مفترق طرق:

أبعاد دعوة مجلس الأمن الدولي صوماليلاند للانسحاب من لاسعانود

22 June 2023


دعا مجلس الأمن الدولي، في 7 يونيو 2023، قوات الأمن التابعة لجمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) الانفصالية، للانسحاب الفوري من مدينة لاسعانود الصومالية، وضرورة تهيئة الظروف المواتية للسلام وضبط النفس من قبل كافة الأطراف، في ظل تصاعد الاشتباكات والعنف القبلي في هذه المدينة.

إدانة مجلس الأمن لهرجيسا:

تشهد مدينة لاسعانود توترات مستمرة خلال الأشهر الأخيرة، حيث تقع هذه المدينة في المنطقة الحدودية الفاصلة بين الصومال وصوماليلاند، والتي أعلنت انفصالها عن مقديشو بشكل منفرد منذ عام 1991، ولم تحظ باعتراف دولي. ولطالما شهدت لاسعانود صراعات متكررة بين صوماليلاند وإقليم بونتلاند، أحد أقاليم الصومال الخمسة، بيد أن وتيرة العنف في المنطقة شهدت تزايداً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، ما أدى إلى إصدار مجلس الأمن بياناً بشأن الأوضاع هناك، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- الدعوة للانسحاب من لاسعانود: أصدر مجلس الأمن الدولي بياناً، في 7 يونيو الجاري، أعرب خلاله عن قلقه البالغ إزاء العنف المتزايد في مدينة لاسعانود، عاصمة منطقة سول شمال الصومال، وذلك بعد سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين في المدينة، فضلاً عن نزوح أكثر من 150 ألف آخرين. وأدان مجلس الأمن الخسائر التي لحقت بالمدنيين، وكذلك الأضرار التي تعرضت لها البنية التحتية في المدينة في ظل الصراع الجاري والمحتدم.

وبناءً عليه، دعا مجلس الأمن قوات الأمن التابعة لجمهورية أرض الصومال الانفصالية إلى الانسحاب الفوري من مدينة لاسعانود الصومالية، مطالباً كافة الأطراف بالتوقف عن العنف، وذلك تمهيداً للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وأكد بيان مجلس الأمن احترامه لوحدة وسيادة الصومال وسلامته الإقليمية، مشيداً بالجهود التي تقوم بها الحكومة الاتحادية الصومالية في مقديشو وكذا المبادرات التي تطرحها إثيوبيا، بالإضافة إلى التحركات الجارية لشيوخ العشائر الصومالية، في إطار مساعي تعزيز حوار وطني شامل هناك.

2- انتقاد صوماليلاند لمجلس الأمن: رحبت صوماليلاند بالبيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي بشأن ضرورة وقف الأعمال العدائية في لاسعانود، بيد أنها عبرت أيضاً عن قلقها إزاء موقفه، معتبرةً أن البيان الأخير الصادر عنه يعكس وجود معلومات مضللة بشأن الأوضاع على الأرض، مشيرةً إلى أن صوماليلاند عمدت، منذ 26 فبراير 2023، إلى سحب قواتها الموجودة في لاسعانود، واحتفظت منذ ذلك الحين بموقعها الدفاعي المتمركز خارج المدينة، وأنها لم تلجأ إلى استخدام القوة إلا للحفاظ على هذه المواقع ضد هجمات المليشيات العشائرية.

كما تمسكت صوماليلاند بحقها في حماية منطقة سول، وعاصمتها لاسعانود، التي تعدها جزءاً من حدودها التي أعلنتها منذ وقت الاستقلال المنفرد لهرجيسا، عام 1991، متهمةً مليشيات من ولاية بونتلاند الصومالية بالعمل على تأجيج الصراع في لاسعانود، ومطالبةً بضرورة انسحاب هذا المليشيات من المدينة.

3- استقالة رئيس برلمان هرجيسا: أعلن رئيس مجلس النواب في صوماليلاند، عبدالرزاق خليف أحمد، استقالته من منصبه في رئاسة البرلمان وعضوية حزب "وداني"، لافتاً إلى دعمه لبيان مجلس الأمن الدولي بشأن الأوضاع في مدينة لاسعانود، مؤكداً دعمه لعشائر لاسعانود المعارضة لصوماليلاند.

وكان رئيس صوماليلاند قد أرسل خليف إلى مدينة لاسعانود، قبل عدة أسابيع، لتسوية الصراع هناك، بيد أن رئيس البرلمان أعلن دعمه لموقف عشائر المدينة في مواجهة حكومة صوماليلاند، ليشكل بذلك أبرز مسؤول في الحكومة يعلن انشقاقه عنها.

