انعكاسات مباشرة:

تداعيات الأزمة السياسية على الأداء الحكومي في تونس

23 May 2021


تتصاعد حدة الصغوط تدريجياً على الحكومة التونسية برئاسة هشام المشيشي، حيث دعا حزب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" المعارض المشيشي إلى الاستقالة من منصبه، وطالب الرئيس قيس سعيّد بتنظيم حوار وطني شامل يضم كافة الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في المشهد السياسي الراهن بالبلاد، مع دعوة الرباعي الراعي للحوار الذي تم في عام 2013 إلى دعم الحوار السياسي الوطني، وذلك بهدف حل الأزمة السياسية الراهنة. وتعد تلك الدعوة لإقالة رئيس الحكومة الحالية مؤشراً على ما آلت إليه الأوضاع السياسية المتأزمة في البلاد.

دوافع عديدة:

يمكن تفسير تزايد الدعوات المطالبة بتقديم استقالة الحكومة في ضوء جملة من الأسباب التي تتمثل في:

1- ضغوط جائحة كورونا: تزايدت أعداد المصابين بوباء كورونا في البلاد على نحو غير مسبوق لتصل إلى حوالي 334 ألف مصاب، ولم تنجح الإجراءات الحكومية حتى الآن في وقف التزايد المتسارع لأعداد المصابين في ظل تراجع الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، بسبب عدم قدرة القطاع الصحي على مواجهة هذا الوباء.

2- تدهور الأوضاع الاقتصادية: لم تحقق السياسات التي تبنتها الحكومة لاحتواء تداعيات الأزمة الاقتصادية نتائج إيجابية بارزة، على نحو بدا جلياً في وجود عجز مالي يبلغ حوالي 11,5%، وذلك لأول مرة بنهاية عام 2020، وتراجع إيرادات قطاع السياحة بنسبة 55% تقريباً خلال الشهور الأربعة الأولى للعام الجاري، مع انخفاض الاستثمارات الخارجية الأجنبية المتدفقة خلال الثلاثة أشهر الأولى من السنة الحالية بنسبة 31.6% (وفقاً لإحصائيات الوكالة التونسية للنهوض بالاستثمار الخارجي) حيث بلغ حجم الاستثمارات في شهر مارس الماضي حوالي 126 مليون دولار مقابل 186.5 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي. 

3- تعثر الإجراءات الحكومية: تزايدت الانتقادات الموجهة للأداء الحكومي تجاه ما يواجه البلاد من أزمات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية، وذلك بسبب تعثر الحكومة في إقرار الإجراءات اللازمة لمواجهة أزمة كورونا، وكذلك عزوفها عن إجراء حوار مع الأحزاب والقوى السياسية فيما يتعلق بمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية التي أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية.

4- تزايد الاحتجاجات الشعبية: أدى التعثر الحكومي في احتواء المشكلات المختلفة إلى اتساع نطاق الاستياء الشعبي، وهو ما انعكس في خروج الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتصحيح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وفي مؤشر هام على ذلك، كشف "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" (إحدى المنظمات الحقوقية) عن أن البلاد شهدت 841 احتجاجاً خلال شهر أبريل الماضي، مقارنة بخروح 254 احتجاجاً خلال العام الماضي.

صراع متصاعد:

جاء اتساع نطاق الاستياء الشعبي تجاه تراجع الأداء الحكومي في ظل استمرار ما يعرف بـ "أزمة الرئاسات الثلاث" (الدولة – الحكومة – البرلمان) وزيادة درجة تعقيدها بسبب انحياز مؤسسة البرلمان برئاسة راشد الغنوشي للحكومة ضد الرئيس قيس سعيّد، في إطار الصراع على الصلاحيات بين رئيسي الحكومة والدولة، ومن أبرز المؤشرات الدالة على ذلك:

