احتجاجات شنغهاي:

ماذا تعني التظاهرات المضادة لسياسة "صفر كوفيد" في الصين؟

30 November 2022


في حين ألغت العديد من دول العالم الإجراءات الاحترازية المُشدَّدة وبدأت في العودة إلى الحياة الطبيعة، إلا أن الصين لا تزال تواصل سياساتها في إغلاق مناطق ومدن كاملة على أساس تطبيق سياسة "صفر كوفيد" لمكافحة الفيروس. وأدت هذه السياسة الصينية الصارمة إلى اندلاع احتجاجات، والتي تعد أمراً نادر الحدوث في الصين إلى حد كبير. 

وعلى الرغم من أنه عادة ما يتم التعامل مع أي احتجاجات أو تظاهرات بقوة وسرعة وجدية، فإن كثرة الضغوط التي تعرض لها المواطنين المتضررين من القيود الصحية العديدة في إطار تطبيق سياسة "صفر كوفيد" خلال الفترة الأخيرة دفعتهم إلى الخروج إلى الشوارع بشكل ملفت، رغم أن ذلك قد يعرضهم لخطر الاعتقال والمحاكمة.

دوافع الاحتجاجات:

مثّل تطبيق بكين الحازم لاستراتيجية "صفر كوفيد" الدافع الرئيسي وراء خروج المئات من الصينيين في عدة مدن للتظاهر ضد هذه السياسة، غير أنه يلاحظ أن هناك عدة دوافع فرعية ذات صلة بتطبيق هذه السياسة، وكان لها دوراً مهماً في الاحتجاجات الأخيرة في الصين، وتتمثل هذه الدوافع في الآتي:

1- رفض سياسة صفر كوفيد: تتنامى مشاعر الإحباط التي شهدتها بكين قبيل أيام من انعقاد المؤتمر الوطني الـ 20 للحزب الشيوعي في أكتوبر الماضي. ومن أبرز الملامح التي عبرت عن ذلك، الاحتجاج النادر ضد الرئيس شي جين بينج، والاعتراض على القيود الصينية الخاصة بسياسة "صفر كوفيد" المطبقة حالياً. 

وظهرت صور لافتتين احتجاجيتين على أحد الكباري في منطقة شمال غرب بكين. وعلى ما يبدو فقد تم إيقاف التظاهرة الاحتجاجية بسرعة من قبل الشرطة الصينية. وبجانب ما سبق، فقد شددت السلطات الصينية إجراءات الدخول إلى بكين، حيث منعت دخول الكثير من المسافرين وأعادت سكاناً ومنعت وصول بضائع وأدوية كانت مرسلة إلى أصحابها.

2- تداعيات عمليات الإغلاق الصارمة: ترتب عليها حدوث تأخير في حصول المواطنين الصينيين على الرعاية الطبية في الوقت المناسب، مما أدى إلى حدوث بعض حالات الوفاة، والتي مثلت دافعاً إضافياً لتظاهر الصينيين للتعبير عن غضبهم واستيائهم تجاه القيود الصحية المفروضة عليها. ومما لا شك فيه، فإن هناك تأثيرات سلبية على المجتمع الصيني بسبب سياسات الإغلاق طويلة الأمد التي تنفذها الحكومة لمنع انتشار كورونا، حيث تسببت عملية الإغلاق الصارمة في اضطرابات الحياة اليومية الصينية بشكل عام، وتمزيق المجتمع، حيث يتم حجر الابن بعيداً عن أمه أو الأم بعيداً عن زوجها أو ابنها.

ويمكن الإشارة هنا إلى بعض الأمثلة على ذلك، ومنها مشاعر الاستياء التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي الصينية على خلفية الحريق الذي اندلع بمدينة أورومتشي عاصمة إقليم شينجيانج، والتي استمرت تحت الحجر لمدة أكثر من 100 يوم، وأدى إلى مصرع عشرة أشخاص، ورأت رسائل عدّة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أن الإجراءات المتّخذة لمواجهة كورونا فاقمت هذه المأساة، بسبب الإغلاق الذي أعاق وصول سيارات الإنقاذ. 