مشهد مأزوم في صوماليلاند:

يعكس العنف المتزايد حالياً في لاسعانود أحد ملامح المشهد الراهن المأزوم في صوماليلاند، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- صراعات قبلية متزايدة: تؤدي العشائر دوراً محورياً في وصول السياسيين للسلطة في صوماليلاند، وتتمثل أحد أسباب مشكلة لاسعانود في الانتقادات المتزايدة من قبل العشائر الطرفية لهيمنة عشائر "إسحاق"، والتي تشكل غالبية السكان، على السلطة في صوماليلاند منذ انفصالها الأحادي في عام 1991.

وفي حين تشكل "الإسحاق" الغالبية في صوماليلاند، بيد أن عشيرة "دولبهانت" تشكل الأغلبية في منطقة سول، وعاصمتها لاسعانود، تليها عشيرة "ووارسنقلي"، حيث تنتمي العشيرتان إلى قبيلة "الدارود" المسيطرة على إقليم بونتلاند الصومالي. وتفضل عشائر سول فكرة الانضمام إلى مقديشو بدلاً من البقاء داخل صوماليلاند، باعتبار أن انفصال الأخيرة يخدم مصلحة عشائر "إسحاق"، ولاسيما عشيرة "سعد موسى"، وهي إحدى العشائر الفرعية داخل "الإسحاق"، ما دفع "دولبهانت" للبحث عن بديل إداري، سواءً بالانضمام إلى ولاية بونتلاند، أو تشكيل ولاية جديدة، ضمن ولايات الدولة الصومالية، لكن في الواقع ليس كافة أبناء عشيرة "دولبهانت" لديهم نفس التطلعات للانفصال عن أرض الصومال، حتى وإن كانت نسبة كبيرة منهم تفضل ذلك.

وتشهد صوماليلاند تصاعداً لافتاً في الاشتباكات العنيفة بين قوات الأمن الحكومية والمليشيات العشائرية، وبدأت هذه الاشتباكات تأخذ منحى تصاعدياً بداية من ديسمبر 2022، عندما تحولت الاحتجاجات هناك إلى انتفاضة واسعة من قبل عشيرة "دولبهانت"، والتي دعت للعودة إلى الفدرالية الصومالية الموحدة، وهو ما فاقم المواجهات بين القوات الحكومية والمليشيات العشائرية.

2- استمرار التوترات الحدودية: استندت صوماليلاند في دعوتها للانفصال، عام 1991، إلى تاريخها الاستعماري، حيث كانت هرجيسا محمية بريطانية، بخلاف بقية الصومال التي كانت تحت سيطرة الاستعمار الإيطالي، واندمجت المنطقتان في إطار الصومال الكبير عام 1960، قبل أن تقرر صوماليلاند الانفصال بشكل منفرد عام 1991.

وعلى الرغم من أن منطقة سول كانت جزءاً من محمية صوماليلاند البريطانية، فإن هذه المنطقة الحدودية ظلت محل نزاع بين مقديشو وهرجيسا بعد انفصال الأخيرة أحادياً، وظلت قوات ولاية بونتلاند مسيطرة على عاصمة المنطقة، مدينة لاسعانود، حتى عام 2007، عندما تمكنت قوات صوماليلاند من السيطرة على هذه المنطقة، بيد أن عشائر مناطق سول وسناج وكاين أعلنت تشكيل منطقة خاتومو المستقلة، بزعامة، علي خليف، والذي دخل في مباحثات مطولة مع الحكومات المتعاقبة لصوماليلاند، في محاولة للتوصل لتفاهمات ومصالحة بين الطرفين، غير أن تعثر تنفيذ هذه التفاهمات أدى إلى تفاقم حالة السخط لدى عشائر لاسعانود من هرجيسا، وتنامي الشعور بالتهميش السياسي. 

وبعد تصاعد الاشتباكات بين هرجيسا والمليشيات العشائرية في مدينة لاسعانود، منذ نهاية عام 2022، اضطرت حكومة صوماليلاند إلى سحب قواتها لنحو 30 كيلومتراً خارج المدينة، لكنها لا تزال منتشرة داخل منطقة سول، وتتمسك بضرورة خروج قوات بونتلاند التي تدعم المليشيات العشائرية في المدينة، فيما أعلن رئيس ولاية بونتلاند الصومالية، سعيد دني، أنه متمسك بفرض السيطرة على كامل منطقة سول، وهو ما ينذر بمواصلة التوترات في هذه المنطقة الحدودية.

3- أزمة سياسية متفاقمة: تشهد صوماليلاند أزمة سياسية بسبب تعثر إجراء الانتخابات الرئاسية، والتي كان يفترض إجراؤها في نوفمبر 2022، كما اندلعت أعمال عنف واسعة نهاية العام الماضي، في أعقاب قرار رئيس صوماليلاند، موسى بيهي عبدي، بتأجيل الانتخابات، وهو ما لاقى اعتراضات واسعة من قبل المعارضة. 

كما ترتبط الأزمة السياسية في صوماليلاند أيضاً بتأجيل الترخيص للأحزاب الثلاثة التي سيسمح لها بالمشاركة السياسية في هرجيسا للسنوات العشر المقبلة، حيث انتهت ولاية الأحزاب السياسية الحالية، وهو ما خلق حالة من الجمود السياسي في البلاد.

