تضليل أمريكي! :

هل تورطت الصين في دعم روسيا عسكرياً؟

03 March 2023


قال وليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في 26 فبراير 2023، إن الولايات المتحدة الأمريكية "واثقة" من أن الصين تفكر في إرسال معدات فتاكة إلى روسيا، وهي الاتهامات التي نفتها الاستخبارات الأوكرانية، إذ أكد رئيسها كيريلو بودانوف، أنه لا يرى أي مؤشر على ذلك مخالفاً التقييمات الأمريكية في هذا الشأن. 

اتهامات غربية مستمرة 

يلاحظ أن وسائل الإعلام الغربية، وكذلك تصريحات المسؤولين الأمريكيين عمدت خلال الآونة الأخيرة إلى توجيه اتهامات متواصلة إلى الصين بتقديم دعم عسكري إلى روسيا، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- اتهامات صحفية أمريكية: زعمت صحيفة "وول ستريت جورنال"، يوم 4 فبراير 2023، أن الصين تزود روسيا في حربها بأوكرانيا بكل ما تحتاجه القوات الروسية من التكنولوجيا الصينية، مدعية أنها استندت في ذلك الاتهام إلى قيامها بمراجعة بيانات الجمارك الروسية، والتي تظهر أن شركات الدفاع الصينية المملوكة للدولة تشحن معدات الملاحة وتكنولوجيا التشويش وقطع غيار لمقاتلات "سو 35" لشركات الدفاع الروسية المملوكة للحكومة الخاضعة للعقوبات.

وعلّق المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، بالتزامن مع صدور هذا الخبر، مؤكداً أنه ليس بوسعه "تقديم أي تقييمات جديدة" بهذا الشأن، في إشارة إلى إعلان الولايات المتحدة في وقت سابق أنها لم ترصد أي دعم أمريكي للصين. 

ونشر موقع البي بي سي البريطاني تقريراً، في 20 فبراير 2023، أعده بالاستناد إلى خبراء ومواقع بحثية أمريكية، رأت أن روسيا قد تتجه إلى شراء الطائرات المسيرة العسكرية من الصين، بينما رجحت أخرى قيام بكين بتصدير طائرات مسيرة مدنية كذلك، كما أشارت إلى قيام الصين بتصدير أشباه الموصلات إلى روسيا، وذلك عبر شركات وهمية في دولة ثالثة.

2- اتهامات أمريكية رسمية: ذكرت الإدارة الأمريكية، في أواخر فبراير 2023، أنها تلقت معلومات تفيد باعتزام الصين تقديم أسلحة وذخيرة لروسيا، في مشاركة لجهود الكرملين الحربية معتبرة أن ذلك سيكون بمثابة "مشكلة خطرة".

وكرر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، في 26 فبراير 2023، هذه الاتهامات مؤكداً أن الصين تفكر في إمداد روسيا بأسلحة فتّاكة، إذ صرح: "نحن واثقون من أنّ المسؤولين الصينيين يدرسون تزويد روسيا بأعتدة فتّاكة".

3- التهديد بالعقوبات: قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في 1 مارس 2023، إن واشنطن لن تتردد في استهداف الشركات والأفراد الصينيين بالعقوبات إذا انتهكت بكين العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، وقامت بإمداد موسكو بعتاد فتاك لاستخدامه في الصراع.

وبالمثل، أكدت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، في 28 فبراير 2023، أن واشنطن لن تتسامح مع انتهاك أي دولة للعقوبات التي فرضتها على موسكو، والتي تهدف إلى حرمان روسيا من الحصول على معدات عسكرية لشن هذه الحرب، وذلك في إطار تعليقها على التقارير الاستخباراتية الأمريكية التي تتحدث عن إمداد الصين روسيا بالأسلحة. 

وسبق وأن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة صينية توفر صور الأقمار الاصطناعية لمجموعة فاغنر العسكرية الروسية مسهلة بذلك تحركات المجموعة العسكرية ضد الجيش الأوكراني، وكان معهد أبحاث تشانجشا تياني للتكنولوجيات وعلوم الفضاء ومعه 16 مؤسسة أخرى، ضمن قائمة المؤسسات التي تواجه العقوبات التي تفرصها وزارة الخزانة الأمريكية بسبب توفيرها صور  الأقمار الاصطناعية لشركة تيرا تك الروسية.

