انسداد الأُفق:

هل تتجه إسرائيل إلى انتخابات تشريعية خامسة؟

25 April 2021


بعد أن كلَّفه الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين بتشكيل الحكومة الجديدة في 6 أبريل الجاري، يواجه نتنياهو مأزقًا سياسيًا نابعًا من عجزه عن جمع المتناقضات في حكومة واحدة، أو حتى ضم العناصر المنشقة عنه مرة أخرى، بما قد يؤدي إلى فشله في مهمته، واستمرار حالة الجمود السياسي، وربما يدفع إسرائيل إلى انتخابات تشريعية خامسة في عامين.

وضع سياسي مُعقَّد:

كما كان متوقعًا، أسفرت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي أُجريت في 23 مارس الماضي عن استمرار حالة الجمود السياسي واللا يقين المرتبط بعدم قدرة أي حزب على تحقيق أغلبية واضحة تضمن تشكيل حكومة إسرائيلية مستقرة بعد عامين من عدم الاستقرار الحكومي. 

فلم تتمكن الكتلة المؤيدة لنتنياهو أو المعارضة له من تحقيق الغالبية المطلوبة (61 مقعدًا) لتشكيل الحكومة في إسرائيل؛ فقد حصلت كتلة نتنياهو اليمينية التي تضم أحزاب (الليكود - شاش - يهدوت هتوراه - الصهيونية الدينية) على 52 مقعدًا، فيما حصلت كتلة المعارضة بقيادة يائير لابيد -رئيس حزب "يش عتيد"- على 57 مقعدًا، وهي تضم أحزاب (يش عتيد – أزرق أبيض – العمل – يسرائيل بيتنو – أمل جديد – ميرتس). فيما حصل حزب "يمينا" اليميني بقيادة نفتالي بينيت على 7 مقاعد، والقائمة المشتركة على 6 مقاعد، وأخيرًا القائمة العربية الموحدة (رعم) على 4 مقاعد.

وقد سعى نتنياهو خلال الأسبوعين الماضيين لمحاولة اجتذاب الأحزاب اليمينية المنشقة، فاجتمع مع نفتالي بينيت رئيس حزب يمينا في منزله يوم 9 أبريل، وهو الاجتماع الأول من نوعه منذ عشر سنوات بسبب توترات في الماضي. وبعدها في 12 أبريل، أعلن بينيت دعمه لحكومة يمينية بقيادة نتنياهو، لكنه في الوقت ذاته ترك الباب مفتوحًا على ما يبدو أمام الانضمام إلى ائتلاف مضاد لنتنياهو، قائلًا: "أيًا كان الذي سيعمل إلى النهاية لتشكيل حكومة مستقرة سيجد أنني حليف نشط ومبدع". 

لكن حتى مع المقاعد الـ7 التي يشغلها حزب يمينا، لن يحوز الائتلاف اليميني بقيادة نتيناهو سوى على 59 مقعدًا بما يجعله في حاجة إلى مقعدين إضافيين لضمان أغلبية الـ61 مقعدًا لضمان تشكيل الحكومة. لذا تم التفكير في غدعون ساعر -رئيس حزب "أمل جديد" اليميني- لكنه أعلن أكثر من مرة رفضه العمل ضمن ائتلاف بقيادة نتنياهو.

ويدفع ذلك الوضع إلى التفكير في حزب "القائمة العربية الموحدة" الحاصل على أربعة مقاعد والذي أبدى انفتاحه على العمل مع ائتلاف يميني بقيادة نتنياهو، لكن تكمن الأزمة في أن الأحزاب اليمينية المتطرفة في ائتلاف نتنياهو ترفض رفضًا قاطعًا العمل في ائتلاف واحد مع القائمة العربية الموحدة، نظرًا لتباين الأيديولوجيات من ناحية أولى، والاختلاف الصارخ في المواقف السياسية من ناحية ثانية، والاتهامات المتبادلة المستمرة بينهم من ناحية ثالثة.

ومن ثم لن يخاطر نتنياهو بخسارة كتلته اليمينية عبر التحالف مع القائمة العربية الموحدة لضمان تشكيل الحكومة أو حتى من خلال الحصول على دعمها في الكنيست، وهو ما ترفضه الأحزاب اليمينية أيضًا، خاصة أن أي شكل من أشكال التحالف مع العرب يعد بمثابة انتحار سياسي لهذه الأحزاب.

