العصر الجديد!

فرص تعاون روسيا والصين عسكرياً في مواجهة الغرب

12 January 2023


عقد الرئيس الصيني، شي جين بينج، اجتماعاً افتراضياً مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في بكين يوم 30 ديسمبر 2022، أعرب خلاله الرئيس شي عن سعادته بالاجتماع افتراضياً مع بوتين في نهاية العام، مشيراً إلى أنه بتوجيه منه وبوتين، أصبحت شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا في العصر الجديد أكثر نضجاً.

تلويح بالتعاون العسكري:

تتمثل أبرز التصريحات التي صدرت من الجانبين الروسي والصيني في اللقاء الافتراضي في التالي:

1- عرض روسيا التعاون العسكري: أعرب الرئيس بوتين عن رغبته في تقارب الدولتين عسكرياً لمواجهة ما أسماه بالضغوط الغربية غير المسبوقة، مؤكداً أحقية الدولتين في الحفاظ على مواقفهما، ومبادئهما، وطموحاتهما لبناء نظام دولي عادل، في إشارة إلى النظام متعدد الأقطاب الذي سوف يمثل نهاية للأحادية القطبية الأمريكية، كما أكد أن التعاون العسكري سيدعم السلم والأمن الدوليين. 

وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الصيني لم يرد بشكل مباشر على التعاون العسكري مع روسيا، إذ اكتفى بالإشارة إلى أن بكين مستعدة لزيادة التعاون الاستراتيجي مع روسيا. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة أعلنت أنها لم ترصد أي مؤشرات على وجود دعم صيني لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، وذلك على عكس الحال مع كوريا الشمالية وإيران، واللتين أتهمتهما واشنطن بإمداد موسكو بالذخيرة والطائرات المسيرة. 

وتبدي واشنطن قلقاً إزاء مثل هذا التعاون، والذي قد يغطي أي نقص في الإمدادات العسكرية التي تحتاجها روسيا لمواصلة حربها في أوكرانيا. وكان من الملفت أن تجاهل المسؤولين الغربيين هذه المرة توجيه تهديدات إلى الصين إذا ما سعت للتعاون عسكرياً مع روسيا.

وتجدر الإشارة هنا إلى وجود تعاون عسكري بين البلدين في مجال المناورات العسكرية المشتركة، والذي شهد زيادة واضحة على مدار العامين الأخيرين، كما اكتسب دلالات جيوسياسية. ففي مايو 2022، أجرت الصين وروسيا طلعة جوية مشتركة فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي التي تزامنت مع قمة قادة الحوار الرباعي الاستراتيجي المعروف أيضاً باسم "الكواد" في طوكيو، وهو منتدى للتعاون السياسي تسعى واشنطن لتحويله إلى تحالف عسكري ضد الصين، وبالتالي، فإن المناورات المشتركة لموسكو وبكين جاءت لتؤكد أن البلدين يتعاونان عسكرياً في مواجهة محاولة واشنطن تأسيس أحلاف عسكرية ضدهما.

 كما أجرت موسكو مناورات متعددة الأطراف بمشاركة الصين والهند خلال الفترة من 30 أغسطس، وحتى 5 سبتمبر 2022، وذلك في مؤشر على أن محاولات واشنطن لإضعاف العلاقة بين موسكو ونيودلهي لن تنجح. 

2- دعوة شي لزيارة موسكو: دعا الرئيس بوتين خلال المحادثة نظيره الصيني لزيارة روسيا خلال ربيع 2023، لتأكيد متانة العلاقة الروسية – الصينية للعالم أجمع. ويلاحظ أن البلدين عقدا لقاءات ثنائية عدة خلال عام 2022، وذلك على هامش القمم المتتالية لمنظمات تتشارك بكين وموسكو في عضويتها، ومنها منظمة شنغهاي للتعاون بسمرقند، بالإضافة إلى إجراء عدد كبير من المحادثات الهاتفية.

ويلاحظ أن الهدف المعلن لبعض هذه الاجتماعات متعددة الأطراف هو تعزيز التعاون التجاري بالعملات المحلية، والتخلي عن الدولار الأمريكي، بالإضافة إلى إيجاد بدائل للسويفت، وهو ما يهدف إلى إضعاف نفوذ واشنطن الاقتصادي ويحد من قدرتها على فرض العقوبات على خصومها. 

