تكلفة التدخل:

أسباب تزايد دور المعارضة في الداخل التركي

06 January 2021


نجحت المعارضة التركية في تعزيز شعبيتها على الساحة الداخلية، على نحو اتضح في استطلاع الرأى الذي أجرته مؤسسة "سونار" للأبحاث واستطلاعات الرأى (خلال الفترة من 1 نوفمبر إلى 27 ديسمبر 2020)، والذي كشف عن تزايد شعبية رؤساء البلديات المحسوبين على حزب الشعب الجمهوري، حيث جاء في المركز الأول رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو، بينما احتل رئيس بلدية أزميرونج سوير (حزب الشعب الجمهوري) المرتبة الثالثة، وفي المركز الخامس رئيس بلدية أسكي شَهِرْ يلماز بيوك، بينما جاء في المركزين الثاني والرابع رئيسا بلديتين ينتميان لحزب العدالة والتنمية.

وفي السياق نفسه، كشف استطلاع رأى أجراه مركز "أوراسيا" لاستطلاعات الرأى، خلال ديسمبر 2020، عن استمرار تراجع تأييد الأتراك لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث حصل حزب العدالة والتنمية على نسبة تأييد 33.3% من المشاركين، أما الحركة القومية فحصلت على 10%، وبالتالي حظيت كتلة تحالف الشعب (الذي يضم الحزبين السابقين) بتأييد 43%، بينما حصلت المعارضة على تأييد بنسبة 46% مجتمعة، حيث بلغت نسبة حزب الشعب الجمهوري 26.6%، وحزب الخير 13.5%، والمستقبل 2.5%، والديمقراطية والتقدم 2.8%، والسعادة 0.63%.

ومع إدراك الحكومة لتصاعد دور المعارضة داخلياً، بدأت باتخاذ عدة إجراءات لاحتواء تنامي ذلك الدور، تمثل أبرزها في الاتجاه نحو إجراء تغييرات في هيكل الحزب وسياساته، في محاولة لاستعادة شعبيته قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة المقررة في عام 2023، وتزامن ذلك مع تغييرات في فريق الحكم تضمنت التخلي عن برات البيراق صهر الرئيس في نوفمبر 2020، فضلاً عن إقالة محافظ البنك المركزي مراد أويصال (بعد 16 شهراً من تعيينه) في الشهر نفسه.

دوافع مختلفة:

يمكن تفسير تزايد دور وتأثيرالمعارضة في الداخل التركي في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في التالي:

1- تداعيات التدخلات العسكرية في الخارج: ترى المعارضة أن التدخلات العسكرية في الخارج أدت إلي توتر علاقات أنقرة مع العديد مع الدول، أبرزها بعض دول منطقة الشرق الأوسط، والذي وصفته المعارضة بأنه ساهم في عزل أنقرة عن محيطها الإقليمي. وأشار العديد من المعارضين إلي أن الإنفاق على تلك التدخلات انعكس سلباً على الداخل التركي.

2- الفشل في إدارة العلاقات مع الدول الغربية: خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، حيث شاب العلاقات مع الاخيرة توتر متصاعد في النصف الثاني من عام 2020 على خلفية تدخل أنقرة في ليبيا وشرق المتوسط وملفات أخرى مثل التدخل في أفريقيا، إضافة إلي تسليط المعارضة الضوء على تراجع العلاقات الأمريكية- التركية وهو ما انعكس في فرض عقوبات على إدارة الصناعات الدفاعية في تركيا بموجب قانون "كاتسا" في ديسمبر 2020، والتحسب من اتجاه العلاقات مع إدارة جو بايدن الجديدة، ويتضمن ذلك أيضاً تراجع العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي التي اتجهت بدورها لفرض عقوبات على أنقرة في عام 2020.

3- الإجراءات القمعية: وهو ما يعتبر من أهم المرتكزات التي تعزز دوافع المعارضة للهجوم على نهج الحكومة، ومن أبرز ملامح ذلك استهداف حركة فتح الله غولن والأكراد ممثلين في حزب الشعوب الديمقراطي، حيث تبرر السلطات دائماً استهدافهم باتهامهم بأنهم جماعات إرهابية ترمي إلي زعزعة استقرار الدولة، فضلاً عن التضييق على بعض الأحزاب ومن أبرزها حزب الشعب الجمهوري والأحزاب الجديدة برئاسة مسئولين أتراك سابقين، مثل حزب المستقبل (الذي يرأسه رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو) و حزب الديمقراطية والتقدم (الذي يرأسه وزير الاقتصاد السابق على باباجان).

4- تردي الأوضاع الاقتصادية: تواجه أنقرة منذ عام 2018 تراجعاً ملموساً في اقتصادها، ويزيد من حدة ذلك التراجع عدم قدرة الحكومة على احتواءه. وفي هذا الإطار دائماً يبرز إعلام المعارضة ومسئوليها المؤشرات الدالة على ذلك التراجع، والتي من أبرزها تراجع قيمة الليرة مقابل الدولار، فضلاً عن تزايد معدلات مثل التضخم والبطالة، مع التركيز على أزمة الدين العام، وهو ما أشارت إليه صحيفة "زمان" المعارضة بأن ديون تركيا الخارجية ارتفعت إلى 1.9 تريليون ليرة خلال 18 عاماً من حكم العدالة والتنمية وذلك بعدما كانت تقدر بـ243 مليار ليرة فقط عام 2002 (الذي تولي فيه الحزب حكم تركيا)، كما تربط المعارضة في بعض الأحيان تراجع الوضع الاقتصادي بإهدار المال العام من قبل الحكومة.

وتنتقد المعارضة أيضاً الانكشاف الخارجي لتركيا، وهو ما أدى بدوره إلي تفاقم العجز التجاري، والذي أبرزته جائحة كورونا، حيث ارتفع بنسبة 76.2% إلى 40.27 مليار دولار في أول 10 أشهر من عام 2020، وارتفع بنحو 34% مقارنة بالفترة نفسها في عام 2019 (وفق معهد الإحصاء التركي في نوفمبر 2020).

ويُشار أيضاً إلى أن تردي الوضع الاقتصادي انعكس بشكل مباشر على المواطن التركي، وهو ما بدا جلياً مؤخراً في استياء الاتحاد العام للنقابات وأحزاب المعارضة بسبب قرار تحديد الحد الأدنى للأجور بالبرلمان، والذي حُدد في ميزانية الدولة لعام 2021 بنحو 2.825 ليرة، بينما كانت قد تمت المطالبة برفعه إلى أكثر من 3 آلاف ليرة، ويتزامن ذلك مع قرارات بزيادة أسعار الوقود والغاز الطبيعي وبعض المنتجات الأخرى الاستراتيجية مثل الخبز، وفي هذا السياق ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في تركيا بشكل مضطرد خلال عام 2020.

ختاماً، من الواضح أن المعارضة سيكون لها دور كبير في تقليص شعبية حكومة أردوغان التي انتهجت سياسة داخلية وخارجية أدت إلى تعرض تركيا لضغوط دولية وإقليمية غير مسبوقة بدأت تنتج انعكاسات سلبية على الداخل التركي، لاسيما فيما يتعلق بتفاقم حدة الأزمة الاقتصادية