جمود سياسي:

وفقًا للدستور الإسرائيلي، يكون أمام الشخص المفوَّض بتشكيل الحكومة مهلة 28 يومًا (حتى 5 مايو المقبل) ويمكن تمديدها لمدة أسبوعين (حتى 19 مايو)، على الرغم من أن الرئيس غير ملزم دستوريًا بالموافقة على هذا التمديد. وإذا فشل المفوَّض في تشكيل الحكومة، فيمكن للرئيس إما تكليف شخص آخر بمحاولة تشكيل حكومة لمدة متشابهة أو إعادة التفويض مرة أخرى إلى الكنيست، مع إعطاء الهيئة التشريعية 21 يومًا للاتفاق على مرشح يدعمه 61 عضوًا بالكنيست.

وإذا فوض الرئيس شخصًا ثانيًا وفشل هذا الشخص أيضًا في تشكيل الحكومة، يعود التفويض تلقائيًا إلى الكنيست لمدة 21 يومًا. خلال ذلك الوقت، يحق لأي عضو كنيست محاولة تشكيل الحكومة. وإذا لم يتم الاتفاق على أي مرشح في نهاية فترة الـ21 يومًا، يتم حل الكنيست الجديد تلقائيًا وتتجه البلاد إجباريًا إلى انتخابات أخرى.

ويشير الوضع الحالي إلى احتمال فشل نتنياهو في تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة نظرًا للعقبات التي يواجهها، بما قد يدفع إلى تفويض هذه المهمة ليائير لابيد رئيس حزب يش عتيد، لإعطائه الفرصة هو الآخر لمحاولة تشكيل حكومة جديدة تجنبًا للدخول في انتخابات إسرائيلية خامسة.

وقد استغل لابيد المأزق الذي يواجهه نتنياهو ودعا، في 18 أبريل، إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في محاولة لكسر الجمود السياسي المستمر، مؤكدًا أن "هذه الحكومة ستتكون من ثلاثة أحزاب يمينية (يمينا، أمل جديد، وإسرائيل بيتنا)، وحزبين وسطيين (يش عتيد، وأزرق وأبيض) وحزبين يساريين (العمل، وميرتس)"، مشيرًا إلى أنه تحدث مع الجميع وسيواصل عقد الاجتماعات لإحداث التغيير المطلوب.

وفي حالة تفويض لابيد بتشكيل الحكومة، فليس من المتوقع أن ينجح هو الآخر في هذه المهمة، وذلك لعدة أسباب، لعلَّ أبرزها ما يلي:

1- غياب التجانس بين أحزاب الكتلة المعارضة: إذ تضم هذه الكتلة أحزابًا من مختلف الأطياف السياسية والأيديولوجيات الفكرية، وهي تبدو متفقة على هدف واحد هو إزاحة نتنياهو من السلطة، لكن لا توجد في الوقت ذاته أهداف مشتركة تجمعها، مما قد يجعل أي حكومة تشكِّلها، إذا نجحت في ذلك أساسًا، حكومة هشة وغير مستقرة، نظرًا لأنه بمجرد تحقق الهدف المشترك ستبدأ الخلافات بالظهور على السطح بما يضعف التماسك الحكومي.

2- العجز عن تحقيق الغالبية المطلوبة: فبرغم وجود هدف مشترك لأحزاب الكتلة المعارضة، إلا أنه في الوقت ذاته لن يساعد هذا الهدف في تحقيق الغالبية المطلوبة لتشكيل الحكومة؛ فالكتلة المعارضة حاليًا لديها 51 مقعدًا، وليس من المتوقع أن ينضم إليها نفتالي بينيت كما أعلن سابقًا، خاصة أنه يسعى حاليًا هو الآخر لتشكيل حكومة يمينية اتساقًا مع خطه السياسي. ومن ناحية أخرى، هناك أزمة أخرى في ضم الأحزاب العربية لهذه الحكومة، سواء القائمة المشتركة برئاسة أيمن عودة (6 مقاعد) أو القائمة العربية الموحّدة (4 مقاعد) خاصة للتباين الشديد بين الأحزاب اليمينية وحتى اليسارية داخل الكتلة المعارضة وبين الأحزاب العربية. 

3- صعوبة ضم الأحزاب اليمينية: فليس من المتوقع أن ينضم أحد الأحزاب اليمينية المتطرفة في ائتلاف نتنياهو إلى كتلة لابيد اليساري، حتى بافتراض سعي الأخير لضمهم، نظرًا للاختلافات السياسية والأيديولوجية الحادة بينهم وبين الأحزاب اليسارية والوسطية في العديد من الأمور، سواء مستقبل إسرائيل أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو غيرها.

