شراكة استراتيجية:

سعي رئيسة تنزانيا لتجاوز الخلافات السابقة مع بكين

15 November 2022


قامت رئيسة تنزانيا، سامية صولحو حسن، بزيارة رسمية إلى الصين، في 2 نوفمبر 2022، استمرت ثلاثة أيام، عقدت خلالها اجتماعات متعددة مع المسؤولين في بكين، بما في ذلك الرئيس الصيني، شي جين بينج، ولتمثل بذلك أول زيارة لزعيم أفريقي إلى بكين بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، والذي منح شي جين بينج فترة رئاسية ثالثة.

شراكة استراتيجية واسعة:

جاءت زيارة حسن إلى الصين بناء على دعوة رسمية من الرئيس شي، والتي انطوت على عدة مخرجات مهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تخفيف الأعباء المالية لتنزانيا: وافقت بكين على شطب ديون على دودوما تقدر بحوالي 13.5 مليون دولار، وهو ما يتسق مع تصريحات بكين في سبتمبر الماضي، والتي أكدت خلالها أنها ستتنازل عن 23 قرضاً من دون فوائد لـ17 دولة، كان يفترض سدادها نهاية العام الماضي. 

كما أعلنت بكين تقديمها قرضاً جديداً لتنزانيا بشروط ميسرة، بقيمة بلغت حوالي 56.7 مليون دولار، لاستكمال مطار زنجبار الدولي. ووقعت رئيسة تنزانيا بروتوكولات تعاون مع الجانب الصيني، تتيح معاملة معفاة من الرسوم الجمركية لـ 98% من السلع القادمة من تنزانيا للصين. ومن أبرز هذه المنتجات فول الصويا والأفوكادو والسمسم، بالإضافة إلى النحاس وغيره من المعادن.

2- توقيع اتفاقيات موسعة: شهدت زيارة سامية حسن إلى الصين توقيع نحو 15 اتفاقية تعاون مشتركة، والتي تستهدف زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، وتخفيض الرسوم الجمركية وتسهيل الوصول إلى الأسواق، وتنوعت مجالات هذه الاتفاقيات الموقعة، حيث شملت الاقتصاد والطاقة والتجارة البينية والصحة وغيرها من مجالات التعاون.

وأكد الجانبان على الدفع نحو تنفيذ مذكرة التفاهم بين البلدين بشأن طريق الحرير الصيني، بما في ذلك العمل على ترقية وتجديد سكة حديد تازارا، وتطوير الطرق والموانئ والسكك الحديدة ومختلف البنى التحتية في تنزانيا. فضلاً عن اتفاقيات خاصة بالاتصالات، باعتبار أن قرابة نصف سكان دودوما ليست لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت، ناهيك عن بحث سبل تنفيذ خطة منطقة "سينو- تان كيباها" (Sino-Tan Kibaha) الصناعية، والتي كان قد تم توقيعها في أغسطس الماضي، بغية إنشاء أكبر مركز تصنيع في منطقة جنوب أفريقيا، حيث يتوقع أن توفر هذه المنطقة فرص عمل لحوالي 100 ألف شخص.

3- شراكة استراتيجية شاملة: وقعت تنزانيا اتفاق "شراكة استراتيجية شاملة" مع الصين، لتصبح دودوما رابع دولة أفريقية توقع هذا النوع من الشراكات مع بكين، بعد الجزائر وموزمبيق وجنوب أفريقيا.

مصالح اقتصادية مشتركة:

عكست زيارة سامية حسن لبكين، وما تضمنته هذه الزيارة من مخرجات عديدة، جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- محاولة تجاوز الخلافات السابقة: ناقش الجانبان الاستثمار في مشروع ميناء باجامويو، والذي تبلغ قيمته حوالي 10 مليارات دولار، حيث كان ماجوفولي قد وجه انتقادات صريحة للاستثمارات الصينية في تنزانيا، وعمد إلى تعطيل بعضها، بما في ذلك مشروع باجامويو الذي وصفه بـ"الصفقة الاستغلالية" وتم إيقافه في عام 2019، حيث شهدت زيارة حسن الأخيرة إلى بكين مباحثات مطولة بشأن هذا المشروع، لكن لم يتم الإعلان عن أي تقدم في هذا الشأن.

