ردع المعرقلين:

هل يسهم قانون استقرار ليبيا في دعم الانتخابات القادمة؟

05 October 2021


أقر مجلس النواب الأمريكي في 29 سبتمبر 2021 مشروع قانون "استقرار ليبيا" بالأغلبية، إذ وافق عليه 386 نائباً ورفضه 35 فقط، ولايزال هناك حاجة إلى تمرير مشروع القانون بمجلس الشيوخ، حتى يصير قانوناً نافذاً.

أبرز مواد القانون: 

تتمثل أبرز بنود مشروع القانون الأمريكي حول ليبيا في التالي:

1- فرض عقوبات: يطلب المشروع من الرئيس الأمريكي، فرض عقوبات على أي شخص أجنبي إذا دعم أو انخرط في نشاط مع شخص أجنبي يعمل لصالح روسيا في ليبيا في المجال العسكري. وينص أيضاً على الطلب من الرئيس الأمريكي معاقبة من يقوم بأفعال تهدد السلام والاستقرار في ليبيا، أو مسؤول أو متواطئ في انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، أو سرق أصول الدولة الليبية أو مواردها الطبيعية.

وتتمثل العقوبات التي يفرضها مشروع القانون في عقوبات على الممتلكات وحظر التأشيرات على الأشخاص الذين يسهمون في العنف في ليبيا، وذلك تمهيداً لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في 24 ديسمبر المقبل، ومن المقرر أن تنتهي العقوبات التي سيتم فرضها على المعرقلين بحلول 31 ديسمبر 2026.  

2- دعم توحيد المؤسسسات: يطالب مشروع القانون وزارة الخارجية بتقديم المساعدة من أجل توحيد المؤسسات المالية والحكومية في ليبيا، وضمان انتخابات مستقبلية حرة وذات مصداقية في البلاد. كما يطالب مشروع القانون وزارتي الخارجية والخزانة بحث المؤسسات المالية الدولية على دعم التعافي الاقتصادي في ليبيا.

ملاحظات أساسية: 

بمراجعة مشروع القانون الأمريكي، يمكن القول إن هناك عدداً من الملاحظات الأساسية، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:  

1- محدودية الفاعلية والتأثير: تتضمن العقوبات للأشخاص الذين يتورطون في العنف عقوبات على الممتلكات وحظر التأشيرات فقط، وهي بطبيعة الحال غير مؤثرة إذا كان الشخص موضع العقوبات لا يمتلك ممتلكات من الأساس في الولايات المتحدة، أو أنها كانت محدودة. 

2- صعوبة تحديد المعرقلين: يتمسك خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، بعقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها، ويدعمه في ذلك مجلس النواب المنتخب، وشخصيات مهمّة في مدينة مصراتة، بينما يصطف الإخوان المسلمون، من خلال المجلس الأعلى للدولة، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، وحلفاؤهم من الميليشيات في صف معرقلي الانتخابات، وإن كان من الملحوظ أنهم لا يعلنون عن ذلك صراحة. 

ويعرقل الإخوان المسلمين الانتخابات عبر تبني مواقف متشددة تعيق التوصل لاتفاق حول القاعدة الدستورية، ومن ذلك على سبيل المثال المطالبة بتأجيل إجراء الانتخابات الرئاسية، وهو ما يثير التساؤل حول مدى قدرة واشنطن على تحديد الأطراف المعرقلة، وفرض عقوبات عليها، وعما إذا كانت ستتجه صراحة إلى فرض عقوبات على الإخوان المسلمين، وهي التي أصرت أن يكونوا جزءاً من المؤسسات الانتقالية كافة التي تم تأسيسها في ليبيا بعد انقسام البلاد في عام 2014، وذلك على الرغم من خسارتهم الانتخابات البرلمانية في عام 2013، ولجوئهم للقوة العسكرية رفضاً للاعتراف بنتائج الانتخابات. 

ولعل ما يؤكد صعوبة تحديد واشنطن المعرقلين هو ترحيب القوى الليبية كافة بالقانون، واعتبرته أنه يستهدف خصومها، فقد أكد أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي، على اختلاف توجهاتهم، عن ارتياحهم لهذا المشروع، واعتبر الدبيبة أن الكونجرس الأمريكي أكد دعمه لتحقيق الاستقرار في ليبيا عبر تمرير هذا القانون. وفي أعقاب صدور مشروع قانون استقرار ليبيا، دعا مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين المجتمع الدولي لدعم العملية الانتخابية في البلاد من خلال توفير مراقبين دوليين، وذلك على الرغم من عدم التوافق على القاعدة الدستورية التي سوف يتم على أساسها إجراء الانتخابات. 

3- طول الفترة الزمنية لتنفيذ القانون: لم يصادق مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون استقرار ليبيا حتى الآن، كما أن مشروع القانون ينص على تشكيل لجنة تقوم بإعداد قائمة تضم الأشخاص والجهات الذين ستشملهم العقوبات خلال فترة زمنية مدتها ستة أشهر (180 يوماً) من تشريع هذا القانون على أن تقوم واشنطن بتحديث هذه القائمة كل عام. 

ونظراً لأن إجراء الانتخابات الليبية كان من المقرر لها أواخر ديسمبر القادم، فإنه على الأغلب لن يتم إقرار هذا القانون وتنفيذه إلا بعد موعد الانتخابات القادمة، وهو ما يجعله معدوم القيمة فيما يتعلق بالضغط من أجل إجراء الانتخابات الليبية في موعدها. 

