قيادة التغيير:

عدد جديد من دراسات المستقبل عن القيادة في "عالم كورونا"

27 March 2021



يصدر "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة" في أبو ظبي، دراسة بعنوان "أدوار صاعدة لقيادة التغيير المؤسسي في العالم" للدكتورة صدفة محمد محمود؛ الباحثة المتخصصة في العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وذلك في مارس 2021. 

وتسعى الدراسة للإجابة على التساؤل المهم المتعلق بأساليب تكيف المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والخاصة مع الواقع الجديد الذي أفرزته جائحة كورونا، وما ارتبط بذلك من حتميات التغيير المؤسسي في الأنشطة والعمليات وأداء المهام والدور المركزي للقيادة في إطاره، إذ أصبحت غالبية المؤسسات والشركات الكبرى أكثر إدراكاً لضرورة إجراء تغييرات مستمرة داخلها، من أجل التكيف مع التطورات المتلاحقة في البيئة الخارجية.

دوافع "إعادة هندسة" المؤسسات: 

تشير الباحثة إلى أنه على مدار العقود القليلة الماضية، بذلت العديد من المؤسسات حول العالم، جهوداً حثيثة من أجل إعادة تشكيل نفسها، في ظل عالم شديد التغير والتحول، وانخرطت في مبادرات التغيير، سواء كانت المؤسسات الكبيرة أو الصغيرة، وبمختلف أنواعها، وتنوعت الشعارات المرتبطة بتلك الجهود، ومنها إدارة الجودة الشاملة، إعادة الهندسة، إعادة الهيكلة، والتحول التنظيمي.

وأوضحت الدكتورة صدفة، أنه بغض النظر عن تلك المسميات المتعددة، فقد كان الهدف الرئيسي لمختلف المؤسسات هو إجراء تغييرات جوهرية على أساليب أداء الأعمال والأنشطة، سعياً إلى تعزيز قدرتها على التعامل مع بيئة عمل جديدة أكثر تحدياً وتنافسية، وفي ضوء هذا فقد كشفت بعض الأبحاث عن أن 70% من جهود التغيير المؤسسي فشلت في تحقيق الأهداف المرجوة منها بسبب عدم فاعلية قيادة التغيير داخل المؤسسات.

ولذا فإنه في إطار تسارع وتيرة العولمة، وإلغاء القيوم، والتطور التكنولوجي المتسارع، والمنافسة الشديدة، لم يعد النمط التقليدي للقيادة، القائم على الهرمية والسيطرة المركزية، هو النمط الأكثر ملائمة، إذ أصبحت المؤسسات في حاجة ماسّة لتبني أنماط ونماذج إدارية فعالة تكون قادرة على تحقيق التغيير المنشود.

القيادة وإدارة التغيير داخل المؤسسات:

تركز الدراسة بشكل تفصيلي على الاتجاهات النظرية في دراسة القيادة وإدارة التغيير، ثم تستعرض سمات وأنماط قيادة التغيير في العالم، والمراحل الرئيسية لقيادة التغيير الفعال، كذلك تركز الدراسة على دوافع وعوائد قيادة التغيير داخل المؤسسات إلى جانب توضيح أبرز التحديات الرئيسية لقيادة التغيير.

كما توضح الدراسة أبرز آليات مواجهة تحديات التغيير المؤسسي عبر تسليط الضوء على العوامل المحددة لنجاح قيادة التغيير، وكيفية التعامل مع مقاومة التغيير، وذلك عبر تحديد العوامل المرتبطة بنجاح قيادة التغيير، وكيفية التعامل مع أي مقاومة للتغير داخل المؤسسات المختلفة.

تصاعد أدوار القيادات في التغيير المؤسسي:

تبرز الدراسة كون تصاعد أدوار القيادات في عمليات التغيير المؤسسي يأتي في خضم اتجاهات التغير المتواصل والتنافسية والتعقيد وعدم اليقين حول المستقبل وهو ما أدى لظهور جيل جديد من القيادات يعتمد على الابتكار والتطوير وإعادة هندسة المؤسسات، وتفكيك البيروقراطية، والإنجاز، والربحية.

وفي ظل هذه السياقات شديدة التعقيد، تتصدر القيادات عمليات إدارة التغيير والابتكار في المؤسسات لتتكيف مع حتميات واقع جديد تغلب عليه التغيرات الفجائية الخاطفة في السياقات المحيطة وتحولات تفضيلات العملاء وضغوط التنافسية الشرسة والأزمات المالية والاقتصادية والصحية المتتابعة التي تضغط على القدرة الاستيعابية للمؤسسات وتضيق من نطاقات البدائل المتاحة أمامها وتجعل حسابات التكلفة والعائد المنطقية شديدة الصعوبة إن لم تكن مستحيلة ناهيك عن تعثر تنفيذ المهام المختلفة.