مناورة نتنياهو:

يشير هذا الوضع إلى انسداد الأفق السياسي، وأن الانتخابات الخامسة تبدو مسارًا إجباريًا لإسرائيل، وللخروج من هذا المأزق، تم طرح مبادرة مشروع قانون لانتخاب رئيس الوزراء مباشرة بدلًا من اللجوء لانتخابات خامسة، بما يُمكِّن أي عضو كنيست منتخب من الترشح للمنصب، بشرط أن يقدم 20 توصية من أعضاء الكنيست الحاليين.

وبالطبع، أبدى نتنياهو دعمه وتأييد حزبه الكامل لهذه المبادرة؛ نظرًا لكونها ستحتفظ له بمنصب رئيس الوزراء لعدم وجود منافس قوي في كتلة خصومه، كما سيتمكن المرشح الفائز بالانتخابات المباشرة من تشكيل حكومة في غضون 90 يومًا، وعليه إبلاغ رئيس الكنيست، دون مشاركة رئيس الدولة.

وليس من شك أن هذه المبادرة تهدف قبل كل شيء إلى محاولة إخراج نتنياهو من هذه الأزمة السياسية، وتسهيل تشكيل الحكومة المقبلة عليه، خاصة أن الحكومة الحالية ستنتهي مدتها في نوفمبر 2021. وإذا لم يقم أي شخص بتشكيل حكومة بحلول ذلك الوقت، فمن المتوقع أن يتولى بيني غانتس رئاسة الحكومة لفترة مؤقتة حتى يتم تشكيل ائتلاف مستقر، وفقًا للاتفاق السابق مع غانتس.

وبرغم أن غالبية الأحزاب المعارضة رفضت هذه المبادرة بشكل قاطع، بالإضافة إلى حزب يمينا أيضًا (في الغالب لضمان الحصول على فرصة تشكيل الحكومة أيضًا)، إلا أن احتمالات تمرير هذا المشروع في الكنيست قد تظل محل شك في الفترة المقبلة. 

إذ تشير التقديرات في دوائر نتنياهو إلى أن جميع الأحزاب المعتدلة على اليمين واليسار قد تدعمها إذا فشلت في تشكيل حكومة بديلة، بدافع الرغبة في تجنب انتخابات خامسة مرهقة ومكلفة قد تخاطر بها، للنجاح في الوصول إلى الكنيست المقبل.

لكن من المشكوك فيه ما إذا كانت أحزاب مثل يمينا أو الصهيونية الدينية أو القائمة العربية الموحدة، التي يُنظر إليها على أنها تلعب دور صانعي الملوك، ستسعد بالتخلي عن سلطتها للسماح لنتنياهو بتتويج نفسه بمساعدة قانون جديد. بالإضافة إلى ذلك قد يواجه مشروع القانون أيضًا قائمة من المشاكل القانونية التي قد تمنعه من التقدم؛ بدءًا من حقيقة أن الإجراء يسعى للتأثير على مسار الانتخابات، وانتهاءً بسؤال يتعلق بشرعية بند من شأنه إلغاء ترتيب فردي سابق مع بيني غانتس.

في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن مشكلة عدم انضمام بعض الأحزاب اليمينية مثل "أمل جديد" إلى ائتلاف نتنياهو نابعة من وجود نتنياهو نفسه على رأس هذا الائتلاف، ومن ثم قد يمثل ترشيح شخص جديد، حتى من داخل حزب الليكود، ليرأس الائتلاف اليميني بديلًا لنتنياهو، وهو مقترح يتم الحديث عنه بين السطور، أو حتى من خارج الليكود مثل نفتالي بينيت على سبيل المثال؛ قد يساعد في تشكيل ائتلاف حكومي يميني، يحظى بدعم الليكود، قد ينضم حينها إليه غدعون ساعر رئيس حزب "أمل جديد" والحصول على أغلبية مريحة (65 صوتًا) في الكنيست.

لكن انطلاقًا من الواقع الحالي، وفي ظل تشبث نتنياهو بالسلطة بهذه الطريقة من خلال المبادرة الأخيرة لانتخاب رئيس الوزراء شخصيًا، يبدو أن حالة الجمود السياسي ستستمر، ما من شأنه أن يؤدي إلى السيناريو الذي يحاول الجميع تجنبه وهو إجراء انتخابات برلمانية خامسة لعلَّها تغير من الأوضاع في شيء، أو على الأقل تعمل على تغيير الأوزان النسبية للأحزاب بما يتيح إمكانية تشكيل حكومة مستقرة، وهو أمر غير متوقع نظرًا لعدم تغير شيء على أرض الواقع، فضلًا عن تكرار هذه التجربة في 4 انتخابات سابقة دون حدوث تغيير. ومن ثمَّ ليس من المرجح أن تقدِّم الانتخابات الخامسة، حتى إذا تم إجراؤها، حلًا للأزمة السياسية في إسرائيل.