4- تركيز واشنطن على المرتزقة: يعكس قانون استقرار ليبيا الحرص الأمريكي على تهدئة الأوضاع الأمنية والعسكرية في ليبيا، إذ إن واشنطن تبدي تخوفها من تجدد القتال حال عدم تنظيم الانتخابات، أو عدم الاعتراف بنتائجها.

ونظراً لقرب ليبيا من دول الساحل والصحراء، فإن الاضطرابات هناك تغذي جماعات الإرهاب والتطرف في منطقة الساحل، على نحو ما وضح من حالة عدم الاستقرار التي شهدتها مالي وتشاد في عامي 2012، و2021 على التوالي، إذ إن الجماعات الإرهابية قد انطلقت من ليبيا، وسيطرت على شمال مالي في عام 2012. كما أن المعارضة المسلحة لتشاد استفادت من الفوضى هناك، وتسللت من ليبيا إلى الداخل التشادي في محاولة الانقلاب على السلطة وتسببت تلك المحاولة في مقتل الرئيس التشادي وقتها إدريس ديبي.  

ولعل ما يؤكد التركيز الأمريكي على هذا الملف اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في 28 سبتمبر، في العاصمة طرابلس، وذلك بحضور قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، الجنرال ستيفين تاونسند، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية وزير الدفاع، عبدالحميد الدبيبة، والسفير والمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، أي أن الاجتماع تم قبل صدور قانون استقرار ليبيا بيوم واحد. 

وكشف حضور الشخصيات الثلاثة اجتماع اللجنة عن الأهمية التي توليها واشنطن لحلّ ملف المرتزقة والقوات الأجنبية وتوحيد المؤسسة العسكرية، وفق بيان السفارة الأمريكية في أعقاب الاجتماع. وتدرك واشنطن أن هناك صعوبة حقيقية في إجراء الانتخابات في موعدها. ويتضح ذلك من اقتراحها إجراء انتخابات رئاسية ليبية متعاقبة وعلى مراحل عدة تنتهي في خريف عام 2022، بدلاً من إجرائها مرة واحدة في ديسمبر 2021. 

ومما سبق، يمكن القول إن التركيز الأمريكي ينصب على الملف الأمني، وليس السياسي، على أساس أن إخراج المرتزقة، ومنع المواجهات العسكرية سوف يبقي على حظوظ التسوية السياسية، وإجراء الانتخابات، وإن في فترة تالية. 

عقبات محتملة:

يواجه تنفيذ بنود هذا القانون عقبات محتملة، والتي قد تنتقص من قيمته، وذلك على النحو التالي:

1- استمرار الخلافات بين الفرقاء الليبيين: شهدت ليبيا خلال الفترة الأخيرة صراعاً بين رئيسي الحكومة عبدالحميد الدبيبة، والبرلمان عقيلة صالح بسبب سحب البرلمان الثقة من حكومة الدبيبة، والاختلاف الشديد حول دلالات هذه الخطوة، ما بين مؤكد على شرعيتها، وما بين رافض لها. 

ومن جهة ثانية، ثار نزاع بين رئيس المجلس الأعلى والقيادي الإخواني، خالد المشري، وصالح، وذلك بسبب مصادقة البرلمان الليبي على قانون الانتخابات الرئاسية، وهو ما رفضه المشري. ومن جهة ثالثة، لايزال أعضاء ملتقى الحوار الليبي مختلفين على القاعدة الدستورية التي سيتم على أساسها إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وفي مواجهة هذه الأزمات، فإن القانون الأمريكي يقف عاجزاً عن مواجهتها، لأنها في جانب منها تعكس صراعات سياسية، وليست عسكرية. 

2- رفض تركيا سحب مرتزقتها: تواصل أنقرة رفض سحب قواتها والمرتزقة السوريين من ليبيا بالمخالفة للقرارات الدولية ذات الصلة، واتفاق وقف إطلاق الدائم الموقع في أكتوبر 2020. ولا شك أن تركيز واشنطن على إخراج المرتزقة الروس لن يتم إلا إذا تم سحب القوات التركية والمرتزقة السوريين، وهو ما تدركه واشنطن جيداً. ولا يزال التقدم المحرز في هذا الملف محدود جداً، فقد أكدت نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية الليبية، في 3 أكتوبر خروج عدد محدود من المرتزقة من بلادها، من دون أن تكشف أعداد المرتزقة المغادرين ولا جنسياتهم ولا موعد خروجهم.

وقد أكدت نجلاء المنقوش أن هناك جهوداً تبذل بهدف "تنظيم أكبر وشامل لخروج المرتزقة"، كما أكدت أن هذا سوف يكون محور تركيز مؤتمر استقرار ليبيا، الذي سيعقد نهاية أكتوبر، لوضع خطة في لجنة (5+5) وفق جدول زمني، وهو ما يؤشر على وجود دعم أمريكي لهذه الجهود، وأن هذا الأمر سوف يكون محور التركيز خلال الفترة القادمة. 

وفي الختام، يمكن القول إن قانون دعم استقرار ليبيا ومجمل التحركات الأمريكية في الملف الليبي يكشفان عن إيلاء واشنطن اهتماماً أكبر للوضع الأمني والعسكري في البلاد، ومحاولة إخراج المرتزقة، ودفع جهود توحيد المؤسسات الأمنية، في ظل مخاوف واشنطن من أن يؤدي الصراع السياسي بين الشرق والغرب، والإخفاق في التوصل لقاعدة دستورية لإجراء الانتخابات إلى تجدد الصراع العسكري من جديد.