استهداف الحلبوسي:

أسباب تلويح الإطار التنسيقي بإقصاء رئيس البرلمان العراقي

16 December 2022


كشفت مصادر برلمانية عراقية لم تُحدد في، 11 ديسمبر 2022، عن خلافات حادة تشهدها الساحة السياسية بين تحالف السيادة السني، أكبر كتلة سياسية سنية، وبين قوى الإطار التنسيقي، الذي يضم الفصائل والقوى الشيعية المدعومة من إيران، الأمر الذي تسبب في فشل انعقاد جلسة برلمانية كانت مقررة في 6 ديسمبر. وعلى ضوء ذلك، أصدر المكتب الإعلامي للبرلمان العراقي، بياناً، أكد فيه أنه تقرر تأجيل عقد الجلسة إلى إشعار آخر، من دون الإشارة إلى الأسباب أو ذكر أي موعد للجلسة المقبلة.

أسباب التصعيد ضد الحلبوسي: 

تكشف التطورات الأخيرة في الساحة العراقية، عن نشوب خلاف بين رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي من جهة، وبعض الشخصيات المنتمية للإطار التنسيقي، وهو ما ترتب عليه تلويحها بإقصاء الحلبوسي عن منصبه خلال العام القادم، ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي:

1- الخلاف حول الدرجات الوظيفية الخاصة: اتسعت مساحات الخلاف بين رئيس مجلس النواب العراقي، والإطار التنسيقي، إذ اعترض النائب الأول للمجلس محسن المندلاوي مع الحلبوسي حول هوية المعينين على الدرجات الوظيفية الخاصة بحجة عدم الرجوع إلى باقي الكتل والقوى السياسية، خاصة منصب مدير مكتب رئيس الوزراء، ورئيس ديوان الرئاسة، وكذلك منصب أمين عام مجلس النواب ونوابه، إضافة إلى مدير ديوان رئيس مجلس الوزراء، وكذلك مدير مكاتب رئيس البرلمان، ونائبيه الأول والثاني، وذلك على الرغم من أن بعض هذه المناصب قد تم تعيينها من قبل رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أو رئيس الجمهورية، عبد اللطيف رشيد. وقد أدى هذا الخلاف إلى تأجيل الجلسة التي كانت مقررة للتصويت على تسمية المرشحين خلالها. 

2- نكوص التنسيقي عن الاتفاقات السابقة: أدرك تحالف تقدم مماطلة الإطار التنسيقي في تنفيذ بنود الاتفاق السياسي، لاسيما تلك المتعلقة بالمكون السني، والتي من بينها سحب الحشد الشعبي من المناطق المحررة من تنظيم داعش، وحل هيئة المساءلة والعدالة، بما يُنذر بمزيد من التباعد بين الجانبين خلال الفترة القادمة.

وجدير بالذكر أن الخلاف بين الإطار والحلبوسي يمتد منذ عهد رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، إذ انتقد الحلبوسي السلاح المُنفلت لدى الميليشيات، التي تنضوي تحت التنسيقي، إضافة إلى التدخلات الأجنبية في العراق، وتحديداً التدخلات الإيرانية، فضلاً عن تحالفه مع التيار الصدري، بعد انتخابات أكتوبر 2021، وهو ما جعل قيادات الإطار تسعى لاستهدافه وإقصائه.

3- إثارة ملف المغدورين من "السنّة": كشف الحلبوسي، في لقاء مع إحدى القنوات المحلية، عن مقتل المختطفين العراقيين من سكان مدن شمال وغرب ووسط العراق على يد بعض الفصائل المسلحة، ما بين عامي 2014 – 2016، ووصفهم بـ"المغدورين" وليس "المغيبين"، وهو ما يُعد أول اعتراف رسمي من مسؤول عراقي بتصفية ما بين 18 إلى 22 ألف عراقي من سكان محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى وبابل، على يد ميليشيات أبرزها كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وبدر، وسيد الشهداء، والإمام علي، والخراساني، ورساليون، والنجباء، وجماعات مسلحة أخرى، وهو ما أثار حفيظة بعض تلك الفصائل، والتي اعتبرت هذه التصريحات محاولة من الحلبوسي لرفع رصيده السياسي والشعبي في الوسط السني. ولذلك اتهمت هذه القوى الحلبوسي بالفساد، وهددت بفتح ملفات فساد زعمت أنه تورط فيها خلال الفترة المقبلة.

وجدير بالذكر، أن ملف المغيبين كان ضمن الملفات الأبرز في مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية، كما كان فتح هذا الملف وإنهاؤه أحد شروط تحالف السيادة، خاصة حزب "تقدم"، المنضوي تحته، برئاسة الحلبوسي، لتشكيل حكومة السوداني بالتوافق مع تحالف إدارة الدولة. ولا شك أن الخلاف حول هذا الملف قد يُنذر بتصاعد الخلافات داخل التحالف الداعم للحكومة العراقية.

4- الخلاف مع "سنّة" التنسيقي: شهدت الفترة الأخيرة بروز الخلاف بين الحلبوسي وعدد من القوى السياسية السنية الأخرى المرتبطة بالتنسيقي. فقد سعى تحالف العزم الوطني (11 نائباً)، برئاسة مثنى السامرائي، للإطاحة بالحلبوسي من رئاسة البرلمان العراقي، وتسمية شخصية جديدة بدلاً عنه في مؤشر على استمرار التنسيق الوثيق بينه وبين التنسيقي. فقد سبق واختار تحالف العزم، الانضمام للتنسيقي بعد انتخابات أكتوبر 2021، في حين اختار تحالف تقدم الانضمام للتيار الصدري.

