تحدي "التعافي":

هل تحفز الصين الولايات المتحدة على تفادي الانحدار؟

14 December 2020


عرض: عبدالمجيد أبو العلا - باحث مساعد – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

يستعد الرئيس الأمريكي المنتخب "جو بايدن" لأداء اليمين الدستورية في ظل وضع يصفه الكثيرون بأنه يتدهور، فبالإضافة إلى استمرار المشكلات التي دفعت الرئيس "دونالد ترامب" نحو السلطة، مثل انهيار الطبقة الوسطى والانقسامات الداخلية؛ سيرث الرئيس للمنتخب "جو بايدن" عن "ترامب" أيضًا مشكلات جديدة، مثل: تعثر الاقتصاد، وتنامي الديون، وأزمة الديمقراطية، وتراجع صورة ومكانة الولايات المتحدة عالميًّا، ناهيك عن أزمة فيروس كورونا وتداعياتها.

في هذا السياق، نشر موقع مجلة "الشؤون الخارجية" مقالًا بعنوان "كيف تساعد الصين الولايات المتحدة على تفادي الانحدار"، حول الدور الذي يمكن أن يلعبه التحدي الصيني في مساعدة الولايات المتحدة على تفادي الانحدار وتراجع القوة والنفوذ الأمريكي. ولطالما وظف الساسة الأمريكيون القلق من الانحدار والتراجع من أجل تعزيز القوة الأمريكية خارجيًّا، وإجراء إصلاحات مجتمعية وسياسية داخليًّا.

تاريخ التراجع الأمريكي

بدأت الموجة الأولى من التراجع الأمريكي خلال فترة "الكساد الكبير" في ثلاثينيات القرن المنصرم، حيث أثارت الكارثة الاقتصادية الشكوك الأمريكية بشأن نظام الحكم في الولايات المتحدة، حتى أطلق الرئيس الأمريكي "فرانكلين روزفلت" برامج الصفقة الجديدة لإعادة تشكيل الاقتصاد الأمريكي.

ثم جاءت الموجة الثانية عام 1957 عندما أطلق الاتحاد السوفيتي قمره الصناعي سبوتنيك، فكان الرد الأمريكي عبر بناء مؤسسات مدعومة اتحاديًّا للبحث والتعليم حققت الريادة التكنولوجية الأمريكية في العالم لعقود.

وقد بلغ الانحدار ذروته في موجة ثالثة طويلة في الستينيات والسبعينيات، حينما ضربت الولايات المتحدة الاضطرابات الاجتماعية والاغتيالات السياسية والركود التضخمي وانهيار "بريتون وودز"، بالإضافة إلى محاكمة الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون". إلا أن واشنطن استطاعات أن توظف كل ذلك في مسيرة التكيف والتجديد، حيث دفعت الاضطرابات الاجتماعية نحو إصلاحات الحقوق المدنية، وأعادت إجراءات العزل التأكيد على سيادة القانون، وأدى انهيار "بريتون وودز" إلى هيمنة الدولار في نهاية المطاف.

أما الموجة الرابعة فقد كانت في الثمانينيات وأوائل التسعينيات، حيث اتسمت بالعجز التجاري وتزايد عدم المساواة، وقد عملت الولايات المتحدة على تسخير الثورة التكنولوجية لصالحها، وبدت كقوة عظمى منقطعة النظير.

وتمر الولايات المتحدة الآن بموجتها الخامسة من التراجع، وهي الموجة التي بدأت مع الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وتسارعت خلال فترة رئاسة "دونالد ترامب"، حيث يجادل المحلل الاقتصادي الأمريكي "نوح سميث" بأن واشنطن ستشبه دولة نامية في غضون بضعة عقود حال غياب الإصلاح المحلي، حيث تعاني من عدم المساواة الاقتصادية، والفجوة بين المناطق الحضرية والريفية، والانقسام المحلي.

إرادة التعافي

يتسم التاريخ الأمريكي بظاهرة القلق من التراجع، ولكن بشكل مختلف عن الأوروبيين، فبينما كان الأوروبيون -في كثير من الأحيان- يرثون إمبراطورياتهم المفقودة، وظف الأمريكيون –ومنهم هنري كسينجر- الشك الذاتي وتوقعات الانحدار كعامل محفز لإعادة الابتكار وإطلاق الطاقات الأمريكية.