4- نفي أوكراني للاتهامات الأمريكية: كشف رئيس الاستخبارات الأوكرانية كيريلو بودانوف، في مقابلة بثتها إذاعة "صوت أمريكا"، في 27 فبراير، عن أنه لا يرى "أي مؤشر" على أن بكين تعتزم إمداد موسكو بأسلحة، وأكد بودانوف أنّ إيران هي "عملياً الدولة الوحيدة التي تنقل أسلحة خطرة إلى روسيا". وأضاف "كانت هناك معلومات تفيد بأنّ شيئاً ما جاء من كوريا الشمالية، لكن ليس لدينا تأكيد لذلك. ليست هناك أي حالة رصدنا فيها هنا سلاحاً من كوريا الشمالية".

أسباب اتهامات واشنطن 

يمكن فهم طبيعة الاتهامات الأمريكية للصين بالرجوع إلى العوامل التالية:  

1- تجاهل بكين التهديدات الأمريكية: سبق وأن هددت واشنطن بكين بفرض عقوبات اقتصادية عليها، إذا ما قامت بتوفير أي دعم اقتصادي أو عسكري لروسيا. وعلى الرغم من هذه التهديدات، فإن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين الصيني والروسي زادت بصورة لافتة، فقد ارتفع حجم التجارة بين الصين وروسيا إلى مستوى قياسي جديد في عام 2022، بزيادة 30% إلى 190 مليار دولار، بحسب أرقام الجمارك الصينية. 

واشترت الصين ما قيمته 50.6 مليار دولار من النفط الخام من روسيا منذ مارس إلى ديسمبر 2022، بزيادة 45% عن نفس الفترة من العام السابق. كما ارتفعت واردات الفحم بنسبة 54% بقيمة 10 مليارات دولار، وارتفعت مشتريات الغاز الطبيعي بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال بنسبة 155% بقيمة 9.6 مليار دولار. 

وأنفقت روسيا المليارات على شراء الآلات والإلكترونيات والمعادن الأساسية والمركبات والسفن والطائرات من الصين. وقفزت حصة اليوان في سوق العملات الأجنبية الروسية إلى 48% بحلول نوفمبر 2022. وعلى الرغم من هذا النمو الكبير في العلاقات الاقتصادية، فإن واشنطن لم تنفذ تهديداتها، وهو ما يرجع إلى عجزها في الوقت الراهن عن الدخول في حرب تجارية أخرى مع الصين، فضلاً عن غياب أي بدائل لموارد الطاقة الروسية في السوق العالمي، وهو الأمر الذي أدى إلى قيام الهند بإعادة تصدير مشتقات النفط الروسي إلى بعض الدول الغربية. 

2- وجود مصلحة استراتيجية مشتركة: يلاحظ أن للصين مصلحة جيوستراتيجية في الحرب الروسية الأوكرانية، وهي منع انتصار دول حلف الناتو على روسيا في هذه الحرب، خاصة وأنه في حالة انتصار روسيا بدعم صيني سيمثل ذلك هزيمة استراتيجية للولايات المتحدة، وانتكاسة لجهودها الرامية إلى إدامة سيطرتها على النظام الدولي، ويمهد الطريق لروسيا والصين كقوتين مهيمنتين صاعدتين على الساحة الدولية. 

كما أن هزيمة روسيا أمام الغرب سوف ترتب تداعيات مباشرة على الأمن القومي للصين، إذ أن ذلك سوف يعزز من قدرة واشنطن على تحويل انتباه حلف الناتو إلى جنوب شرق آسيا ليشارك في الجهود الرامية إلى تطويق الصين في جنوب شرق آسيا، خاصة بعد أن وصف الناتو في وثائقه الدفاعية الصين بالتحدي، وذلك على الرغم من أنه من المفترض أن يقتصر مجال عمل الحلف على المسرح الأوروبي. 

ومن جهة أخرى، فإنه في حالة هزيمة روسيا في أوكرانيا، فإن واشنطن سوف تعزز دعمها العسكري لتايوان ضد الصين، وتهدد بكين بشكل مباشر بأنه إذا ما قررت الصين غزو تايوان، فإنها سوف تتعرض لهزيمة عسكرية مماثلة لتلك التي حلت بروسيا. وأكد وجهة النظر الأمريكية هذه صراحة مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، جاك سوليفان، الذي عبّر عن اعتقاده بأن الصعوبات التي تواجهها روسيا في أوكرانيا تعتبر درساً للصين إذا فكرت في ضم تايوان عسكرياً.

3- التعاون العسكري الروسي الصيني: يُلاحظ أن التعاون العسكري الروسي الصيني في غير تجارة السلاح قائم قبل الحرب الأوكرانية، كما أنه استمر بعدها، وكان أبرزه المناورات العسكرية المشتركة بين جنوب إفريقيا والصين وروسيا على الساحل الشرقي للأولى في الفترة من 17 إلى 27 فبراير 2023، بالإضافة إلى الطلعات الجوية المشتركة بين روسيا والصين فوق منطقة آسيا – المحيط الهادئ في مايو ونوفمبر 2022. 