1- تصاعد الخلافات بين مؤسستى البرلمان والرئاسة حول أزمة تشكيل المحكمة الدستورية، فبعد تصديق البرلمان بأغلبية 147 عضواً على تعديلات قانون المحكمة الدستورية، لم يصادق عليها الرئيس سعيّد حتى الآن، وهو ما يعد مؤشراً على اتجاهه نحو عدم التصديق على ذلك استناداً لنص الدستور بشأن انقضاء الآجال الزمنية المحددة لتصديق البرلمان على التعديلات، ويسانده في ذلك الكتلة الديمقراطية داخل البرلمان (حركة الشعب – التيار الديمقراطي)، وفي هذا السياق تقدم عدد من أعضاء البرلمان بعريضة للطعن على قانون المحكمة الدستورية بسبب وجود "إخلالات جسيمة" من حيث الإجراءات وشكل عرض القانون على الجلسة العامة للبرلمان، وهو ما يعني إسقاط هذا القانون.

2- تفاقم التباينات بين مؤسسة الرئاسة وحركة النهضة، على خلفية الحديث عن وجود اتجاه أو نية لدى الأخيرة للعمل مع حلفائها من أجل تشكيل محكمة دستورية بهدف توظيفها في عملية سحب الثقة من الرئيس سعيّد، وهو ما دفع الأخير لرفض التصديق على تعديلات قانون تشكيل المحكمة الدستورية، وفي هذا الإطار نفت بعض قيادات حركة النهضة ذلك الأمر وأشارت إلى أن قواعدها الشعبية تطالبها بذلك، إلا أن قيادة الحركة ترفض هذه الخطوة في الوقت الراهن رغم تصاعد خلافاتها مع رئيس الدولة الذي أدلى بتصريحات خلال شهر أبريل الماضي بشأن احتكار النهضة للإسلام السياسي وهو ما أثار غضبها.

3- تزايد الانتقادات بين الكتل النيابية داخل البرلمان الحالي، وهو ما يعود بشكل رئيسي إلى عدم قدرة رئيس البرلمان راشد الغنوشي على إدارة وتسيير شئون البرلمان، وعجزه عن تحقيق حالة من التوافق بين الكتل النيابية المكونة للبرلمان، وتتمثل أبرز الخلافات الحالية بين الكتل النيابية المختلفة للبرلمان في تزعم الكتلة النيابية للحزب الدستوري الحر برئاسة عبير موسي للمطالب الخاصة بتقديم لائحة لسحب الثقة من رئيس البرلمان الغنوشي، وقد انعكس انشغال البرلمان بخلافاته على تمرير بعض مشروعات القوانين داخل البرلمان وهو ما أثر سلباً على الأداء الحكومي من جهة، وساهم في تصعيد حدة الأزمة السياسية الراهنة في البلاد من جهة أخرى.

4- دعوة بعض نواب البرلمان للمشيشي بتقديم طلب إلى البرلمان للحصول على تفويض استثنائي لإصدار بعض القوانين لمدة شهرين وفقاً للمادة 70 من الدستور الوطني، وذلك على غرار ما قام به رئيس الحكومة السابقة إلياس الفخفاخ لتمكينه من مواجهة تداعيات أزمة كورونا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، غير أن المشيشي لم يتقدم بطلب رسمي للحصول على ذلك التفويض حتى الآن، وذلك رغم تأييد الحزام البرلماني المكون من حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة في هذا المطلب، كما أن هذا الحزام البرلماني يرفض فكرة تقديم المشيشي لاستقالته في الوقت الحالي، وعبّر عن ذلك رفيق عبدالسلام أحد قيادات حركة النهضة بقوله أن الحكومة مستمرة ولن تقدم استقالتها.

ختاماً، لاتزال الأزمة السياسية الراهنة في تونس قائمة، الأمر الذي انعكس سلباً بشكل واضح على تعاطي الرئاسات الثلاث (الدولة – الحكومة – البرلمان) مع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والصحية ولاسيما أزمة كورونا التي تعاني منها البلاد في الوقت الراهن، وترجح المعطيات الراهنة استمرار تلك الأزمة واتجاهها نحو مزيد من التعقيد خلال الفترة القادمة، بسبب تمسك أطراف الأزمة بمواقفها وعدم استعداد أى منها لتقديم تنازلات تعلي من خلالها المصالح الوطنية للبلاد على حساب الخلافات السياسية القائمة.