وتتولى القيادة عملية تفكيك الهياكل المؤسسية المتصدعة وطرح استراتيجيات غير تقليدية ورؤى محفزة للعاملين للتحرك للإمام تستهدف إلهامهم بحيوية التغيير لمستقبل المؤسسة وعوائده المباشرة عليهم. كما يُجبر المنتمين للمؤسسة على الإبداع والابتكار والمبادرة والعمل بأقصى طاقة لتنفيذ الغايات الأساسية المتوافق عليها.

ولا تقتصر أدوار القيادة على إصدار الأوامر والقيادة بالسلطة، وإنما تكون القيادة "بالنموذج"، بحيث يكون القائد في قلب المؤسسة يشارك بعزم في كافة مراحل دورة العمل بداية من طرح الأفكار والمبادرات مروراً بالتنفيذ والإنتاج وانتهاء بالترويج والتسويق وتقييم رضاء العملاء عن المؤسسة.

وتوضح الدراسة المراحل الرئيسية لقيادة التغيير، إذ أن التغيير لا يحدث من تلقاء نفسه، فالقادة الناجحون عليهم التعامل بكفاءة وفاعلية مع المراحل المختلفة لعملية التغيير، والتي تبدأ بالشروع في التغيير، وصولاً إلى وضع الاستراتيجيات المناسبة؛ والتي تتضمن الأولويات والجداول الزمنية والمهام والهياكل والسلوكيات والموارد والأهداف المرجوة جنباً إلى جنب مع تحديد الغرض من التغيير ونطاقه، ثم تأتي المرحلة التالية وهي مرحلة التنفيذ.

ومن شأن قيام القيادة بدفع المؤسسات إلى الاستجابة الفعالة للتغيرات المتلاحقة أن تحقق العديد من المكاسب، والتي تأتي على رأسها البقاء والاستدامة عبر الحفاظ على أنشطة المؤسسة، علاوة على تعزيز القدرة على الاستجابة للاتجاهات الحالية والمستقبلية في بيئة العمل، جنباً إلى جنب مع تعظيم الاستفادة من إمكانات الموظفين.

مواجهة الأخطاء الشائعة في قيادة التغيير:

تلقي الدراسة الضوء على الأخطاء الشائعة في قيادة عملية التغيير، والتي يأتي على رأسها عدم ترسيخ شعور قوي بما فيه الكفاية للتغيير داخل المؤسسة، أو غياب التحالف القوي الداعم للتغيير، إذ لا يمكن لأي قائد تحقيق التغيير المنشود بمفرده، كذلك فإن أحد الأخطاء تتعلق بغياب الرؤية الشاملة الموجهة للتغيير، إلى جانب عدم إيصال الرؤية الاستراتيجية لكافة العاملين بالمؤسسة..

كذلك فإن عدم إزالة العقبات أمام الرؤية الجديدة تعوق عملية التغيير، إلى جانب الخطأ المرتبط بضعف التخطيط المنتظم للإنجازات قصيرة الأجل، حيث يستغرق التغيير الحقيقي وقتاً، ويمكن أن يفقد التغيير زخمه إذا لم تكن هناك أهداف قصيرة الأجل يمكن تحقيقها، وفي ذات السياق، فإن أحد أبرز الأخطاء الشائعة هو ما يتعلق بالتسرع في إعلان النصر أي ميل المديرين لإعلان نجاح عملية التغيير قور حدوث أول تحسن واضح في الأداء أو تقدم ملموس في عمل المؤسسة، وأخيراً، فإن هناك تداعيات سلبية لعدم تعميق التغييرات داخل ثقافة المؤسسة.

وختاماً، وبحسب الدراسة، فإن جائحة كورونا قد حفزت تطوير مناهج جديدة وغير تقليدية لمواجهة التحولات الضاغطة والارتدادات واسعة النطاق للجائحة، وهو ما جعلها بمثابة "نافذة فرص"، حقيقية لتحقيق تغييرات هيكلية داخل المؤسسات.

وقد قامت بكتابة الدراسة د. صدفة محمد محمود، وهي خبير متخصص في العلاقات الدولية ولديها العديد من المؤلفات المنشورة والدراسات المحكمة في الدوريات المتخصصة بالإضافة لما حققته من خبرات نتجت عن انخراطها الممتد في العمل الأكاديمي والبحثي.