تهدئة محتملة!

عجز قمة شي وبايدن عن تجاوز الخلافات الصينية – الأمريكية

28 November 2022


التقى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نظيره الصيني، شي جين بينج، في بالي بإندونيسيا قبيل انعقاد قمة مجموعة العشرين، في يوم 14 نوفمبر الجاري، وتضمن اللقاء الممتد لنحو 3 ساعات مباحثات ثنائية بخصوص الأولويات والنوايا بشأن مجموعة من القضايا محل الاهتمام. 

استيعاب الخلافات: 

جاءت القمة الأمريكية – الصينية لتمثل محاولة لاستيعاب التوتر الحاصل في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، وبعد نجاح الرئيسين الأمريكي والصيني في توطيد سلطتهما الداخلية، ومحاولة واشنطن استغلال القمم الإقليمية المختلفة لتطويق الصين، هو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- تدهور العلاقات الأمريكية – الصينية: يأتي لقاء الرئيسين الصيني والأمريكي في وقت تتدهور فيه العلاقات بين البلدين، الأمر الذي بلغ مداه، في أغسطس 2022، بعد أن توجهت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان، وهو الأمر الذي اعتبرته الصين تجاوزاً لمبدأ الصين الواحدة، وقد تبع تلك الزيارة العديد من الإجراءات التصعيدية المتبادلة بين الجانبين، والتي يتمثل أبرزها في إقرار قانون الرقائق والعلوم الأمريكي، والذي أدى لتأجيج الحرب التكنولوجية حول الرقائق وأشباه الموصلات بين البلدين، فضلاً عن وقف المحادثات العسكرية والمناخية بين البلدين. 

2- تعزيز سلطة الرئيسين: جاء انعقاد الاجتماع بين الرئيسين الصيني والأمريكي بعدما تمكنا من توطيد سلطتهما الداخلية، فقد تم انتخاب الرئيس شي لفترة ولاية ثالثة خلال النسخة العشرين من مؤتمر الحزب الشيوعي، والذي شهد كذلك تعيين العديد من الشخصيات المقربة من شي في مناصب سياسية وعسكرية رفيعة، فضلاً عن تحديد المؤتمر للخطوط العريضة للسياسة الخارجية الصينية خلال الفترة المقبلة، والتي يتقدمها مبدأ الصين الواحدة ودعم التعددية القطبية في النظام العالمي. 

وفي المقابل، أجريت انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة، حيث تعرض الديمقراطيون لخسارة محدودة مقارنة بما كان متوقعاً قبل الانتخابات، إذ فاز الجمهوريون بأغلبية بسيطة داخل مجلس النواب، في حين تمكن الديمقراطيون من الحفاظ على أغلبية مقاعد مجلس الشيوخ، وإن بهامش محدود عن الجمهوريين. كما أن تبني الديمقراطيين والجمهوريين مواقف متشددة حيال الصين، ساعد الرئيس بايدن في تأكيد قوته الداخلية قبل الجلوس مع شي. 

3- توظيف واشنطن قمتي الآسيان وبانكوك: تزامن لقاء شي وبايدن مع انعقاد العديد من الفعاليات التي تشير إلى تنامي الاهتمام العالمي بهذا الإقليم وتطوراته، مثل قمتي الآسيان وبانكوك، حيث تناولت القمة الأولى مخاوف دول الإقليم من تداعيات التنافس الأمريكي – الصيني، في حين أن الرئيس بايدن سعى لتأكيد التزام الولايات المتحدة بنظام دولي قائم على القواعد في بحر الصين الجنوبي، في إشارة إلى إصرار واشنطن على مواجهة محاولات بكين للهيمنة عليه، فضلاً عن تأسيس شراكة استراتيجية أمريكية شاملة مع دول الآسيان، في محاولة من جانب بايدن لمواجهة النفوذ الاقتصادي الصيني في جنوب شرق آسيا.  

وسعى بايدن خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ المنعقدة في بانكوك إلى فرض الأجندة الغربية، والمتمثلة في تحميل روسيا تداعيات الحرب الأوكرانية، فضلاً عن إدانة عمليات الإطلاق الصاروخية الكورية الشمالية، بالإضافة إلى استثمار مخاوف بعض القوى الإقليمية من النفوذ العسكري الصيني. 

أبعاد التوافقات الثنائية: 

خلص اللقاء الأول بين الرئيسين بايدن وشي إلى عدد من المخرجات، والتي تتمثل في التالي:

1- تأكيد بايدن استمرار "التنافس" مع الصين: أوضح الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة ستواصل تنافسها القوي مع الصين عبر استمرار تنسيق الجهود مع الحلفاء والشركاء حول العالم، من دون أن يتحول التنافس إلى صراع، غير أنه ليس من الواضح كيف يمكن تحقيق ذلك، خاصة إذا كانت مثل هذه التحالفات تسعى إلى حصار الصين، تكنولوجياً واقتصادياً وعسكرياً. 

2- محاولة شي تبني نهج تصالحي: أوضح شي إلى أن العالم يمر بنقطة انعطاف تاريخية تتطلب مواجهة التحديات واغتنام الفرص، وهو ما لن يتحقق سوى عبر علاقة تعاونية بين الصين والولايات المتحدة خارج إطار اللعبة الصفرية، وأفاد شي بأن الصين ليس لديها النية لتحدي أو إزاحة الولايات المتحدة، وهو ما يحتم على الجانبين احترام بعضهما البعض والتعايش في سلام، والسعي وراء التعاون المربح للجانبين، مع مراعاة القواعد الأساسية للعلاقات الدولية لإدارة الخلافات ومنع المواجهة والصراع. 