واشتعل الخلاف مجدداً بين الجانبين بعد تأكيد الحلبوسي نجاح المحافظين التابعين لحزبه في محافظتي الأنبار ونينوى، وفشل محافظ صلاح الدين التابع لتحالف العزم الوطني، وهو ما دفع مجلس محافظة صلاح الدين، المهيمن عليه من الأخير، لإصدار بيان أكد خلاله دعمه لحكومة المحافظة الحالية وإدارتها. فضلاً عن مهاجمة الحلبوسي ضمناً، وذلك من خلال الإشارة إلى سيطرة حزب واحد، في إشارة إلى حزب التقدم بزعامة الحلبوسي، على صندوق إعمار المناطق المتضررة، حيث يسيطر على الصندوق منذ عام 2020، وهو ما يضاف إلى سجل الخلاف بين الجانبين.

كذلك شن تحالف الأنبار، وهو تحالف مكون من بعض العناصر التي كانت أعضاء في مجلس الأنبار المنحل، هجومه على الحلبوسي، بزعم توظيفه ملف المغيبين، سياسياً، وعدم نجاحه في إدارة البرلمان وتوزيع المناصب الخاصة، وهو ما يتلاقى مع مواقف التنسيقي نفسها، والتي يغضبها إثارة ملف المغيبين، كما ترتبط مواقف هذه القوى بسعيها للانتقاص من شعبية الحلبوسي قبل انتخابات مجالس المحافظات في أكتوبر 2023.

فرص الاستمرار:

على الرغم من تصاعد الخلاف بين الحلبوسي والإطار التنسيقي، فإن ثمة عوامل تُسهم في تعزيز بقائه واستمراره، وهو ما يمكن استعراضه في الآتي:

1- نفوذ الحلبوسي في المحافظات السنية: يمتلك الحلبوسي استثمارات ضخمة في بعض المحافظات السنية، وعلى رأسها محافظة الأنبار. كما ساهم منحه صندوق الإعمار، في عام 2020، مقابل تخليه عن وزارة الرياضة، في تمكين الحلبوسي من توظيف الصندوق في إطلاق مشاريع استثمارية بالمحافظات السنية، وهو ما أكسبه دعماً شعبياً.

هذا إلى جانب تمتع الحلبوسي بأغلبية برلمانية داعمة له، وهو الأمر الذي اتضح في تجديد الثقة له، رئيساً لمجلس النواب بعد انتخابات أكتوبر 2022، فضلاً عن رفض البرلمان استقالته التي تقدم بها في سبتمبر الماضي، وهو ما يُعني أنه يحظى ليس فقط بدعم نواب المكون السني، ولكن كذلك بدعم كردي وشيعي، وحتى في حالة سحب كامل مكونات الإطار التنسيقي دعمهم له، فإنه يظل يتمتع بأغلبية في الوسط السني. 

2- انقسامات التنسيقي من استمرار الحلبوسي: يوجد فريقان داخل الإطار التنسيقي، أحدهما يسعى إلى إضعاف الحلبوسي، وعقد تحالفات مع بعض القيادات السياسية السنية المناوئة له بهدف تعيين رئيس برلمان خاضع لأجندتها، بما يضمن لها الهيمنة على السلطتين التنفيذية والتشريعية، ومن بين المؤيدين لهذا الاتجاه رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي.

أما الفريق الآخر فهو مع اتجاه استمرار الحلبوسي في منصبه لتجنب الدخول في أزمات جديدة تعرقل عمل الحكومة الحالية. كما يعزز من الانقسام السابق أن الإطار التنسيقي يشهد خلافات داخلية بين ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، بعد انتقاد الأخير للأول عقب لقائه مع المحافظين، بأنه لا يملك صفة رسمية لذلك، وهو ما سبقه تحذير المالكي لرئيس الوزراء العراقي من تسليم أجهزة أمنية حساسة إلى فصائل مسلحة، وذلك بعد مطالبة عصائب أهل الحق، بتولي رئاسة أحد الجهازين الأمنيين المخابرات أو الأمن الوطني.

3- التخوف من عودة التيار الصدري: على الرغم من الخلافات البادية بين الحلبوسي، والإطار التنسيقي وحلفائه من السنة، فإن هناك توجهاً عاماً داخل الائتلاف الحاكم، والمتمثل في تحالف إدارة الدولة، بعدم منح الفرصة للتيار الصدري لاستغلال أزمة مثل محاولة إقصاء الحلبوسي، لتأكيد عدم شرعية الحكومة الحالية، والتأكيد على أن موقفه من مقاطعتها كان سليماً، وأنها سوف تتجه إلى تبني ممارسات إقصائية، حتى ضد أولئك الذين تحالفوا معها. ولذلك قد يكون من الأفضل للتنسيقي استيعاب الخلافات مع الحلبوسي بدلاً من تصعيدها.

وفي التقدير يمكن القول إن الهجوم على الحلبوسي من قبل الإطار التنسيقي أو بعض القوى السنية، إنما يستهدف من خلاله الطرفان تحقيق أهداف مختلفة، إذ إن التنسيقي قد يسعى من خلال ذلك إلى الضغط على الحلبوسي لعدم إثارة الملفات التي تم الاتفاق عليها سابقاً، ونكص عنها التنسيقي حتى الآن، مثل ملف المغيبين في المحافظات السنية، أما القوى السنية، المتحالف بعضها مع التنسيقي، فإنها تستهدف من ذلك محاولة الانتقاص من شعبية الحلبوسي، حتى تتمكن من حصد بعض المقاعد، سواء في انتخابات مجالس المحافظات القادمة، أو في حالة إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.