رسائل استراتيجية:

حدود التصعيد الإيراني السوري في مواجهة "جونيبر أوك 2023"

30 January 2023


استقبل رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، في 23 يناير 2023، وزير الدفاع السوري العماد، علي محمود عباس، والوفد المرافق له، والذي يجري زيارة رسمية إلى طهران. واتفق الجانبان على تعزيز التنسيق والتشاور المُشترك، بما يخدم مصلحة البلدين. كما التقى عباس، خلال الزيارة، بالرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وقائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي.
أبعاد الزيارة السورية
تضمنت الزيارة عدداً من الأبعاد، والتي يمكن تسليط الضوء عليها، على النحو التالي:
1-  تفعيل وثيقة التعاون العسكري السابقة: طرح باقري، خلال لقائه عباس، إنشاء لجنة أمنية ودفاعية مُشتركة بين البلدين في أقرب وقت ممكن، وذلك في ضوء مساعي إيران تطوير التعاون العسكري مع الجانب السوري، على أساس وثيقة التعاون العسكري والأمني الموقعة بين البلدين في يوليو 2020، والتي وصفها باقري بأنها "أساس جيد للتعاون بين البلدين". 
وأثير حديث عن تزويد سوريا بمنظومات دفاع جوي إيرانية، في محاولة لصد الهجمات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، غير أن إسرائيل عمدت إلى استهداف هذه النظم بشكل متكرر، وفق ما أشارت إليه تقارير أمريكية وإسرائيلية. وبالتالي، فسوف يظل الاستهداف الإسرائيلي أحد عوائق تعزيز التعاون بين الجانبين.
2- إجراء مناورات عسكرية مشتركة: اتفق الجانبان الإيراني والسوري، خلال الزيارة، على إجراء مناورات عسكرية مُشتركة بين البلدين، في الفترة المقبلة، دون الإفصاح عن موعد تلك المناورات أو نوعية القوات المشاركة أو ما إذا كانت ستجرى في إيران أو سوريا.
3-إعادة تأهيل الجيش السوري: عرض الجانب الإيراني خلال الزيارة قيام القوات المُسلحة الإيرانية بإعادة تأهيل الجيش السوري، والمساعدة في مجالات التدريب والصيانة الخاصة به، كما أبدت طهران استعدادها لنقل الخبرات في مجالات الحرب الإلكترونية وحرب المعلومات إلى الجانب السوري، وهو ما يُدلل على رغبة إيران في تعزيز وجودها العسكري والاستخباراتي داخل سوريا، خاصة بعدما كانت تعمد إلى دعم نفوذها هناك من خلال المليشيات الشيعية. 
4-المشاركة في عمليات إعادة الإعمار: أكد الرئيس الإيراني، خلال استقباله وزير الدفاع السوري، أن العلاقات بين البلدين استراتيجية، مشيراً إلى وقوف طهران إلى جانب دمشق في مرحلة إعادة الإعمار، وذلك من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي فيما بينهما، وهو ما يؤكد رغبة إيران في استمرار نفوذها الاقتصادي في سوريا، خاصة في ضوء إعلانها عن إعداد وثيقة تعاون شامل طويل الأمد معها، وذلك على هامش زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى دمشق، في 14 يناير 2023.
أهداف طهران الإقليمية 
سعت طهران ودمشق لتحقيق عدد من الأهداف جراء تلك الزيارة، ويتمثل أبرزها في التالي: 
1- تجاوز الخلافات بين الجانبين: جاءت الزيارة في الوقت الذي شهدت فيه العلاقة بين دمشق وطهران بعض الخلافات على إثر التقارب بين تركيا وسوريا، والذي تم تجاهل الدور الإيراني فيه، وهو ما أثار حفيظة الأخيرة، وجعلها تقيد إمدادات النفط التي تصدرها إلى سوريا بالسعر المخفض، وتطالبها بالدفع بأسعار السوق لاستئناف تصديرها، فضلاً عن إلغاء إرسال الشحنات النفطية بشكل عقود تسليم مؤجلة كما كان يجري من قبل، والإصرار على الدفع مقدماً.
لذا يُنظر إلى زيارة عباس إلى طهران بأنها جاءت لوضع المسؤولين الإيرانيين في سياق ما جرى الاتفاق عليه مع وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا في الاجتماع الذي جرى بينهم في موسكو نهاية ديسمبر 2022، لتكون لدى طهران صورة واضحة عن مستقبل التقارب بين دمشق وأنقرة، وكيفية التعامل معه، وذلك في ضوء الاعتقاد الإيراني بألا حل للأزمة السورية بمعزل عنها، وهو ما أكده كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني علي أصغر حاجي.