4- فجوة تنموية بين الشرق والغرب: ثمة فجوة تنموية واضحة بين المناطق الشرقية والغربية في صوماليلاند، فبينما تتمتع المناطق الغربية بالازدهار وتوافر الخدمات الأساسية، بما في ذلك فرض الأمن والنظام، في المقابل تبدو المناطق الشرقية أقل تطوراً، فضلاً عن محدودية الخدمات الأساسية التي تقدمها الحكومة هناك. وأدت هذه الفجوة المتزايدة إلى إثارة حالة من السخط لدى عشائر المناطق الشرقية، ولاسيما سول وسناج وتوغدير، واتهامات للحكومة في هرجيسا بتعمد تهميش هذه المناطق، وبالتبعية تآكل شرعية صوماليلاند هناك. 

انعكاسات محتملة:

في إطار الانتقادات الأخيرة من قبل مجلس الأمن الدولي لحكومة صوماليلاند، والاضطرابات المتزايدة في مدينة لاسعانود، هناك جملة من الانعكاسات المحتملة خلال الفترة المقبلة، يمكن عرضها على النحو التالي: 

1- تغلغل حركة الشباب في لاسعانود: حذرت تقديرات من احتمالية أن تعمد حركة الشباب الإرهابية إلى استغلال التوترات الراهنة في لاسعانود لتوسيع نطاق عملياتها، بل إن هناك تقديرات أخرى أشارت إلى أن الحركة بدأت بالفعل في نشر عناصرها في هذه المنطقة المضطربة، وهو ما يزيد من التهديدات الإقليمية المحتملة.

2- تمدد العنف في شرق صوماليلاند: في ظل استمرار المواجهات بين حكومة صوماليلاند والمليشيات العشائرية في لاسعانود، هناك تخوفات من إمكانية تمدد العنف إلى كافة أنحاء سول، بالإضافة إلى بقية المناطق في شرق صوماليلاند، ولاسيما سناج وتوغدير، وهو ما سيكون له تداعيات خطرة على الاستقرار في هرجيسا، خاصةً في ظل حشد قوات حكومة صوماليلاند والمليشيات العشائرية، لمزيد من القوات على خط المواجهة.

3- تقويض فرص الاعتراف الدولي: تهدد التوترات الراهنة في لاسعانود الصورة النمطية التي لطالما سعت هرجيسا إلى ترسيخها لدى القوى الدولية بشأن قدرتها على تحقيق الاستقرار في ظل بيئة إقليمية مضطربة بمنطقة القرن الإفريقي، حيث يواجه نظام الحكم الراهن في صوماليلاند، والذي نال إشادة دولية واسعة بسبب حالة الاستقرار التي يتمتع بها، منعطفاً خطراً.

ويعكس البيان الأخير لمجلس الأمن الدولي، دلالات مهمة بشأن مستقبل صوماليلاند السياسي، فمن ناحية يُعد هذا البيان هو الثاني من نوعه خلال الأشهر الأخيرة الذي ينطوي على انتقادات حادة لحكومة هرجيسا، ومن ناحية أخرى، لم تلق هذه الانتقادات أي اعتراض من قبل أي من أعضاء مجلس الأمن، وهو ما رأته تقديرات بمثابة مؤشر على تراجع فرص حصول صوماليلاند على الاعتراف الدولي الذي تسعى له.

وبينما كانت فرص الحصول على الاعتراف محدودة خلال الفترة الماضية، فإن التوترات المتزايدة حالياً في لاسعانود، ربما تجعل هذا السيناريو مستبعداً تماماً في المستقبل، فلطالما استندت مساعي صوماليلاند في الحصول على اعتراف دولي باستقلالها إلى قدرتها على تحقيق الاستقرار والسلام، مقارنةً بالسياق الإقليمي المضطرب، بيد أن تفاقم الأوضاع في لاسعانود، وإمكانية التمدد لمزيد من المناطق، سيقوض أية آمال متبقية في الحصول على هذا الاعتراف الدولي.

وفي الختام، تكشف التجارب السابقة لهرجيسا منذ إعلانها الانفصال الأحادي عن الصومال عن تبنيها لنهج تصالحي، وهو ما يجعل سيناريو التهدئة قائماً، على غرار كثير من الصراعات السابقة التي نشبت في هرجيسا وتمكنت بالفعل من حلها سلمياً. وربما تكون معضلة لاسعانود أكثر تعقيداً، لأنها منطقة حدودية متنازع عليها مع بونتلاند، وبالتالي قد تتخوف صوماليلاند من أن يؤدي تبنيها لنهج سلمي إلى خسارتها هذه المنطقة، وكذلك مناطق أخرى، ولاسيما سناج وكاين، الأمر الذي قد يترتب عليه زعزعة الاستقرار في صوماليلاند بأكملها.