3- محاولة التعاون في التحديات العابرة للحدود: ناقشت القمة مجموعة من القضايا، وفي مقدمتها مواجهة التحديات العابرة للحدود، مثل تغير المناخ واستقرار الاقتصاد الكلي العالمي وتخفيف الديون، والأمن الصحي والأمن الغذائي العالمي.

كما تبادل الزعيمان الآراء حول التحديات الإقليمية والعالمية الرئيسية، وفي مقدمتها الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث توافق الطرفان على رفض استخدام الأسلحة النووية في الحرب الأوكرانية. ودعا شي صراحة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي لإجراء حوار مباشر مع روسيا، لوقف الحرب الأوكرانية، وهو ما يكشف عن استمرار الموقف الصيني الذي يرى أن واشنطن تتحمل مسؤولية التصعيد في الحرب الأوكرانية، بسبب إصرارها على توسيع الحلف إلى الحدود الروسية. 

كما أثار بايدن مخاوف بشأن السلوك الاستفزازي لكوريا الشمالية، مشدداً على التزام الولايات المتحدة الصارم بالدفاع عن حلفائها في المحيطين الهندي والهادئ. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تهديدات كوريا الشمالية لم تعد تقتصر على جنوب شرق آسيا، ولكنها تمتد إلى تهديد الولايات المتحدة نفسها، خاصة بعد إجراء بيونج يانج تجربة صاروخية باستخدام الصاروخ الباليستي العابر للقارات "هواسينج 17"، القادر على التحليق لمسافات طويلة تصل إلى حوالي 9 آلاف ميل، وفقاً لتقديرات وزارة الدفاع اليابانية، ومن ثم يتمتع بالقدرة على إصابة أي مكان في الولايات المتحدة، كما أنه وفقاً لتقديرات كوريا الجنوبية، يمكنه حمل حوالي 3 – 5 رؤوس نووية، ومن ثم يمكنه تجاوز نظم الدفاع الجوي الأمريكية. 

تهدئة مرحلية محتملة: 

تشير أغلب التقديرات إلى أن القمة الرئاسية الصينية – الأمريكية لن تسهم في تحقيق تحول جذري في مسار العلاقات بين البلدين، وإن ساهمت في التهدئة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- استعادة المسار الدبلوماسي بين البلدين: تشير التقديرات إلى أن البلدين يعتزمان خفض حدة التصعيد بينهما وتجنب الصراع، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال الأجواء التي صاحبت اللقاء الممتد لنحو 3 ساعات، والحفاوة التي التقى بها الرئيسان بعضهما البعض، وما تبادلاه من تصريحات تدعو للتصالح وخفض حدة التوترات واستعادة المسار الصحيح للعلاقات الثنائية، ناهيك عن ترتيب زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، للصين قريباً، فضلاً عن الاتفاق على تشكيل مجموعات عمل مشتركة لمناقشة القضايا محل الاهتمام المشترك.

2- استمرار التصعيد الأمريكي حول تايوان: شدد الرئيس الصيني على أن قضية تايوان هي في صميم المصالح الجوهرية للصين وشأناً داخلياً، واعتبرها بمنزلة الخط الأحمر الأول الذي يجب عدم تجاوزه في العلاقات الصينية – الأمريكية.

وفي المقابل، انتقد بايدن الممارسات الصينية المتعلقة بالقمع وانتهاكات حقوق الإنسان والأقليات في شينجيانج والتبت وهونج كونج، في حين أنه أكد على استمرارية سياسة الصين الواحدة من دون تغيير، إلا أنه أكد ضرورة تجنب أي تغيير أحادي للوضع الراهن، فالسلم والأمن الدوليين يرتبطان باستقرار الوضع في مضيق تايوان، وفقاً له. ويكشف ما سبق عن استمرار توظيف واشنطن لتايوان كورقة ضغط في مواجهة الصين. ومن جهة أخرى، أبدت الولايات المتحدة تخوفها من تهديدات كوريا الشمالية، في حين حرصت بكين على التعبير عن استقلالية موقفها، ورفضها الإضرار بعلاقتها بحلفائها مثل روسيا وكوريا الشمالية.

3- استئناف متوقع للحرب الاقتصادية: تشير بعض التقديرات إلى أن التوترات الاقتصادية لن تهدأ وتيرتها بين البلدين خلال الفترة المقبلة حتى بعد انعقاد قمة العشرين والقمة الثنائية بين الرئيسين، وذلك في ظل توجه واشنطن نحو تغيير سلاسل الإمداد وأنماط الاستثمار بعيداً عن الصين، وباتجاه أسواق بديلة، مثل الهند وفيتنام وتايوان.

وقد سحب المستثمرون الأمريكيون في أكتوبر الماضي 8.8 مليار دولار من الأسهم والسندات الصينية تخوفاً من أن تلقى الصين مصير روسيا نفسه من العقوبات الدولية، نظراً لأن مثل هذا المصير ستكون تداعياته هائلة بموجب ضخامة حجم الاقتصاد الصيني. وفي المقابل، تحذر بكين من تداعيات الحرب التكنولوجية لأنها تضر بالجميع. 

وفي الختام، يلاحظ أنه على الرغم مما خلصت إليه القمة الرئاسية المنعقدة مؤخراً بين بايدن وشي من تهدئة مرحلية لحدة النزاع وإدارة بعض الخلافات الثنائية للحيلولة دون تفاقمها لمواجهة مفتوحة بينهما عبر استعادة قنوات الاتصال المباشر، فإن ذلك لا يعني انتهاء الخلافات وحلحلتها والتوصل لأرضية مشتركة، خاصة في ظل تباينهما في العديد من القضايا الدولية، مثل الموقف من الحرب الأوكرانية وتايوان وكوريا الشمالية، إلى جانب استمرار الحرب الاقتصادية بينهما.