العناصر التسعة:

نحو اقتراب أكثر فاعلية لمواجهة تنظيم "داعش"

03 September 2015


إعداد: د. إسراء أحمد إسماعيل

 


مر نحو عام كامل على إصدار الرئيس "باراك أوباما" أوامره ببدء الضربات الجوية لتفكيك وتدمير تنظيم "داعش"، إلا أن التنظيم تمكن من التوسَّع، ولو شكلياً، عبر تشكيل فروع له في مناطق متعددة في العالم. وعلى الرغم من أن مسؤولي الإدارة الأمريكية أشاروا إلى حدوث انخفاض عدد الملاذات الآمنة للتنظيم في العراق وسوريا، ومقتل الآلاف من مقاتليه، فإن سقوط مدينة "الرمادي" وجزء كبير من محافظة "الأنبار" في يد "داعش" كان بمثابة جرس إنذار بأن الجهود المبذولة حالياً لمواجهته غير كافية.

في هذا السياق، نشر "مركز الأمن الأمريكي الجديد" مُوجزاً للسياسات في أغسطس 2015، تحت عنوان: "اقتراب أكثر حزماً لمواجهة تنظيم داعش"، أعده كل من "ميشيل فلورنوي" Michèle Flournoy، الرئيس التنفيذي لـ"مركز الأمن الأمريكي الجديد"، و"ريتشارد فونتين" Richard Fontaine رئيس "مركز الأمن الأمريكي الجديد".

وتناول مُوجز السياسات توضيح التهديد الذي يشكله تنظيم "داعش"، وتقييم جهود الإدارة الأمريكية حتى الآن في مواجهته، ويقدم توصيات للولايات المتحدة وشركائها على المدى البعيد لتفعيل الجهود الرامية لتدمير "داعش".

خطورة تنظيم "داعش"

تتمثل خطورة تنظيم "داعش" في أنه يعتبر منظمة إرهابية، وشبه دولة، وحركة أيديولوجية في آنِ واحد. وفي ظل جهوده الرامية إلى إقامة دولة "الخلافة"، يجمع التنظيم بين استخدام العنف المُفرط، والكفاءة في استغلال وسائل التواصل الاجتماعي، والقدرة على الاستيلاء والسيطرة على الأرض.

وعلى عكس تنظيم "القاعدة" الذي يحافظ على معايير صارمة للعضوية فيه ويؤكد على السيطرة المركزية، اعتمد تنظيم "داعش" على ما أسماه موجز السياسات نهج "السماح لألف زهرة بأن تتفتح" let a thousand flowers bloom، بمعنى أنه يسمح بالتوسع، وبقيام الجماعات المنتشرة جغرافياً، والتي تبادر بإعلان ولائها له، بشن هجمات مختلفة حول العالم.

وحسب ما ذكره الكاتبان، كانت السمة المميزة لهجمات "داعش" خارج منطقة الشرق الأوسط هي اعتمادها على نمط "الذئب المنفرد" lone wolf، بمعنى أن التنظيم يدعو المتعاطفين معه إلى الإقدام على تنفيذ هجمات إرهابية ضد ما يرونه مناسباً من الأهداف دون الرجوع للقيادة أو الارتباط به.

وفي هذا الإطار وقع 11 هجوماً إرهابياً في الغرب خلال الفترة ما بين شهري مايو 2014 وفبراير 2015، منها 10 هجمات تم تنفيذها من قِبل أفراد. وقام التنظيم بهجمات- أو بالتشجيع على القيام بهجمات- في تونس والكويت ومصر والسعودية وكندا واستراليا وفرنسا والدنمارك وغيرها من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة التي أصبحت تواجه تهديدات متصاعدة، وذلك بعد أن شجع تنظيم "داعش" الهجوم الذي وقع في ولاية "تكساس" في شهر مايو الماضي.

