دعم الاستقرار:

كيف أثر تشكيل الحكومة على قطاع النفط الليبي؟

13 April 2021


رفع تشكيل حكومة وطنية ليبية، في 10 مارس الماضي، من آفاق انتعاش قطاع النفط في الفترة الماضية، حيث من المرجح أن يساهم ذلك في إنهاء الانقسامات السياسية التي شهدتها الساحة الليبية منذ عدة سنوات، وبما سوف يعزز من زيادة إنتاج النفط الخام في المستقبل القريب. وأعقب تشكيل الحكومة الجديدة الاتفاق على الإفراج عن عائدات النفط وتحويلها إلى مصرف ليبيا المركزي بعد حجبها لعدة أشهر، إلى جانب تخصيص الميزانية أموالاً لصالح إعادة تأهيل وصيانة الحقول المتقادمة والبنية التحتية التي تأثرت بفعل الاضطرابات السياسية في السنوات الماضية. وكل ذلك من شأنه أن يدعم استقرار قطاع النفط ويعود بالإيجاب على الاقتصاد الليبي بشكل عام. 

تحول مهم:

حازت الحكومة الجديدة التي شُكِّلت برئاسة عبد الحميد دبيبة على ثقة البرلمان، في 10 مارس الفائت، وحظيت بدعم واضح من مختلف الأطراف المحلية والدولية، وهى أول حكومة وحدة وطنية تشهدها البلاد عقب الانقسامات السياسية التي عاشتها منذ أكثر من عشر سنوات، وعلى نحو زاد من آمال انتعاش قطاع النفط الذي تدهورت إنتاجيته بسبب الأزمة السياسية والصراع المسلح. 

وتم تعيين محمد عون وزيراً للنفط والغاز في الحكومة الجديدة، وهو منصب ظل شاغراً لعدة سنوات، وهو أول تغيير ملموس يشهده قطاع النفط مؤخراً، في خطوة تستهدف أن يحظى القطاع باهتمام من قبل الأطراف السياسية في البلاد، هذا بالإضافة إلى تعزيز تنسيق السياسات النفطية مع مؤسسة النفط الوطنية، التي سيطرت على عمليات التنقيب وإنتاج النفط في السنوات الماضية. 

ولكن على أية حال، يدعم تشكيل الحكومة الموحدة استقرار صناعة النفط، ويساهم في تقليل المخاطر الجيوسياسية التي أحاطت بها في السنوات الأخيرة وشملت قيام الميليشيات المسلحة بمحاولات متكررة لإغلاق الموانئ والحقول والمصافي، في الوقت الذي سيمهد لتنفيذ الاتفاق الذي أبرم بين قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ونائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق بحكومة الوفاق أحمد معيتيق حول استئناف إنتاج النفط من الحقول، وتقاسم العائدات النفطية. 

تطورات إيجابية:

شهدت إدارة صناعة النفط الليبية تطورات إيجابية عديدة عقب تشكيل الحكومة الجديدة، يتمثل أبرزها في رفع المؤسسة الوطنية للنفط التجميد عن عوائد النفط، التي كان يتم تحويلها إلى مصرف ليبيا الخارجي بدلاً من إيداعها في مصرف ليبيا المركزي وتحويلها للحكومة الليبية. وقد أبدت مؤسسة النفط مخاوفها، في الأشهر الماضية، من تحويل عائدات النفط لمصرف ليبيا المركزي بسبب القلق من توزيع عائدات النفط بشكل غير شفاف ولا يراعي احتياجات الشعب الليبي. 

فضلاً عن ذلك، فقد خصصت الحكومة الجديدة من ميزانيتها نحو 1.6 مليار دولار لمؤسسة النفط من أجل إعادة تطوير حقول النفط في حوضى سرت وسط البلاد وغدامس في الغرب، بالإضافة إلى إعادة تأهيل البنية التحتية التي تضررت في السنوات الأخيرة بسبب نقص الصيانة والصراع العسكري في البلاد. 

ومن دون شك، سوف تمثل الأموال السابقة داعماً كبيراً لتطوير قطاع النفط وستساعد في تحقيق أهداف مؤسسة النفط لزيادة الإنتاج إلى 1.45 مليون برميل يومياً بحلول نهاية عام 2021، ثم إلى 1.6 مليون برميل يومياً في غضون عامين، وإلى 2.1 مليون برميل يومياً خلال أربع سنوات، وذلك حسبما صرح رئيس مجلس الإدارة مصطفى صنع الله في تصريح سابق. 

معضلات قائمة:

على الرغم من المناخ الإيجابي الذي يشهده قطاع النفط، إلا أن بعض المؤسسات الدولية ترى أن ثمة تهديدات قد تواجهه في الأمدين المتوسط والطويل. يتمثل أولها، في استمرار حالة الانقسام العسكري في البلاد، حيث توجد ميليشيات مسلحة منقسمة بين شرق وغرب البلاد، على نحو قد يثير خطر تجدد الصراع على موارد النفط، ما لم تتجه البلاد نحو توحيد قواها العسكرية في الفترة المقبلة بدعم من الحكومة الجديدة.

ويتعلق ثانيها، بانقسام القوى النفطية في البلاد، فبحسب تقرير أخير للأمم المتحدة، فإن المؤسسة الوطنية في طرابلس لا تزال تواجه تحدياً مع بقاء أنشطة مؤسسة النفط الوطنية الشرقية ومقرها بنغازي بقيادة المبروك سلطان، على نحو قد يساهم في تصاعد حدة التنافس للسيطرة على موارد النفط، وتصدير النفط الخام. 

وينصرف ثالثها، إلى ضعف التنسيق بين مؤسسة النفط وزارة النفط المستحدثة، وقد تصاعدت حدة التوتر بينهما في الفترة الأخيرة بعد رفض الوزارة الاستمرار في إنشاء مشروع طبي في مدينة بنغازي بشرق البلاد تشرف عليه شركة "الخليج العربي للنفط" التابعة للمؤسسة، حيث فضلت الأولى تأجيل العمل بالمشروع لحين الإلمام به، وهى خطوة اعتبرها مراقبون بداية الخلاف بين الوزارة الجديدة والمؤسسة. 

ويرتبط رابعها، باستمرار قيود تمويل مشاريع تطوير الحقول النفطية، أو تلبية مطالب حراس المنشآت بزيادة أجورهم أو عدم تأخيرها، وهى مشكلة تكررت في السنوات الماضية على نحو دفع أفراد أمن الحقول إلى إغلاق الأخيرة. وفي هذا الصدد، لوّح عناصر جهاز حرس المنشآت النفطية في حقل الشرارة النفطي، أكبر حقول إنتاج النفط في ليبيا، بإيقاف تصدير النفط في كافة الحقول والموانئ بالبلاد بسبب إيقاف وتأخير مرتباتهم، على نحو قد يتسبب في اضطراب الإنتاج بشدة في حالة ما إذا نفذوا تهديدهم.

ختاماً، يمكن القول إن الحكومة الوطنية الجديدة التى جرى تشكيلها في مارس الماضي تعد متغيراً رئيسياً في إرساء استقرار قطاع النفط في الفترة المقبلة، ولكن ذلك يتطلب العمل على توحيد المؤسسات الاقتصادية والقوى المسلحة في البلاد في الأمدين المتوسط والطويل.