2- دعم تنزانيا لموقف الصين: عكست تصريحات سامية حسن خلال زيارتها للصين وجود دعم تنزاني للملفات الجوهرية بالنسبة لبكين، وفي مقدمتها ملف تايوان، فضلاً عن تأكيد رئيسة تنزانيا على دعم بلادها لمبادرة التنمية العالمية التي طرحها الرئيس شي مؤخراً.

3- نمو التجارة البينية: شهدت العلاقات التجارية بين الصين وتنزانيا صعوداً واضحاً في الفترة الأخيرة، حيث وصل إجمالي حجم التجارة البينية، في عام 2021، إلى حوالي 6.74 مليار دولار، في زيادة بلغت قرابة الـ 50% مقارنة بعام 2020، منها 600 مليون دولار تقريباً حجم الصادرات التنزانية للصين. 

وفي ظل الاتفاقيات الموسعة التي تم توقيعها خلال زيارة سامية حسن الأخيرة للصين، يرجح أن تشهد الفترة المقبلة تنامياً مضطرداً في حجم التجارة البينية بين البلدين، لاسيما أن تنزانيا تشكل سوقاً رئيسية بالنسبة لبكين، وبوابة لها نحو العمق الأفريقي ومنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.

وعلى الجانب الآخر، تسعى تنزانيا لتقليص الخلل الراهن في الميزان التجاري مع بكين. ولعل هذا ما انعكس في الاتفاقيات الجديدة التي تم توقيعها خلال زيارة رئيسة تنزانيا لبكين، والتي يفترض أن تسهل عمليات تصدير الأفوكادو والأسماك من تنزانيا للصين، فضلاً عن الاعفاءات الجمركية التي تم الاتفاق عليها، والتي يمكن أن تزيد من السلع التنزانية نحو السوق الصيني، في ظل الرؤية التنموية الحالية لدودوما، والتي تستهدف جعل قطاع التصنيع يشكل نسبة 40% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025.

وبلغت الاستثمارات الصينية المباشرة في تنزانيا في 2021 نحو 54 مليون دولار، مما جعل بكين قريبة بدرجة كبيرة من إجمالي الاستثمارات الأمريكية المباشرة في تنزانيا، حيث أصبحت كل منهما تمتلك استثمارات تتراوح بين 1.4 – 1.5 مليار دولار.

4- عودة الزخم لمبادرة الحزام والطريق: أشارت العديد من التقديرات الغربية إلى تراجع الزخم بشأن مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، بيد أن زيارة رئيسة تنزانيا الأخيرة إلى بكين، أثارت شكوكاً كبيرة حول هذا التقييم، لا سيما مع تأكيد رئيسي الصين وتنزانيا خلال الزيارة أهمية مبادرة "الصين الجديدة للتنمية العالمية"، فضلاً عن توقيع الطرفين مذكرة تفاهم بشأن مبادرة الحزام وطريق تتضمن تجديد الالتزامات المتبادلة الخاصة بالمبادرة، بعدما كان الرئيس التنزاني السابق قد عمد إلى تعليق غالبية المشروعات المرتبطة بها. 

5- تنافس على الشراكة مع الصين: عكست زيارة رئيسة تنزانيا إلى الصين أحد ملامح التنافس الراهن في شرق أفريقيا للفوز بوضعية الشريك المفضل للصين في هذه المنطقة، فلطالما اُعتبرت تنزانيا هي بوابة مبادرة الحزام والطريق الصينية في شرق أفريقيا، بيد أن السياسات التي انتهجها ماجوفولي شكلت فرصة أمام كينيا لانتزاع هذه المكانة، لكن يبدو أن زيارة سامية حسن لبكين، وحجم وطبيعة الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال الزيارة، تعكس عودة دودوما لمكانتها التقليدية كشريك مفضل بالنسبة للصين في المنطقة.

6- تحوّل تنزانيا إلى مركز للطاقة: تستعد تنزانيا حالياً لتوقيع اتفاق حكومي هذا العام بشأن تطوير مشروع غاز طبيعي مسال بقيمة تبلغ حوالي 40 مليار دولار، وهو المشروع الذي يتوقع أن يجعل تنزانيا وموزمبيق مركزاً جديداً لتصدير الغاز المسال بجنوب القارة الأفريقية، حيث يفترض أن يستهدف هذا الغاز الأسواق الأوروبية والآسيوية، وفي مقدمتها الصين، بيد أن هناك تخوفات تتعلق بالأوضاع الأمنية المضطربة بمقاطعة "كابو ديلجادو" في موزمبيق على مستقبل هذا المشروع.