وفي سوريا والعراق، انضم نحو22 ألف من المقاتلين الأجانب من مائة دولة لتنظيم "داعش"، منهم 8 آلاف يحملون جوازات سفر غربية، تُمكِّنهم من التنقل بحرية داخل وبين أوروبا والولايات المتحدة.

وبالإضافة إلى استيلاء "داعش" على الموصل والأنبار في العراق، أصبح التنظيم يشكل تهديداً خطيراً للعاصمة "بغداد"، لذلك تم تخصيص أكثر من 40% من قوات الأمن العراقية لقيادة "عمليات بغداد"، علاوة على أنه آخِذ في الانتشار في بلاد ومناطق أخرى، منها ليبيا وشبه جزيرة سيناء والقوقاز وجنوب شرق آسيا وأفغانستان ونيجيريا، وغيرها.

الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة تنظيم "داعش"

قادت الإدارة الأمريكية خلال العام الماضي ائتلافاً مُكوناً من 60 دولة في إطار حملة مُخصصة لهزيمة "داعش"، وشملت العناصر الرئيسية لهذه الحملة ما يلي:ـ

  • نشر الفرق العسكرية لقوات التحالف لتدريب وتجهيز القوات المحلية في العراق، وتقديم الدعم الجوي لمساعدة قوات الأمن العراقية والبشمركة الكردية.
  • استمرار الضربات الجوية في كل من العراق وسوريا ضد كبار قادة "داعش"، واستهداف البنية التحتية، وأماكن المعدات ومنشآت النفط والغاز التي توفر مصادر الدخل للتنظيم.
  • تبادل المعلومات مع الشركاء لمساعدتهم على تعزيز أمن الحدود، لوقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق.
  • التعاون مُتعدد الأطراف، لتعقُّب وتعطيل التمويل غير المشروع لتنظيم "داعش".
  • بذل الجهود الدبلوماسية للضغط على رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي"، لتشكيل حكومة مركزية أكثر شمولاً، وتفويض مزيد من السلطات والموارد للمحافظات.
  • استمرار المناقشات مع الشركاء بشأن مرحلة التفاوض لتشكيل حكومة ما بعد "الأسد" في سوريا.
  • بذل الجهود لمواجهة الوسائل الدعائية لتنظيم "داعش" عبر شبكة الإنترنت.
  • اتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز أمن الولايات المتحدة داخلياً، ومنع هجمات "داعش" بها.

نحو بذل جهود أكثر قوة وفاعلية

يؤكد موجز السياسات على أن تعزيز الحملة العسكرية لمواجهة تنظيم "داعش"، يقتضي تكثيف وتوفير الموارد لدعم الجهود التي تقودها واشنطن في العراق، ولذلك فإن النهج المتبَّع لابد أن يجمع بين العناصر التالية:ـ

1- تكثيف الجهود الدبلوماسية الأمريكية في دعم خطة سياسية وعسكرية بالعراق: تعتبر استراتيجية واشنطن في العمل مع القوات العراقية هي الخيار المناسب، ولكنها تتطلب تنسيقاً أفضل بين الجهود العسكرية والدبلوماسية؛ حيث يجب على القادة الشيعة في بغداد إدراك حقيقتين أساسيتين: أولاهما أن عدم اعتماد سياسات أكثر شمولاً فيما يتعلق بالسنة قد يقود إلى مخاطر تفكُّك العراق. وثانيهما أن اعتماد الميليشيات الشيعية على دعم إيران في طرد عناصر "داعش" من المناطق السنية لن يؤدي إلا لتعميق الهوة بين السنة والشيعة، وخلق تربة خصبة لعودة "داعش".

