقرته وثيقة الحلف في لشبونة عام 2010، وكذلك التي وصفت الصين بأنها تُعد "تحدياً لأمن الحلف ومصالحه وقيمه"، وأنها "تستخدم مجموعة واسعة من الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية لزيادة نفوذها الدولي.. فيما تبقى غامضة حول استراتيجيتها ونياتها وتعزيزها العسكري"، وذلك في أول إشارة للتهديد الصيني في وثائق "الناتو".

وبالرغم من وجود اتفاق فعلي بين دول "الناتو" كافة على مواجهة روسيا في أعقاب اندلاع الحرب الأوكرانية، فإن الأمر ليس ذاته مع الصين، ففي حين تريد الولايات المتحدة من شركائها الأوروبيين موقفاً أكثر قوة بشأن التعامل مع الممارسات الاقتصادية والصناعية "الضارة" لبكين، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وقضية تايوان، من وجهة نظر واشنطن؛ يريد الاتحاد الأوروبي "تقليل المخاطر" وليس "فك الارتباط" مع بكين، حسبما عبّرت عن ذلك رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، خلال المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد بدافوس في يناير 2023. 

ومع أن بعض دول الاتحاد الأوروبي تتبنى مقاربات مختلفة فإنها تنحو إلى مزيد من الاستقلالية في التعامل مع بكين، خاصة فرنسا وألمانيا، حيث صنفت الأخيرة في استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي أفعال الصين بأنها تتعارض مع المصالح والقيم الألمانية؛ إلا أن استمرار هذه المقاربات، وعدم انصياعها للموقف الأمريكي بالكامل في المستقبل يعتمد على محدد حاكم هو عدم وجود أي دليل ملموس حتى الآن على تقديم بكين دعماً عسكرياً مباشراً لروسيا في حربها مع أوكرانيا، وذلك بالرغم من وجود مؤشرات دالة على قيامها بدعم موسكو بطرق أخرى غير مباشرة. 

2- توجه "الناتو" نحو حقبة جديدة من الدفاع الجماعي، وتفعيل المادة الخامسة من ميثاقه التي تنص على أن أي هجوم أو عدوان مُسلح على أي عضو في التحالف العسكري هو عدوان على جميع الأعضاء. فبعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بأيام، قام "الناتو" بتعزيز سياسة الردع، وتفعيل جميع خططه الدفاعية، ونشر 40 ألف من قوات الاستجابة السريعة التي تضم لواءً متعدد الجنسيات وكتائب مدعومة بوحدات جوية وبحرية وقوات خاصة للمرة الأولى لتجنب امتداد نطاق الحرب إلى أراضي الحلف، وعزز دفاعاته الأمامية في الدول الشرقية القريبة من روسيا، خاصة بولندا ورومانيا ودول البلطيق الثلاث التي نشر فيها الحلف أربع كتائب قتالية.

ويمكن القول إن حرب أوكرانيا قد أدت إلى توحيد مواقف دول "الناتو" حول مواجهة روسيا، وإعادة إحياء دور الحلف الذي حذر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في نوفمبر 2019، من أنه صار معرضاً لخطر "الموت الدماغي"، وشكك الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في جدوى بقائه باعتباره عبئاً على بلاده. كذلك أدت الحرب إلى إطلاق ألمانيا، في نهاية فبراير 2022، لأكبر برنامج تسليح في تاريخها بتكلفة بلغت 100 مليار يورو، وإلى إطلاق "الناتو" في 12 يونيو 2023 مناورات "إير ديفندر 23" بألمانيا، والتي تُعد أكبر تدريبات جوية في تاريخ الحلف منذ تأسيسه، وذلك بمشاركة 25 دولة من دول الحلف وكل من السويد واليابان تحت قيادة برلين.