2- الرد على مناورات "جونيبر أوك 2023": سعت إيران، من جراء تلك الزيارة، إلى الرد على التهديدات الأمريكية والإسرائيلية ضدها. فقد أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، مناورة عسكرية مُشتركة، خلال الفترة من 24 وحتى 27 يناير 2023، عرفت باسم "جونيبر أوك 2023"، أي بعد زيارة المسؤول العسكري السوري لإيران بيوم واحد، وشملت آلاف من القوات، ونحو 12 سفينة، و124 طائرة، من بينها قاذفات "بي 52" ذات القدرة على حمل رؤوس نووية، في رسالة تهديد إلى إيران، فقد كان الهدف من التدريب هو محاكاة هجوم مشترك على مواقع نووية إيرانية، والتصدي لهجوم بحري إيراني كرد فعل على أي ضربة أمريكية إسرائيلية مشتركة.
وبالتالي هدفت واشنطن وتل أبيب من هذه المناورات إلى التأكيد على استمرار خيار توجيه ضربات قاصمة إلى مواقع إيران النووية قائماً، وذلك في حالة إذا ما اتجهت الأخيرة إلى تسريع وتيرة تطور برنامجها النووي للوصول إلى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 90%، وذلك لامتلاك القنبلة النووية. 
ومن جهة أخرى، فإن هذه المناورات الضخمة هدفت كذلك إلى الرد على قيام إيران عبر وكلائها بمهاجمة قاعدة التنف في سوريا، والتي تضم قوات أمريكية ودولية، في 20 يناير 2023، بواسطة ثلاث طائرات مسيرة، وهو الهجوم الذي هدفت طهران إلى التأكيد من خلاله أنه في حالة استهدافها عسكرياً، سواءً من جانب إسرائيل، أو الولايات المتحدة، فإنها سوف تشرع في مهاجمة كافة القواعد الأمريكية في المنطقة. ومن ثم جاءت المناورات العسكرية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة للتأكيد على رفض واشنطن تهديدات إيران، وأن ذلك لن يردع واشنطن عن مهاجمة برنامج إيران النووي متى أرادت الأولى ذلك.
3- إبطاء انفتاح دمشق نحو محيطها العربي: أكد الرئيس الإيراني خلال لقائه وزير الدفاع السوري، أن إيران هي الصديقة الحقيقية لسوريا، كما كرر المسؤولون الإيرانيون أن إيران هي من وقفت بجانب سوريا منذ بداية الأزمة، وذلك في رسالة مُبطنة للأخيرة بعدم الانجرار للانفتاح على محيطها العربي، وذلك مع تزايد مؤشرات اتجاه عدة دول عربية لتعزيز انفتاحها على دمشق، والتي كان أحدثها زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، إلى دمشق، حيث التقى الرئيس السوري بشار الأسد، في 4 يناير 2023.
القيود الأمريكية الإسرائيلية
ثمة تحديات قد تحول دون تحقيق إيران للأهداف التي تسعى لتحقيقها جراء تلك الزيارة، والتي يتمثل أبرزها في الآتي: 
1- التهديدات الإسرائيلية لإيران: يمثل استمرار التهديدات الإسرائيلية لإيران في سوريا، أحد أهم العقبات أمام تطوير التعاون العسكري بين الجانبين، إذ تواصل إسرائيل قصف مناطق وجود المليشيات الموالية لإيران في سوريا، وتمثل أحدث تلك الضربات في استهداف ثلاثة مواقع تابعة لتلك المليشيات بمحيط مطار دمشق، في 2 يناير 2023. كما أنه من المرجح أن تشهد الفترة المقبلة تزايداً في تلك الضربات، خاصة مع تولي حكومة إسرائيلية أكثر يمينية بزعامة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، والذي أعلن، في 4 يناير الماضي، أن "إسرائيل سوف تتصرف بحزم وقوة لإجهاض التموضع الإيراني العسكري في سوريا".
ومن جهة أخرى، فإن الحكومة الإسرائيلية الجديدة عاودت نشاطها لتنفيذ عمليات تخريبية داخل إيران نفسها، فقد قامت إسرائيل بشن هجوم بطائرات مسيرة انتحارية على مصنع إيراني لإنتاج الذخيرة، بالقرب من مدينة أصفهان، في 28 يناير 2023، وهو الهجوم الذي حمل العديد من الدلالات، والتي تتمثل أبرزها في استمرار نجاح إسرائيل في اختراق المؤسسات الأمنية الإيرانية، خاصة وأن الهجوم، وفقاً للمعلومات الواردة في الإعلام الإيراني، قد تم من خلال مسيرات انتحارية صغيرة الحجم، أقلعت من مسافة نحو كيلومتر واحد من الموقع المستهدف، أي أنه تم إطلاقها من داخل إيران، بالإضافة إلى التشكيك في فاعلية نظم الدفاع الجوي الإيرانية، وذلك إلى جانب أن هذا الهجوم وقع بالقرب من أكبر منشأة لتخصيب اليورانيوم في البلاد. 