2- تكثيف دعم واشنطن وقوات التحالف للقبائل السنية: نظراً لهيمنة الشيعة على وحدات الجيش العراقي، لذلك قد يفتقد هذا الجيش للإرادة القتالية اللازمة لاستعادة المناطق السنيّة من تنظيم "داعش". وبالتالي، فإن تشكيل ميليشيا سنيّة قد يكون أفضل، ولكن هذا يتطلب شرطين رئيسيين من الصعب تحقيقهما، وهما: أن تكون هذه الميليشيا مقتنعة بموافقة بغداد على منحهم مزيداً من مقومات الحكم الذاتي، والموارد اللازمة ليحكموا أنفسهم، وأن تثق في أن قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة سوف توفر لها الدعم العسكري والمالي اللازم لتمكينها من هزيمة "داعش".

3- تقديم الأسلحة مباشرةً إلى القبائل السنية والبشمركة الكردية: لقد كانت إمدادات الأسلحة المقدمة للسنّة والأكراد عبر "بغداد" لمواجهة "داعش" في كثير من الأحيان غير كافية، ولذلك يتعين على واشنطن الإسراع في توريد الأسلحة والمعدات مباشرةً إلى الميليشيات القبلية المحلية ووحدات البشمركة.

4- تضمين واشنطن مستشارين عسكريين على مستوى الكتائب: والسماح لهم بتقديم المشورة للقادة العراقيين خلال العمليات العسكرية، وذلك في أماكن محمية ومحصنة على مقربة من أماكن القتال. ومن المرجح أن يكون لذلك تأثير ملحوظ على الكفاءة القتالية للقوات العراقية في مواجهة "داعش".

5- تكثيف الحملة الجوية لقوات التحالف: تجدر الإشارة إلى أنه منذ أغسطس 2014 قامت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بأكثر من 2600 ضربة جوية ضد أهداف "داعش" في العراق، وأكثر من 1600 في سورياً، ولكن هذه الضربات أعاقها ضعف المعلومات، وعدم وجود قواعد جوية في مكان قريب. وبالتالي، فإن استخدام المزيد من القواعد الجوية الأمريكية المتمركزة في العراق أو الدول المجاورة، قد يُمكِّنها من القيام بضربات جوية أكثر. ويعتبر قرار تركيا مؤخراً بفتح قاعدة "إنجرليك" الجوية للطائرات الأمريكية خطوة هامة في هذا الصدد.

6- إزالة القيود الرئيسية على المساعدات المقدَّمة للمعارضة السورية: يبقى استمرار رئاسة "بشار الأسد" بمثابة الوقود الذي يطلق مشاعر السخط السني في سوريا، ويدفعهم نحو تنظيم "داعش" الذي يزعم تقديم حمايته لهم. وتقوم سياسة واشنطن الحالية على تدريب المعارضين الراغبين في استهداف تنظيم "داعش" وليس نظام "الأسد"، ولذلك فلا عجب أن برنامج وزارة الدفاع الأمريكية قام بتدريب 60 مقاتلاً فقط!! ومن ثَّم يتعين على بعثة تدريب وزارة الدفاع البدء في تدريب وتجهيز مقاتلي المعارضة المعتدلين الذين يرغبون في استهداف نظام "الأسد"، والتعجيل برحيله عن السلطة، ولكن مع الإبقاء على الهياكل الأساسية للحكومة، وتجنب تفكك الدولة السورية.

7- تحديد الشروط قبل محاولة التوصل إلى تسوية في سوريا: لن يكون هناك حل سياسي ممكن في سوريا طالما أن الأطراف الرئيسية للصراع (بما في ذلك "الأسد"، وتنظيم "داعش"، والجماعات الجهادية الأخرى) تعتقد أنها قادرة على الفوز. ومن ثمَّ، فإن وضع الشروط يعني أولاً وقبل كل شيء تعزيز العناصر السورية الأقدر على حكم سوريا في مرحلة ما بعد "الأسد"، بالتعاون مع الشركاء في الخليج وتركيا.