3- توسيع عضوية حلف "الناتو"، وضم فنلندا بصورة رسمية في 4 إبريل 2023 لتكون العضو رقم 31 في الحلف، وذلك بعد فترة طويلة من مشاركتها في أنشطته كشريك، ومن إدراجها خيار الانضمام إلى الحلف في عقيدة أمنها القومي عام 2004. ويترتب على ذلك تطويق روسيا عسكرياً بإضافة 1300 كيلومتر إلى حدودها الغربية مع دول "الناتو"، وهو ما يعني عملياً قيام الحلف بزيادة قدراته العسكرية ونشر قواته على طول هذه المسافة، والتأثير في مساعي موسكو لضمان حقوقها في منطقة القطب الشمالي.

لكن الأمر ليس نفسه بالنسبة للسويد، فبالرغم من موافقة تركيا وتصديق برلمانها على قبول فنلندا عضواً في الحلف وفقاً لميثاق "الناتو" الذي ينص على أن يكون انضمام أي دولة جديدة بموافقة جميع الأعضاء، بيد أن موقف أنقرة تجاه السويد يتسم بالتشدد. وعلى الرغم من توقيعها مذكرة تفاهم ثلاثية مع كل من السويد وفنلندا في يونيو 2022 بعد تعهدهما بالاستجابة لمطالب أنقرة بشأن التعاون في ملف مكافحة الإرهاب، فإن العلاقات قد توترت في أعقاب سماح الحكومة السويدية بحرق المصحف الشريف أمام السفارة التركية في ستوكهولم في نوفمبر 2022، وطلب الخارجية التركية في فبراير 2023 تعهدات صريحة من السويد لقبول عضويتها بالحلف؛ أهمها تسليم المطلوبين من حزب العمال الكردستاني وجماعة فتح الله غولن التي تتهمها أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب عام 2016، والكشف عن هوية المتظاهرين أمام السفارة التركية. أضف إلى ذلك رفع الحظر الذي فرضته السويد على تصدير الأسلحة التركية بعد تدخل أنقرة العسكري في شمال سوريا في أكتوبر 2019.

وجدير بالذكر أن السويد تُعد من كبريات الدول الأوروبية التي تعيش فيها جالية كردية لا تقل عن 100 ألف كردي يحملون الجنسية السويدية أو الجنسية المزدوجة. ورغم أن الاتحاد الأوروبي يصنف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، فإن الخلاف يدور حول الرغبة التركية في تطبيق نفس المعاملة على الجماعات الكردية الأخرى كافة والمنتمين إليها في الخارج، خاصة الأكراد المقيمين في السويد، والذين يدعمون وحدات حماية الشعب السوري. 

4- تزايد دور الصين وروسيا في الجناح الجنوبي لـ"الناتو"، وخاصة في الدول الإفريقية، وذلك على النحو الذي ظهر في تزايد النفوذ الروسي والصيني السياسي والاقتصادي والعسكري فيها، ونشاط مجموعة فاغنر في كل من مالي وإفريقيا الوسطى وليبيا وبوركينا فاسو والسودان، وعدم اقتصار دورها على الجهود الأمنية فقط.

قضايا متوقعة:

في ضوء ملابسات انعقاد قمة "الناتو" في فيلنيوس، يبرز عدد من القضايا المتوقع أن تُركز عليها جنباً إلى جنب مع القضايا التقليدية المُثارة في القمم السنوية للحلف، والتي تتمثل في الآتي:

1- إعادة تأكيد دور "الناتو" في الحفاظ على استقرار النظام الدولي القائم على القواعد المتفق عليها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، وذلك في مواجهة "الشراكة الاستراتيجية العميقة" بين بكين وموسكو "ومحاولاتهما المتبادلة لزعزعة استقرار النظام الدولي"، حسب وصف استراتيجية الحلف في قمة مدريد. وفي هذا الإطار، يبرز الجدل بين رؤيتين متعارضتين، ففي حين يؤكد قادة دول "الناتو" "عالمية" الأزمة الأوكرانية باعتبارها تهديداً للنظام العالمي، تتهم روسيا الحلف بأنه يستغل الأزمة الأوكرانية كذريعة لتعزيز قدراته العسكرية في أوروبا. 