دلالات الادعاءات الأمريكية

يبدو واضحاً أن الولايات المتحدة تسعى من توجيه اتهامات متواصلة إلى الصين بدعم روسيا عسكرياً إلى تحقيق عدد من الأهداف، يمكن تفصيلها على النحو التالي: 

1- وجود تكهنات وليست معلومات: يبدو من التصريحات الأمريكية المتواترة، وكذلك التقييمات الواردة في وسائل الإعلام الغربية أن هناك تضارباً واضحاً، ففي حين تؤكد الصحف قيام بكين بدعم موسكو عسكرياً، وتشير إلى نظم دفاعية بعينها، فإن تصريحات المسؤولين الأمريكيين تؤكد أن الصين تدرس مساعدة موسكو، وهو ما يعني في التحليل الأخير أن الدول الغربية لا تمتلك أي معلومات استخباراتية مؤكدة تدعم استنتاجها بأن بكين تدعم موسكو عسكرياً. وقد يكون بالتالي الهدف من نشر هذه التقارير الصحفية هو الضغط على الصين وقياس رد فعلها إزاء تلك التقارير، وذلك للوقوف على ما إذا كانت تدعم فعلياً موسكو أم لا. 

2- تأزيم العلاقات الصينية الأوروبية: تسعى واشنطن، في إطار جهودها لبناء تحالفات دولية ضد روسيا والصين، إلى دفع الدول الأوروبية لتبني مواقف مناوئة للصين، ومنع حدوث تقارب بينهما، وذلك في إطار سعي واشنطن لبناء تحالف ديمقراطي ضد الدول السلطوية، في إشارة إلى الصين وروسيا. وبالتالي، فإن إثارة مسألة الدعم الصيني العسكري لروسيا تهدف إلى دفع بروكسل بعيداً عن بكين. 

ويشبه ذلك دعوة دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط إلى تشكيل تحالف عالمي لردع التعاون الشرير بين إيران وروسيا، وذلك على أساس أن ما يتعلمه الإيرانيون في أوكرانيا سيهدد شركاء واشنطن في الشرق الأوسط. وبالمثل، ترغب واشنطن في صياغة تحالف أوروبي أمريكي ضد الصين، على أساس تورط الأخيرة في دعم روسيا. 

3- مخاوف من انهيار العقوبات الغربية: قد تسعى واشنطن من الاتهامات المتواترة للصين، وكذلك التهديد بفرض عقوبات إلى محاولة الضغط على دول العالم المختلفة للالتزام بالعقوبات الأمريكية ضد روسيا، إذ أن مواصلة هذه العقوبات تحظى بأهمية قصوى لدى واشنطن، خاصة في ضوء نجاح روسيا في التعافي من الانتكاسات العسكرية التي وقعت لها بانسحابها من بعض المناطق في إقليمي خاركيف وخيرسون، وهو ما وضح في نجاح موسكو في السيطرة على مزيد من الأراضي الأوكرانية في زاباروجيا، ودونيتسك، خاصة مدينة باخموت، ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي قد تفتح الباب أمام روسيا للسيطرة على مناطق واسعة في إقليم دونيتسك، خاصة بعد اعتراف الجانب الأوكراني بأن الوضع صعب هناك، إذ أكد ألكسندر رودنيانسكي، مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للشؤون الاقتصادية، في 28 فبراير 2023، أن الجيش الأوكراني يدرس "جميع الخيارات" بشأن مدينة باخموت المحاصرة، بما في ذلك "الانسحاب الاستراتيجي". 

وفي حالة إخفاق الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا في تغيير الوضع الميداني لصالحها، فإن الخيار البديل سوف يتمثل في التعويل على تشديد العقوبات الاقتصادية على روسيا، خاصة وأنه من الواضح أن العديد من الدول لا تتجاوب مع العقوبات الغربية بالشكل الذي يسهم في إضعاف الاقتصاد الروسي على المدى الطويل، كما ترغب واشنطن. 

وفي الختام، يمكن القول إنه بات من الواضح أن واشنطن لا تمتلك أي معلومات استخباراتية تؤكد أن الصين متورطة في الدعم العسكري لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، غير أن هناك مخاوف جدية من ذلك، خاصة في ضوء الانتكاسات العسكرية التي يتعرض لها الجيش الأوكراني في جنوب أوكرانيا، إذ أن مثل هذا الدعم سوف يجعل من هزيمة موسكو في أوكرانيا أمراً مستبعداً بدرجة كبيرة.