8- توظيف "استراتيجية وقف النزف" Tourniquet Strategy في سوريا: يتعين على واشنطن قيادة التحالف والقيام بجهد جماعي للحفاظ على استقرار الدول الواقعة على حدود سوريا من تداعيات الحرب الأهلية، وخاصةً تركيا والأردن ولبنان، حيث تمر بأكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية؛ إذ يوجد أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري، منهم 1,8 مليون لاجئ في تركيا، وما يقرب من 1,2 مليون في لبنان، ونحو 630 ألف في الأردن. وتحتاج هذه الدول إلى مزيد من مساعدة المجتمع الدولي للتعامل مع هذه الأزمة الإنسانية ومواجهة "داعش". وفي هذا الإطار، فإن التخطيط لإقامة "منطقة آمنة" في سوريا على طول الحدود التركية يمكن أن يكون خطوة في الاتجاه الصحيح.

9- منع تكوين ملاذات أخرى لتنظيم "داعش": يشير الكاتبان إلى إمكانية تحقيق ذلك من خلال الآتي:ـ

أ- تكثيف الحملة العالمية ضد تنظيم "داعش" عبر تبني استراتيجية تجمع بين الأدوات العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية والجهود الاقتصادية، لمنع "داعش" من أن يصبح تنظيم "القاعدة الجديد".

ب- إن الجهود التي يبذلها تنظيم "داعش" في تجنيد مقاتلي حركة "طالبان" الساخطين، وإنشاء حركة منافسة، يعد واحداً من الأسباب التي تدفع للتخلي عن الجدول الزمني القائم لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول نهاية عام 2016. وبدلاً من ذلك، ينبغي على واشنطن الحفاظ على وجود قوة متوسطة لتقديم المشورة ومساعدة قوات الأمن الوطنية الأفغانية، والقيام بعمليات مشتركة لمكافحة الإرهاب.

ج- مواجهة "داعش" عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يقوم تنظيم "داعش" بإرسال ما يقرب من 90 ألف رسالة في اليوم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك بهدف الدعاية ونشر الأفكار المتطرفة وتجنيد أتباعه وإلهام "الذئاب المنفردة". وبالتالي، تظهر الحاجة إلى بذل جهود إلكترونية أكثر تنسيقاً، بحيث لا تشمل فقط حكومات الدول الأخرى، بل أيضاً الشركاء الرئيسيين في القطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية؛ للتركيز على الأصوات الإسلامية الأكثر اعتدالاً التي تدحض وجهات نظر "داعش" المتطرفة، وتقاوم الدعوات إلى العنف.

جهود طويلة الأجل

في ظل الجهود طويلة الأجل، طرح موجز السياسات عدداً من الأسئلة، من أبرزها: هل يتعين على قادة واشنطن الدعوة علناً للفصل بين الدين والدولة في العالم الإسلامي؟ وهل يجب على الولايات المتحدة تجديد مساعيها للإصلاح الديمقراطي في العالم العربي، حتى بين الأنظمة الصديقة؟

يوضح الموجز أن الإجابات على هذه الأسئلة يسيرة، لكنها تحتاج إلى جهد طويل الأجل، خاصةً مع استمرار التطرف العنيف كأيديولوجية جاذبة لبعض الأفراد. وفي هذا الصدد، ثمة خطوات عدة يمكن القيام بها لمواجهة التطرف، مثل: تمكين الأصوات الإسلامية الأكثر اعتدالاً، وبناء قدرات المجتمعات المعرضة لخطر التطرف، والاستفادة من دروس أحداث 11 سبتمبر والعمل على حرمان الجماعات الإرهابية من إيجاد ملاذات آمنة لها.


 * عرض لمُوجز سياسات تحت عنوان: "اقتراب أكثر حزماً لمواجهة تنظيم داعش"، والصادر في أغسطس 2015 عن "مركز الأمن الأمريكي الجديد".

المصدر:

Michèle Flournoy and Richard Fontaine, An Intensified Approach to Combatting the Islamic State (Washington, Center for a New American Security, august 2015).