2- الإعلان عن مبادرة شاملة لدعم كييف، وهي المبادرة التي ناقش ملامحها الأولية اجتماع وزراء خارجية دول "الناتو" في بروكسل في إبريل 2023، وتشمل برنامج دعم لمدة 10 سنوات بتكلفة تبلغ حوالي 500 مليون دولار سنوياً، وذلك بما يساعد أوكرانيا على التخلص التدريجي من المعدات السوفيتية وإدخال الأسلحة القياسية لـ"الناتو"، ودعم التدريبات العسكرية الإضافية، وبرامج الرقمنة، والإصلاحات الصناعية، بالإضافة إلى المساعدات العسكرية الأمريكية، والتي بلغت ما يقرب من 35.1 مليار دولار منذ بداية الحرب وحتى إبريل 2023.

وتستكمل هذه المبادرة الجهود التي قامت بها دول الحلف منذ بداية الحرب الأوكرانية، والتي شملت تكثيف تزويد كييف بالأسلحة والمعدات العسكرية اللازمة من المركبات المدرعة والدبابات القتالية وأنظمة المدفعية والدفاع الجوي والذخيرة طويلة المدى، وتكثيف تدريب الوحدات القتالية الأوكرانية على الأسلحة الحديثة التي زودتها بها بعض دول "الناتو"، وتوفير التدريب للطيارين الأوكرانيين، وإسهام الحلف في تمويل مراكز إصلاح الأسلحة التي تم تسليمها بالفعل، مثل مركز إصلاح مدافع "الهاوتزر" في سلوفاكيا، والمركزين الجاري إنشاؤهما في بولندا لإصلاح دبابات "ليوبارد"، وفي رومانيا لإصلاح دبابات "ماردر". وأوضح وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، يوم 20 إبريل 2023، أنها "تكلف أموالاً طائلة، ويتعين تمويلها.. وتوضيح من سيدفع ثمنها في النهاية".

3- تعزيز القدرات الدفاعية لدول الجناح الشرقي للحلف، والتي تُعد خط المواجهة الأساسي مع روسيا، وذلك من خلال الإعلان عن زيادة عدد قوات الاستجابة السريعة من 40 إلى 300 ألف جندي أي بما يقارب السبعة أضعاف ونصف، مع رفع الكتائب التابعة لـ"الناتو" في الجزء الشرقي إلى مستوى الألوية، وذلك أخذاً في الاعتبار التطورات على صعيد الوضع القتالي في أوكرانيا وعدم نجاح الهجوم العسكري المُضاد لكييف في تحقيق النتائج المُستهدفة منه حتى نهاية شهر يونيو 2023، وانتقال رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين إلى الإقامة في بيلاروسيا عقب فشل تمرده على موسكو، وخشية الرئيس الليتواني من تأثير ذلك في بلاده، وعلى أمن الحدود الشرقية لدول الحلف لأنه انتقال أو نفي من دون "خطط ونيات واضحة" لمؤسس فاغنر.

وعضّد ذلك، قبل التطورات الأخيرة في يونيو الماضي، مطالبة وزراء خارجية دول مجموعة بوخارست التسع، والتي تضم بلغاريا والتشيك وإستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا، خلال اجتماعهم في بولندا يوم 31 مارس 2023 بزيادة الوجود الأمريكي في دول الجناح الشرقي لـ"الناتو"، وتعزيز القدرات الدفاعية لمنطقتهم المتاخمة لأوكرانيا من خلال تزويدهم بأنظمة الدفاع الجوي الحديثة، والقدرات المُضادة للصواريخ، ووسائل المراقبة والاستطلاع والاستخبارات. 

