استمرار الخلاف:

تحولات محدودة بعد اجتماع الصدر بالإطار التنسيقي

07 December 2021


أصدر الإطار التنسيقي الشيعي، في 2 ديسمبر، بياناً حول اجتماعه مع زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، أكد فيه أن الطرفين اتفقا على استمرار الحوارات وصولاً إلى "وضع معالجات واقعية للانسداد الحاصل في المشهد السياسي"، في إشارة إلى أن الاجتماع لم يحسم بصورة كاملة الخلافات بين الجانبين. 

اجتماع الفرقاء

يلاحظ أن الاجتماع الأخير بين الصدر والإطار التنسيقي سعى لمحاولة التوصل لحل أزمة الانتخابات، وهو ما يمكن توضيحه في التالي: 

1- لقاء الصدر بخصومه: عقد الاجتماع في منزل زعيم تحالف الفتح هادي العامري، بحضور زعماء كتل الإطار التنسيقي، وكان من أبرزهم خصوم الصدر، وتحديداً زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، والذي لم يلتق به منذ 14 عاماً، وكذلك زعيم فصيل عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، والذي لم يلتق به منذ ست سنوات، إلى جانب رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، وهو ما يؤشر إلى وجود توافق ما بين الصدر وخصومه على أهمية التوصل لتسوية سلمية للأزمة، وتجنب التصعيد. 

2- إخفاق التوافق على شكل الحكومة: شكل الحكومة الجديدة كان من أهم القضايا التي نوقشت، وبذلت محاولات من جانب الإطار التنسيقي لإثناء الصدر عن موقفه من تشكيل حكومة أغلبية، تستبعد بعض مكونات الإطار التنسيقي، فضلاً عن اختيار رئيس وزراء توافقي في إشارة إلى استمرار رغبة الإطار التنسيقي، ومن ورائه إيران، عن إقصاء رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، عن تولي رئاسة الحكومة القادمة. 

ويلاحظ أن الصدر لم يقبل بطرح اللقاء التنسيقي، خاصة فيما يتعلق بتشكيل حكومة شبه موسعة، تجمع بين التوافقية والأغلبية، ولكنها تستوعب المختلفين، أي خصوم الصدر من القوى الشيعية الخاسرة في الانتخابات. 

فقد أكد الصدر، عبر تغريدة عقب انتهاء الاجتماع "لا شرقية، ولا غربية، حكومة أغلبية وطنية"، مع التشديد على أهمية الرجوع إلى المرجعية في النجف حصراً كمرجعية للجميع، في إشارة ضمنية إلى رفضه الوساطة الإيرانية، والتي كانت حاضرة دائماً في جهود تشكيل الحكومات العراقية السابقة. 

3- محاولة بلورة تفاهمات مبدئية: على الرغم من إخفاق الاجتماع في حلحلة القضية الرئيسية، وهي شكل الحكومة المقبلة، فإن الإطار التنسيقي قد سعى إلى بلورة تفاهمات مبدئية مع الصدر حول عدد من القضايا في محاولة لحصر الخلاف بين الجانبين، وهو ما وضح في البيان الصادر عن الإطار التنسيقي. 

ويتمثل أبرز هذه المواقف في التأكيد على محاربة الفساد، ووضع آليات كفيلة بحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما يعد استجابة لبعض مطالب الصدر الرئيسية، والذي أسس عليه برنامجه الانتخابي. كما تضمن البيان التأكيد على خروج القوات الأجنبية، وفقاً للجدول الزمني المعلن، وهو ما يمثل قبولاً ضمنياً من قوى الحشد الشعبي ببقاء بعض القوات الأمريكية في العراق بعد ديسمبر كمدربين ومستشارين.

ولكن في المقابل، تضمن البيان بعض البنود الأخرى التي تتناقض مع حصر السلاح بيد الدولة، مثل النص على حماية الحشد الشعبي ودعمه وتنظيمه بما يعزز دوره في حفظ الأمن في العراق، أي أن القوى الموالية لإيران لاتزال تحرص على ضمان استمرار قوى الحشد الشعبي في لعب دور في المشهد الأمني في العراق، وهو ما يتناقض مع مفهوم الصدر لحصر السلاح بيد الدولة، والتي تقوم على تفكيك ميليشيات الحشد الشعبي. 

4- الحفاظ على تماسك الإطار التنسيقي: يلاحظ أن اجتماع الإطار التنسيقي مع الصدر كان يهدف كذلك إلى ضمان وحدة الإطار، وعدم تفككه، خاصة أن التيار الصدري سعى لبحث تشكيل الحكومة العراقية عبر التفاهم مع بعض القوى المنضوية تحته، إذ إنه بعد لقاء الصدر بمحمد الحلبوسي في بغداد لبحث تشكيل الحكومة العراقية القادمة، التقى الصدر كذلك زعيم قوى الدولة عمار الحكيم، وحيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق، وذلك على الرغم من أن الحكيم والعبادي انضويا تحت الإطار التنسيقي، وهو ما يؤشر إلى محاولة الصدر استقطابهما بعيداً عن الإطار التنسيقي. 