وكذلك حادث وفاة طفل رضيع يبلغ من العمر أربعة أشهر في مدينة تشنغتشو بوسط الصين، بعد أن فشل في تلقي العلاج أثناء وجوده في الحجر الصحي. فضلاً عن حادث آخر وقع في مدينة لانتشو، حيث توفي طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات بسبب تسمم بأول أكسيد الكربون بعد أن حالت القيود المفروضة دون نقله إلى المستشفى في الوقت المناسب. وحسب تقارير الحكومة المحلية، فقد حاول والد الطفل الاتصال بخط ساخن عدة مرات، ولكن قيل له إن الاستشارة الطبية ممكنة فقط عبر الإنترنت لأن الأسرة تعيش في "منطقة شديدة الخطورة". كما أظهرت مقاطع فيديو نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية سكاناً يقومون بإزالة الحواجز التى وضعتها السلطات حتى يتمكنوا من الخروج.

3- ارتفاع قياسي في الإصابات: لم تنجح إجراءات الإغلاق المطبقة منذ قرابة ثلاث سنوات في منع الارتفاع القياسي في عدد الإصابات بكورونا، وهو ما دفع مواطنين في مدينة شنغهاي، العاصمة الاقتصادية والمركز المالي العالمي في شرق الصين، والبالغ عدد سكانها نحو 25 مليون نسمة، وأيضاً طلاب جامعيون من جامعة تسينغوا في بكين، فضلاً عن مواطنين في إقليم شينجيانج والعاصمة بكين، للخروج في تظاهرات، حملوا خلالها الأوراق البيضاء كرمز للتعبير عن استيائهم من الرقابة في البلاد ولتسجيل اعتراضهم على الوضع الذي يعيشون فيه حالياً. 

وتسببت عمليات الإغلاق المفاجئ في انتشار الغضب في بعض المدن الصينية، خاصة في تشينغتشو وقوانغتشو وعدد آخر من المدن، والتي شهدت احتجاجات عنيفة. كما تم تنظيم وقفات احتجاجية لإحياء ذكرى ضحايا أورومتشي في عدد من الجامعات في كافة أنحاء الصين. وأصبحت الاحتجاجات ضد إجراءات كوفيد مشهداً مألوفاً بشكل متزايد. لكن حتى تظاهرات نهاية هذا الأسبوع غير معتادة في هذا الوضع الطبيعي الجديد، سواء من حيث أعدادها أو في انتقادها المباشر للحكومة والرئيس شي جين بينج.

وأثناء إغلاق مدينة شنغهاي طيلة شهرين في وقت سابق من 2022، جلس المواطنون في منازلهم من دون طعام أو شراب كافٍ، مما دفعهم للاحتجاج بالدقّ على الأواني والصراخ من نوافذهم. وسرعان ما أثارت مظاهر الغضب غير المُعتادة تجاه الحكومة وسياساتها ردة فعل قمعية متوقعة، وتمت محاصرة المباني بأسوار عالية، مما أثار استياءً متزايداً في الصين. وجرت تظاهرات متفرقة تخللت بعضها أعمال عنف في عدد من المدن في الأيام الأخيرة، بما في ذلك في أكبر مصنع لهواتف آيفون يقع في وسط مدينة تشنغتشو الصينية.

دلالات التظاهرات النادرة:

تثير الاحتجاجات بشأن سياسة "صفر كوفيد" العديد من الدلالات، يتمثل أبرزها في الآتي:

1- تحدي سياسات شي جين بينغ: جاءت هذه الاحتجاجات بعد فترة وجيزة من اختتام الحزب مؤتمره الوطني العشرين، والذي أكد خلاله الرئيس شي على تمسك الحزب بتنفيذ نهج "صفر كوفيد" بثبات من دون تردد. وقابل المواطنون هذه السياسة بعدم رضا نظراً لأنها أثرت سلباً على حياتهم. وقد تجلى ذلك بوضوح في تظاهرات شنغهاي التي ردد فيها متظاهرون هتافات تُطالب الرئيس شي بـ "الاستقالة"، فضلاً عن مهاجمة الحزب الشيوعي الصيني.

2- التشكيك في جدوى "صفر كوفيد": تتمسك الصين بسياسات الإغلاق في الوقت الذي يتجه فيه العالم إلى تخفيف القيود المفروضة بشأن مكافحة الجائحة، لاسيما في ظل تراجع عدد الإصابات مؤخراً.

3- توظيف التواصل الاجتماعي في الاحتجاج: مثّلت وسائل التواصل الاجتماعي متنفساً للتعبير عن غضبهم تجاه القيود الصحية المفروضة عليهم لمكافحة كوفيد – 19، وذلك على الرغم من خطورة ذلك الأمر عليهم، وهو ما يكشف عن تضرر فئات مجتمعية واسعة جراء هذه السياسات.