ويستند ذلك إلى الجهود التي تمت بالفعل، وشملت على سبيل المثال إعلان وزارة الدفاع الألمانية عن تخطيطها لنشر أنظمة الدفاع الجوي "باتريوت" في بولندا وسلوفاكيا المتاخمتين لأوكرانيا خلال عام 2023، وذلك لتأمين مجالهما الجوي بعد أن كانت قد زودتهما بالفعل مبدئياً بهذه الأنظمة في مارس 2022 بالنسبة لسلوفاكيا، وفي بداية 2023 بالنسبة لبولندا. وكذلك تصريح وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، عن اعتزام بلاده نشر 4 آلاف جندي بشكل دائم في ليتوانيا خلال زيارته لعاصمتها في 26 يونيو الماضي بشرط توفير ليتوانيا الأماكن اللازمة لإيواء هؤلاء الجنود وممارسة تدريباتهم. لكن من السابق لأوانه التنبؤ بالالتزامات المحددة التي سوف يقدمها الحلف لدول جناحه الشرقي.

4- تأكيد عتبة الإنفاق العسكري، حيث يستلزم تعزيز القدرات الدفاعية لـ"الناتو" قيام الدول الأعضاء بزيادة إنفاقها العسكري لضمان الاستمرار في مساعدة أوكرانيا خلال حربها مع موسكو، ولتطوير وتعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية للحلف في مواجهة الآلة العسكرية الروسية، ولتحمل التكلفة المتوقعة لزيادة عدد قوات الاستجابة السريعة وتحويل كتائبها إلى ألوية. 

وبالرغم من تعهد الدول الأعضاء في قمة الحلف بويلز في عام 2014 بإنفاق 2% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة على الدفاع، وهو السقف الأدنى الذي يفرضه الحلف على الدول الأعضاء، وتخصيص 20% من ميزانياتها لشراء معدات جديدة؛ فإنه لم يُلب هدف الوصول إلى عتبة الـ2% حتى نهاية عام 2022 إلا 9 من أصل 30 دولة ليس من بينها الدول الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا. في حين كان الوضع أفضل بالنسبة للتعهد الخاص بالمعدات الجديدة، حيث وصلت إليه جميع دول الحلف باستثناء كل من بلجيكا وجمهورية التشيك وكندا والبرتغال وسلوفينيا. هذا مع ملاحظة ارتفاع واردات دول "الناتو" الأوروبية  من الأسلحة خلال الفترة 2018 - 2022 بنسبة 65% مقارنة بالفترة من 2013 - 2017 بسبب الحرب الأوكرانية، وذلك وفقاً للتقرير الصادر عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI) في ديسمبر 2022.

ومن المُرجح أن يؤدي إدراج ألمانيا النص على زيادة إنفاقها العسكري في استراتيجية أمنها القومي للوصول إلى العتبة التي حددها "الناتو"، والتعهد بتحقيق ذلك الهدف بدءاً من عام 2024؛ إلى تشجيع الدول الأوروبية الكبرى على حذو هذا المسار في المستقبل.  

5- مناقشة كيفية التصدي للطموحات العسكرية الصينية المتزايدة، وقد أخذ ذلك خطوات متدرجة شملت مشاركة قادة اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا في قمة مدريد 2022، وزيارة الأمين العام للحلف إلى كل من سيول وطوكيو في فبراير 2023، والتي في أعقابها قامت الدولتان بتقديم مساعدات غير عسكرية لأوكرانيا شملت الإمدادات الطبية والدروع والخوذات والمولدات ومعدات الاتصالات. كذلك تخطيط "الناتو" لفتح مكتب اتصال في طوكيو ليكون الأول من نوعه في آسيا لتسهيل إجراءات المشاورات الأمنية والعسكرية في المنطقة. وتبرز هنا التخوفات الأسترالية من بسط الصين سيطرتها على بحر الصين الجنوبي، ومن تمددها تجاه الدول الجزرية جنوبي المحيط الهادئ.