5- إصرار الصدر على رفض "خلطة العطار": لم يكتف الصدر بموقفه المؤكد على ضرورة تشكيل حكومة أغلبية، ولكنه اتجه إلى تبني خطوات إضافية لضمان استمرار تصدره مشهد الانتخابات، وهو ما وضح في لقائه في 3 ديسمبر في مقره بالحنانة في مدينة النجف مع نواب مستقلين، إذ أكد الصدر خلال اجتماعه بهم أنه لا يريد للحكومة القادمة أن تتشكل طبقاً لما أسمّاه "خلطة العطار"، أي إشراك كل الأحزاب السياسية الفائزة بلا استثناء. 

كما أن اتجاه الصدر للاجتماع بالنواب المستقلين تؤشر إلى أنه يسعى للتوصل لتفاهمات معهم لدعمه في مسعاه لتشكيل حكومة أغلبية، وقطع الطريق أمام الإطار التنسيقي لاستقطابهم، خاصة أن الكثير من المستقلين محسوبون على ثوار تشرين، المناوئين لطهران. 

اعتراف ضمني: 

يلاحظ أن الإطار التنسيقي صدر عنه من المواقف الضمنية التي تكشف قبوله نتائج الانتخابات، وإن لم يتجه للإعلان عن ذلك صراحة، إذ يسعى لتوظيف موقفه المشكك في الانتخابات من أجل الضغط على الصدر لكي يكون الإطار التنسيقي طرفاً رئيسياً في الحكومة القادمة. وتتمثل هذه المؤشرات في التالي:  

1- تزامن الاجتماع مع إعلان النتائج النهائية: أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالعراق النتائج النهائية للانتخابات التشريعية في 2 ديسمبر، أي بالتزامن مع اجتماع الصدر مع الإطار التنسيقي، وجاءت النتائج، وكما هو متوقع، من دون أي تغيرات ملموسة لصالح القوى الخاسرة، إذ بلغ إجمالي التغيير خمسة مقاعد فقط. 

وحافظت "الكتلة الصدرية" على مركزها الأول بـ73 مقعداً، وحل تحالف تقدم، بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، ثانياً، بـ37 مقعداً، ثم تحالف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، بواقع 33 مقعداً، وحل رابعاً، الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني، بـ31 مقعداً، فيما حصل تحالف الفتح، بزعامة هادي العامري، على 17 مقعداً فقط، بزيادة 3 مقاعد عن النتائج الأولية المعلنة سابقاً، أما حزب "حقوق"، وهو الجناح السياسي لكتائب حزب الله، فلم يحصل إلا على مقعد واحد فقط.

ويلاحظ أن جلوس قوى الإطار التنسيقي مع الصدر مثّل اعترافاً بصحة هذه النتائج، خاصة أن المناقشات معه جرت حول شكل الحكومة، وليس على إعادة الانتخابات على سبيل المثال.

2- إعلان العامري قبول حكم المحكمة الاتحادية العليا: تقدم زعيم تحالف الفتح، هادي العامري، بدعوى أمام المحكمة الاتحادية العليا العراقية المختصة بفضّ النزاعات الدستورية، لإلغاء نتائج انتخابات أكتوبر الماضي. 

وكان من الواضح الأهمية التي يوليها الإطار التنسيقي لهذا الإجراء، بدليل حضور العامري جلسة المحكمة إلى جانب رئيس هيئة الحشد الشعبي وتحالف العقد الوطني، فالح الفياض، وقياديين في حركة عصائب أهل الحق، وائتلاف دولة القانون. ولكن في المقابل، أكد العامري قبوله أي قرار تصدره المحكمة. 

وفي الختام، يمكن القول إن قوى الإطار التنسيقي، وإن كشفت مواقفهم الضمنية عن قبولهم لنتائج الانتخابات، فإنهم سوف يستمرون في محاولتهم للتعويل على إلغاء الانتخابات البرلمانية عبر انتظار قرار المحكمة الاتحادية، وحتى في حالة تأكيد المحكمة صحة نتائج الانتخابات، فإن بعض القوى المنضوية تحت الإطار التنسيقي، مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراقي سوف تواصل التلويح بالتظاهرات والعنف، حتى يتم قبولها كطرف في الحكومة الجديدة، وهو ما يلاقي ممانعة من الصدر، نظراً لأن الإطار التنسيقي لايزال مصراً على كافة مطالبه السابقة من دون تراجع، على الرغم من أن وزنه الانتخابي لا يكفل له ذلك.