ومن ناحية أخرى، تسعى تنزانيا للحصول على تمويل صيني لمشروع خط أنابيب النفط الذي تشترك فيه مع أوغندا بمنطقة بحيرة "ألبرت"، والذي يفترض أن تديره شركتا "توتال إنيرجي الفرنسية" و"المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري"، بتكلفة تقدر بحوالي 5 مليارات دولار، بيد أن هذا المشروع تعرض مؤخراً لانتقادات من البرلمان الأوروبي، والذي يضغط على الشركة الفرنسية لتأجيل المشروع لمدة عام للبحث عن مشاريع طاقة متجددة بديلة، وهو ما دفع تنزانيا وأوغندا للجوء إلى بكين لإقناعها بالاستمرار في تمويل المشروع.

تجاوز الخلافات السابقة:

هناك عدد من الارتدادات المحتملة التي ربما تتمخض عن زيارة رئيسة تنزانيا الأخيرة إلى الصين، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تعزيز الاستثمارات الصينية في تنزانيا: أكد المسؤولون في بكين أنهم سيعملون على دفع الشركات الصينية للاستثمار في البنية التحتية في دودوما، وإقامة مشروعات تجارية بتنزانيا، فيما تعهدت رئيسة تنزانيا بتسهيل السبل أمام الشركات الصينية. وفي المقابل، يتوقع أن تشهد السنوات المقبلة زيادة حجم الصادرات التنزانية إلى الصين من 600 ألف دولار حالياً لتصل إلى نحو مليار دولار في 2025. 

2- استئناف بعض المشروعات الصينية: رجحت بعض التقديرات أن زيارة رئيسة تنزانيا الأخيرة إلى بكين تضمنت بحث استئناف بعض المشروعات الصينية في تنزانيا، بما في ذلك المرحلة الخامسة من خط السكك الحديدية القياسي بتنزانيا، الذي يربط موانزا بإيساكا، بالإضافة إلى محاولة إحياء مشروعات الفحم وخام الحديد، التي كانت وقعت قبل عقد مع شركة "سيشوان هونغدا" (Sichuan Hongda) الصينية.

وكذلك الحال بالنسبة لمشروع ميناء باجامويو، حيث كان الرئيس الصيني، شي جي بينج، قد وقع في عام 2013 اتفاقية مع نظيره التنزاني آنذاك، جاكايا كيكويتي، لتأسيس ميناء باجامويو والمنطقة الاقتصادية الخاصة شمال مدينة دار السلام، قبل أن تتعطل الاتفاقية في ظل الرئيس السابق ماجوفولي، حيث رفض الأخير مطالب بكين بالحصول على عقد إيجار إداري للميناء لمدة 99 عاماً.

لذا، رجحت التقديرات إمكانية التوصل إلى توافقات بين بكين ودودوما بشأن استئناف مشروع ميناء باجامويو، مع إدخال بعض التعديلات عليه، تضمن لتنزانيا التحكم في الجمارك وبقية الأبعاد التنظيمية الأخرى في الميناء، مع رفض منح إعفاءات ضريبية بعيدة المدى لبكين، أو عقد الإيجار طويل المدى.

3- توسيع التعاون بين الحزبين الشيوعي والثوري: تم بحث تعزيز التعاون بين الحزب الشيوعي الصيني والحزب الثوري التنزاني. وقامت الصين في يوليو الماضي بافتتاح أول مدرسة حزبية لها في القارة الأفريقية في تنزانيا بتمويل من الحزب الشيوعي، وهي مدرسة "مواليمو جوليوس نيريري" للقيادة، حيث استقبلت الدفعة الأولى طلاباً من الكوادر الحزبية الحاكمة في ست دول أفريقية، وهو ما يعكس رغبة صينية في تعزيز نفوذها على القادة المستقبليين في أفريقيا.

وفي الختام، شكل حكم الرئيس التنزاني السابق، جون ماجوفولي، مرحلة توتر في علاقة بكين ودودوما، فيما عمدت سامية حسن، منذ وصولها إلى السلطة في مارس 2021، نحو تحسين علاقات بلادها مع الاقتصادات الكبرى، وفي مقدمتها الصين، وبالتالي يرجح أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التقارب الصيني – التنزاني.