ووفقاً للخبراء، فإنه من الأرجح أن تشمل هذه الجهود مزيجاً من التدابير الاقتصادية والسياسية المحددة والاستراتيجية الدفاعية الموجهة للرد على البرامج الإلكترونية الصينية، وعلى التحركات العسكرية ضد تايوان، وفي بحر الصين الجنوبي، وعلى شراكتها الاستراتيجية مع روسيا.

6- التمهيد لقبول عضوية السويد رسمياً في "الناتو" لتكون الدولة رقم (32)، ويُرجح ذلك انتهاء الانتخابات الرئاسية التركية، والضغوط الأمريكية على أنقرة للموافقة على انضمام ستوكهولم، وعدم استخدامها لحق "الفيتو" على نحو ما ظهر في تصريح وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في 19 إبريل 2023 بأن الولايات المتحدة تأمل انضمام السويد كعضو كامل العضوية في تشكيل الحلف قبل انعقاد قمة فيلنيوس، وتحدث الرئيس الأمريكي بايدن مع نظيره التركي أردوغان عقب إعادة انتخابه، وإعرابه عن رغبته في أن توافق أنقرة على انضمام ستوكهولم "في أقرب وقت ممكن". ويبدو أن المحدد الرئيسي لموافقة تركيا على انضمام السويد سيحكمه نجاح إدارة بايدن في إقناع الكونغرس بالموافقة على بيع طائرات "أف 16" لأنقرة، وهو الرهان والورقة التفاوضية التي ستحاول تركيا الضغط بقوة من أجل تحقيقها خلال الشهور المقبلة.  

ومع أن قيام لاجئ عراقي في السويد بحرق المصحف الشريف أول أيام عيد الأضحى في 28 يونيو 2023، قد صاحبه تعهد تركي برد عنيف، فإن ستوكهولم بادرت بالتهدئة ومحاولة امتصاص الغضب التركي والإسلامي بحظر تنظيم أي احتجاجات مؤيدة لحرق المصحف، واتهام الشرطة مُنفذ العملية بـ"التحريض ضد جماعة عرقية أو قومية" على رغم عدم التأكد من أخذ القضاء بذلك الاتهام. وكرد فعل إيجابي جانبها، لم تلغ تركيا المحادثات المقررة مع السويد بالإضافة إلى فنلندا بمقر "الناتو" في 6 يوليو الجاري.

ويؤدي انضمام السويد لـ"الناتو" إلى أن تكون منطقة أوروبا الشمالية كلها تابعة للحلف بعد أن سبقتها فنلندا، وأن تزيد القدرات العسكرية لدول الحلف في بحر البلطيق، حيث يترتب على انضمام السويد الاستفادة من الغواصات الخمس الحديثة التي تمتلكها، والتي من الأرجح أن تُكمل أسطولي بولندا وألمانيا، وهو ما يترتب عليه بالتبعية أن تجد روسيا صعوبة في حركتها البحرية.

7- تأجيل اتخاذ قرار بشأن طلب أوكرانيا الانضمام بشكل رسمي إلى الحلف، فبالرغم من تقدم كييف بطلب للانضمام السريع إلى "الناتو" في سبتمبر 2022، ورغبتها في أن تصدر قمة فيلنيوس قراراً بدعوتها للانضمام كما صرح بذلك وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، في 15 إبريل 2023، أو على الأقل تحدد مساراً واضحاً لعضويتها حسب تصريحات السفير الأوكراني في ألمانيا؛ فإنه من المرجح ألا تتخذ قمة قادة دول الحلف قراراً بشأن ذلك، ويستمر "الناتو" في سياسة "الباب المفتوح" مع أوكرانيا، ويتأجل البت في قرار العضوية لما بعد انتهاء الحرب الحالية، وبعد استيفاء أوكرانيا لمعايير الانضمام إلى الحلف دون منحها أية معاملة تفضيلية في تلك الخطوة.