3- إشارات صينية غامضة: أكد شي، في المقابل، أن الشراكة بين روسيا والصين تعود بالنفع على شعبي البلدين. وقال شي لبوتين "نحافظ على اتصال استراتيجي وثيق"، مضيفاً أن العلاقات مع موسكو أظهرت "قوتها" في "العصر الجديد" الذي يشهده العالم. 

وبحسب وسائل الإعلام الحكومية الصينية، قال شي لبوتين إن بكين ستواصل التمسك "بموقفها الموضوعي والعادل" بشأن الحرب في أوكرانيا، والذي يقوم على أن الغرب تسبب في إثارة هذا الصراع عبر إصراره على نشر قواعد حلف الناتو إلى دول تقع في الجوار المباشر من الحدود الروسية، وهو ما يتماهى مع الرواية الروسية، ويناقض نظيرتها الغربية، والذي ينظر إلى الحرب باعتبارها اعتداء من موسكو على دولة ذات سيادة. 

دلالات اللقاء الافتراضي: 

يكشف اللقاء الافتراضي عن عدد من الدلالات، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي: 

1- صمود التعاون الاقتصادي: تتجه موسكو لتعزيز علاقاتها بالصين ضمن خططها لإيجاد بدائل تجاريين بعد أن اتجهت الدول الغربية لفرض عقوبات متتالية على موسكو بسبب شنها حرباً ضد أوكرانيا. وتعد بكين المستورد الرئيسي حالياً للمحروقات الروسية في ظل استمرار الغرب في حظر الصادرات النفطية الروسية. 

وازداد التعاون بين الدولتين منذ انطلاق العمليات العسكرية الروسية في فبراير 2022، وذلك على الرغم من تهديد الولايات المتحدة لبكين، في بداية الحرب، من أن تعمل على مساعدة الاقتصاد الروسي على إيجاد بدائل تساعده على تلافي تداعيات العقوبات الغربية، غير أنه بات من الواضح أن بكين لم تلتفت إلى التهديدات الأمريكية.

فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 170 مليار دولار خلال الفترة من يناير وحتى نوفمبر 2022 فقط، وهو ما زاد عن إجمالي التبادل التجاري بينهما خلال عام 2021 بأكمله. كما أكد شي تفاؤله بتعزيز الاستثمارات بين البلدين، وأن التعاون في مجال الطاقة يمثل حجز الزاوية في الشراكة بين البلدين. وتشير تقديرات إلى أن التبادل التجاري بين البلدين زاد إلى حوالي 25%، ما يمكن الطرفين من تحقيق هدفهم لوصول تلك التبادلات إلى 200 مليار دولار بنهاية 2024.

وأصبحت روسيا من أهم مصدري موارد الطاقة للصين، لتصبح في المركز الثاني لحجم الغاز المنقول من خلال الأنابيب، وفي المركز الرابع في قائمة مصدري الغاز المسال للصين، بالإضافة إلى تسجيل 36% نمواً في الصادرات الروسية من الصناعات الزراعية لبكين، وكذا مشروعات النقل البري المشتركة. وبشكل عام، تستورد الصين النفط، والغاز، والتكنولوجيات العسكرية المتطورة، وموارد معدنية أخرى، بينما تستورد روسيا من الصين السلع التكنولوجية. 

2- تعزيز التعاون العسكري: جاء التأكيد الرئاسي الروسي على أهمية التعاون الجيوستراتيجي والتعاون الفني – العسكري بين البلدين في أعقاب مناورات "التفاعل المشترك – 2022"، في بحر الصين الشرقي، والتي جاءت في الفترة من 21 – 27 ديسمبر 2022. 

وجاء على لسان قائد القوات الروسية المشاركة في المناورات أنها تأتي كرد فعل على التزايد العنيف في أعداد القوات الأمريكية الموجودة في منطقة آسيا والهادئ، وهو ما يعني أن روسيا تبدي استعدادها للتعاون الوثيق مع بكين رداً على المساعي الأمريكية لتطويق الصين، سواء من خلال تأسيس أحلاف عسكرية وتكنولوجية مناوئة للصين، أو من خلال دعم تايوان عسكرياً. 