ولا يمكن أن يتم استبعاد أن هذا الهجوم قد تم بعلم من الإدارة الأمريكية، خاصة وأنه، وفقاً للمعلومات الواردة في وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني، فإن الهجوم استهدف ورشة لإنتاج الطائرات المسيرة، وهو ما يعني أن إسرائيل ربما استهدفت من الهجوم التأثير في قدرة طهران على إنتاج الطائرات المسيرة، ومن ثم تحقيق أحد الأهداف الأمريكية الإقليمية، وهو إبطاء الدعم الإيراني لروسيا بالطائرات المسيرة، والتأكيد أن استمرار مثل هذا التعاون لن يمر دون كلفة كبيرة لإيران. 
ويؤشر الحرص الإيراني على التهوين من حجم الهجوم، وأنه لم ينجح في استهداف سوى مصنع للذخيرة، وأنه لم يؤثر في مصنع إنتاج الطائرات المسيرة على أن إيران لن تقوم بالرد المباشر على إسرائيل، خاصة وأن وزارة الدفاع الإيرانية أحجمت في بيانها عن الهجوم عن الإشارة إلى الطرف المتورط، وذلك على الرغم من تأكيد صحيفة وال ستريت الأمريكية، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، بأن إسرائيل هي المتورطة في الهجوم. 
2- رسائل تل أبيب لدمشق: قامت إسرائيل، في 26 يناير 2023، بتفجير حقل ألغام بالقرب من خط وقف إطلاق النار في الجولان السوري. كما قامت في 3 يناير، بتفجير حقل ألغام قديم على الشريط الحدودي بين محافظة القنيطرة والجولان المحتل، وهي تعد بمثابة رسائل من جانب الجيش الإسرائيلي بأن إسرائيل سوف تتجه إلى تهديد الأراضي السورية في حالة أقدمت دمشق على التعاون عسكرياً مع إيران في عمل عدائي يستهدفها. 
3-استمرار الدور الروسي: على الرغم من محاولات إيران للحيلولة دون تهميشها من مساعي التقارب بين تركيا وسوريا، فإن نجاح موسكو في المضي قدماً في هذه المساعي دون إشراك الجانب الإيراني، يؤشر إلى تمسكها بهذا المسار وعدم رغبتها في أن تكون إيران جزءاً منه، لاسيما وأن مُقترح الأخيرة بتعديل مسار أستانا الذي يجمعها بروسيا وتركيا، من خلال إدراج الحكومة السورية في المسار، في محاولة منها لمنع استبعادها من صيغ التقارب التركي مع دمشق، لم يلق قبولاً من جانب روسيا أو تركيا، حتى الآن. 
4- تردي أوضاع الاقتصاد الإيراني: تعاني الأوضاع الاقتصادية الإيرانية من تدهور واضح بسبب الاحتجاجات التي اندلعت في إيران، عقب مقتل مهسا أميني، في 16 سبتمبر 2022، وحتى يناير 2023، بالإضافة إلى العقوبات الغربية المفروضة على القطاعات الرئيسية للاقتصاد الإيراني، وهو ما أدى إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع نسبة التضخم، وانخفاض قيمة العملة الإيرانية بأكثر من ربع قيمتها خلال العام 2022 لتصل إلى 452 ألف ريال مقابل الدولار في يناير 2023، وهو ما يحد كثيراً من فرص إيران في المشاركة في عمليات إعادة الإعمار في سوريا، بل ويضعف أيضاً من محاولاتها في تحجيم الانفتاح الاقتصادي العربي على دمشق.
وفي التقدير، يمكن القول إن إيران سوف تواجه صعوبة في تحقيق الأهداف التي تسعى إليها من زيارة وزير الدفاع السوري إليها، خاصة مع مواصلة العقوبات المفروضة على طهران، فضلاً عن قيام تل أبيب باستهداف إيران بشكل مباشر، إلى جانب أي تمركزات إيرانية في سوريا، وتوجيه إسرائيل رسائل تحذير إلى الجانب السوري، إلى جانب تمسك روسيا بالمضي قدماً في محاولات التقارب بين تركيا وسوريا بمعزل عن طهران. ويؤشر تصاعد الاستهداف الإسرائيلي المتوقع لإيران خلال الفترة المقبلة على أن الأخيرة قد تقوم بالرد بشكل غير مباشر، سواءً من خلال استهداف القواعد الأمريكية في المنطقة، أو من خلال تهديد منشآت الطاقة، في منطقة الخليج العربية، أو ناقلات النفط، خاصة تلك التي تتبع إسرائيل، وهو ما ينبغي التحسب له.