وإلى حين ذلك، سوف تستمر مجموعة الاتصال الدفاعية حول أوكرانيا في تنسيق الدعم الغربي لها، ويتم إشراك أوكرانيا بصورة أكبر في المحيط البيئي لعمل "الناتو" مثل مراكز التميز ووكالات الحلف المختلفة على نحو ما ظهر في الموافقة على عضويتها بالإجماع "كمشارك مساهم" في مركز التميز للدفاع السيبراني التابع لـ"الناتو" خلال الاجتماع الثلاثين للجنة التوجيهية للمركز في 16 مايو 2023. كذلك سوف يستمر النقاش حول أمرين: الأول هو أنسب الطرق لتقريب كييف من الحلف سواءً عن طريق دعم مقترح إنشاء مجلس جديد لـ"الناتو أوكرانيا" على مستوى رؤساء الدول والحكومات أو تفعيل لجنة عمل "الناتو أوكرانيا" على المستوى الوزاري، والتي كانت قائمة حتى عام 2017 حتى علقت المجر اجتماعاتها اعتراضاً على قانون التعليم الأوكراني الذي تقول بودابست إنه ينتهك حقوق الأقلية المجرية في البلاد. والأمر الثاني هو نوعية الضمانات التي يمكن منحها لأوكرانيا بعد أن تضع الحرب أوزارها.

ويعزز هذا الموقف التصريحات المتوازنة للأمين العام لـ"الناتو" خلال اجتماع مجموعة الاتصال حول أوكرانيا بقاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا يوم 21 إبريل الماضي، ففي حين أكد أن "كل حلفاء الناتو متفقون على أن أوكرانيا يجب أن تكون عضواً في الحلف"، أوضح أن "الأمر المهم الآن هو انتصار كييف، لأنه إذا لم تؤكد أوكرانيا نفسها كدولة مستقلة ذات سيادة في أوروبا، فلا فائدة من مناقشة العضوية". كذلك إشارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية، في مؤتمر صحفي يوم 25 مايو الماضي، إلى أن الحرب هي بين روسيا وأوكرانيا وليست بين روسيا و"الناتو"، وذلك بما يدل على عدم الرغبة في توسيع مظلة الحرب وتصعيد نطاق المواجهة مع موسكو ليشمل دولاً أخرى. وتشديد وزير الدفاع الألماني خلال بيانه الحكومي بـ"البوندستاغ"، في 22 يونيو الماضي، على أن الأولوية المطلقة خلال قمة فيلنيوس سوف تخصص لـ"تعزيز القدرة القتالية الفعلية لأوكرانيا".

بالإضافة إلى هذه القضايا، من المُرجح أن يؤكد "الناتو" في قمة فيلنيوس استمرار دعمه للدول الواقعة جنوب "الناتو" خاصة الدول الإفريقية، وعلى استمرار التصدي للإرهاب، ولجهود روسيا الهادفة إلى إضعاف نظام الحد من التسلح وعدم الانتشار النووي. وبالرغم من أن ذلك لا يمكن أن يتم الإعلان عنه صراحة، فإنه من المتوقع أن تناقش القمة الوسائل المختلفة لإضعاف الجبهة الداخلية لروسيا خاصة بعد ما كشفت عنه أحداث تمرد فاغنر من مدى اهتزاز قبضة الرئيس بوتين على مقاليد الأمور الداخلية في البلاد، وقبل أن ينجح النظام الروسي في استعادة توازنه اللحظي من جراء الأزمة المفاجئة التي لحقت به في 36 ساعة فقط، وفي قدرته على استكمال جهوده في حشد وتعبئة الجنود والمتطوعين للقتال على الخطوط الأوكرانية.

إجمالاً، يمكن القول إن قمة حلف "الناتو" في فيلنيوس سوف تكون فارقة؛ لأنها أول تطبيق عملي لما نصت عليه وثيقة المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف في مدريد، خاصة فيما يتعلق بدعم جهود أوكرانيا في حربها مع روسيا، ومواجهة التهديدات الضمنية المتزايدة للصين.