3- تنمية التعاون الفضائي: ازداد التنسيق بين البلدين في المجال الفضائي، حيث وقعت روسكوسموس والهيئة القومية الصينية للفضاء، في 29 ديسمبر 2022، برنامج تعاون يمتد من 2023 وحتى 2027، وكذلك التوقيع على اتفاقية بين الجهتين للتعاون في بناء محطة فضائية قمرية علمية دولية، إلى جانب التنسيق بين نظم المواقع الجغرافية الفضائية الروسية والصينية وافتتاح مقرات للهيئتين في 6 مدن روسية وصينية متبادلة. ويثير هذا التعاون الشكوك الغربية من أن هذا التعاون يستهدف زيادة قدرة البلدين في تعزيز التجسس باستخدام الأقمار الاصطناعية.

4- احتواء توسع الناتو تجاه الشرق: تدرك الصين جيداً أن الولايات المتحدة تسعى لاستنزاف روسيا في أوكرانيا، وذلك بهدف التخلص من منافس استراتيجي للولايات المتحدة والتفرغ للصين، والذي وفقاً لوثائق الأمن القومي الأمريكية التهديد الأكبر على المدى الطويل. كما نجحت واشنطن في إدراج التهديد الصيني ضمن تهديدات حلف الناتو، وذلك خلال قمته التي انعقدت في منتصف 2022. ويعتبر التطرق للصين كتهديد للناتو انتصاراً لرغبة الرئيس الأمريكي، جو بادين، الذي طالما مارس ضغوطاً على التكتل العسكري للاهتمام بالتهديد "الصيني"، كما تدرك بكين أن واشنطن توظيف ملف تايوان لإثارة مخاوف حلفائها من الدول الغربية والآسيوية من التهديد الصيني، وتعزيز مخططاتها الرامية لتأسيس تحالفات عسكرية مناوئة لبكين. 

5- الرد على الدعم الأمريكي لتايوان: جاءت القمة بين الرئيسين الصيني والروسي بعد أن دعت الصين الولايات المتحدة التوقف عن اختبار "الخطوط الحمراء" الصينية فيما يخص تايوان، فضلاً عن تأكيد الرئيس الصيني لنظيره الأمريكي في بالي أن تايوان تمثل صميم المصالح الصينية والخط الأحمر الأول لعلاقاتهم الثنائية، خصوصاً بعد أن أعلن الرئيس بايدن إمكانية مساعدة تايوان عسكرياً إذا ما سعت الصين لضم بكين بالقوة، فضلاً عن إقرار الولايات المتحدة قانون الدفاع الوطني للسنة المالية 2023، والذي ينص على تقديم مساعدات عسكرية لتايوان، ما اعتبرته بكين استفزازاً سياسياً خطيراً وتدخلاً صارخاً في الشؤون الداخلية للصين.

6- مخاوف غربية متنامية: ادعى أمين عام حلف الناتو، ينس ستولتنبرج، في 7 يناير 2023، خلال مؤتمر عقد في النرويج، بأن تنامي التعاون العسكري والاقتصادي بين روسيا والصين، يهدد النظام العالمي الذي أنشأه الغرب. موضحاً أن "روسيا والصين لا تشاركان الغرب قيمه، وتحاولان بناء نظام عالمي جديد"، منوهاً بأن العالم أصبح خطيراً، وأن على حلف الناتو أن يبقى متماسكاً، وهو ما يعكس نجاح الولايات المتحدة في دفع حلف الناتو للعمل ضد التوجهات الروسية والصينية لإقامة نظام دولي متعدد الأقطاب. 

وفي الختام، يمكن القول إن التقليد السنوي للقمة الافتراضية بين بكين وموسكو شابتها هذا العام أهمية بالغة، نظراً لتركيز موسكو على التعاون العسكري مع بكين، فضلاً عن اجتماع الطرفين على تعزيز شراكاتهما الاستراتيجية في مواجهة التهديدات الغربية، وعلى نيتهم ورغبتهم في إقامة نظام دولي متعدد الأقطاب، بما يعنيه ذلك من نهاية النظام العالمي المهيمن عليه أمريكياً، وهو ما تسعى واشنطن للرد عليه من خلال دفع حلف الناتو لتبني سياسات لمحاصرة الدولتين.