4- إمكانية تراجع الحكومة الصينية: تعهدت بلدية بكين بتحسين إجراءات مكافحة كورونا، ومنع وضع حواجز على بوابات المباني في المجمعات السكنية المغلقة. كما قام إقليم شينجيانج بتخفيف بعض قيود الحجر الصحي في العاصمة أورومتشي. وخففت السلطات الصينية بشكل طفيف بعض تدابير مكافحة الوباء في وقت سابق من الشهر الحالي، والتي تمثلت في تقليل وقت الحجر الصحي للركاب القادمين وإلغاء اختبارات كوفيد الجماعية، إضافة إلى رفع الحواجز التي تعيق الدخول والخروج، وهو ما يؤشر على إمكانية اتجاه الحكومة الصينية لتخفيف إجراءات كورونا بشكل أكبر، وذلك إدراكاً منها للتكلفة الاجتماعية المرتفعة للإغلاق. 

تداعيات خارجية محتملة:

هناك العديد من التداعيات الخارجية للاحتجاجات الصينية الأخيرة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تهديد النمو الصيني: تراجعت أرباح القطاع الصناعي بنسبة 3% في الأشهر العشرة الأولى من عام 2022 على أساس سنوي، مقارنة بتراجع قدره 2.3% في الفترة من يناير وحتى سبتمبر من العام السابق. وقد تؤدي الاحتجاجات في حالة امتدادها إلى التأثير سلباً على المؤشرات السابقة. ووفقاً لتقرير لوكالة "بلومبرج" تهدد هذه الاحتجاجات بحدوث عجز في إنتاج هواتف "آيفون" يصل إلى 6 ملايين وحدة هذا العام. كما أن هناك توقعات بحدوث إنكماش في الناتج المحلي الإجمالي للصين خلال الربع الحالي مقارنة مع الربع الثالث من العام 2022. 

2- الإضرار بالاقتصاد العالمي: تعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وفي ظل الارتباط الوثيق بين الاقتصادين الصيني والعالمي، فمن الطبيعي أن تؤثر اضطرابات الصين، على الأوضاع الاقتصادية العالمية، وهو ما تجسد في تأثير الاحتجاجات الأخيرة على أسواق الأسهم العالمية، وأسعار النفط، فضلاً عن أسعار المعادن الثمينة، إضافة إلى تزعزع سلاسل الإنتاج الصينية التي تزود العالم بنحو 35% من المنتجات.

3- تدخل أمريكي محتمل: ركزت وسائل الإعلام الغربية بصورة مبالغ فيها على بث أخبار الاحتجاجات المحدودة في الصين، ومحاولة تصويرها وكأنها واسعة النطاق وتمتد إلى جميع أنحاء البلاد، بل وأشارت بعض عناوين الصحف الغربية، مثل الواشنطن بوست، إلى وجود تعاطف عالمي مع هذه الاحتجاجات، وهو ما يعد مؤشراً على اتجاه الإدارة الأمريكية لتوظيف هذه الاحتجاجات للضغط الدبلوماسي على الصين. واتضح ذلك الأمر بشكل واضح في تأكيد البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، "يتابع عن كثب" التظاهرات الجارية في الصين، في الوقت الذي أكدت فيه الخارجية الأمريكية على حق الشعب الصيني في التظاهر.

وفي الختام، يمكن القول إن هناك عدداً كبيراً من الصينيين، الذين نفد صبرهم ضد سياسات الحزب الشيوعي المتعلقة بالتعامل مع جائحة كورونا، حيث تأثر الملايين من الأشخاص في الصين لما يقرب من ثلاث سنوات من اختبارات كوفيد الجماعية والحجر الصحي والإغلاق المفاجئ الذي يترتب عليه خسائر فادحة بعضها اقتصادي والبعض الآخر اجتماعي وإنساني. وكل ذلك جعل الصينيين يشعرون بعدم جدوى سياسة "صفر كوفيد"، خاصة أنه على الرغم من عمليات الإغلاق الشامل، وصلت أعداد حالات الإصابة بفيروس كورونا حسب آخر إحصاء قرابة 40 ألف حالة، مما يعني ارتفاع حالات الإصابة في جميع مدن الصين، وهو ما يتناقض مع أهداف سياسة صفر كوفيد.