تمتلك الولايات المتحدة مقومات تساعدها على تجنب الانحدار، مثل: الهيمنة المالية، والقدرات الابتكارية، ووفرة الموارد، وشباب السكان. وهو ما يعني أن واشنطن قادرة على التصحيح الذاتي إذا توفرت الإرادة. فبعيدًا عن الاستقطاب السياسي بين الحزبين (الديمقراطي والجمهوري)، والمعارضة التي يمكن أن يواجهها الرئيس الجديد من مجلس الشيوخ المتوقع أن يكون ذا أغلبية جمهورية، هناك مساحة أخرى يمكن أن تمثل مساحة مشتركة بين الطرفين وهي إرادة مواجهة التحدي الصيني.

التحدي الصيني كمحفز للتعافي

رغم أن الصين تمثل تحديًا للولايات المتحدة؛ إلا أن الأخيرة تمتلك بعض المزايا على الأولى. حيث تشهد بكين شيخوخة سريعة في عدد السكان، وتباطؤا في النمو، ولا تزال عملتها بعيدة عن منافسة الدولار الأمريكي. فعلى مدى أربعة عقود من الصعود الصيني احتفظت واشنطن بربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وتتطلب مواجهة التحدي الصيني الاقتصادي والتكنولوجي إعادة الاستثمار في التنافسية الأمريكية والابتكار، وهو ما يُعتبر أيضًا أمرًا ضروريًا للتجديد المحلي وازدهار الطبقة العاملة. ولذلك يجب على صانعي السياسة ربط الأجندتين لتوضيح أن إنجاز المهام المحلية الأكثر أهمية في البلاد سيكون له أيضًا آثار مفيدة في الخارج.

ويشير المقال إلى الارتباط بين التحدي الصيني ووحدة الأمريكيين، فكلما أصبحت بكين أكثر حزمًا وقمعًا، زاد احتمال توحد الأمريكيين والكونجرس حول مخاطر سياسات الصين على العمال والشركات الأمريكية. ولذا فإن وضع أجندة أمريكية للتحديث ليس أجندة محلية فقط، بل يأتي كجزء من جهد أوسع للحفاظ على القدرة التنافسية لواشنطن مقارنة بالصين، وهو ما يحظى بدعم الحزبين معًا. 

يتطلب النجاح في المنافسة مع الصين الحد من الانقسام السياسي، حيث ينصح الباحث بمعهد بروكينجز "توم رايت" الجمهوريين في مجلس الشيوخ بسؤال أنفسهم عما إذا كانت الولايات المتحدة تستطيع تحمل سنتين أو أربع سنوات من الركود التشريعي في ظل التنافس الصيني الأمريكي.

ومن أجل مواجهة الممارسات الاقتصادية الصينية وحماية الوظائف الأمريكية، يقترح المقال إنشاء الحكومة الفيدرالية مكتبًا يمكنه دمج المعلومات حول القدرة الصناعية، وسلاسل التوريد، والاختناقات الاقتصادية، والاعتماد على الواردات، للمساعدة في مواجهة الحرب التجارية.

كما يقترح الكاتب إعادة التفكير في العلاقة بين الدولة والسوق، حيث يعترف عديد من الشخصيات في كلا الحزبين الآن بأن قوى السوق وحدها لا يمكنها وقف عدم المساواة، أو الحفاظ على النمو، أو ضمان القدرة التنافسية ضد الشركات الصينية الرائدة.

وسياسيًا، يجب على الولايات المتحدة أيضًا إعادة بناء التضامن والهوية المدنية، وتعزيز الديمقراطية، والتأكيد على القومية الليبرالية المشتركة، حيث تساهم تلك الأمور في تعزيز السمعة والمكانة الأمريكية في العالم، وتعطيها مزايا اقتصادية، وتعزز من فرصها في جذب الاستثمارات. بالإضافة إلى أهمية تلك الأمور أيضًا في تلافي التراجع الأمريكي والانقسام المحلي.

إجمالًا، يمثل التحدي الصيني فرصة للرئيس الأمريكي المنتخب "جو بايدن" نحو إجراء بعض الإصلاحات التي تنقذ الولايات المتحدة من التدهور والانحدار. وقد يجمع هذا التحدي بين الديمقراطيين والجمهوريين في مساحة مشتركة من أجل مواجهته بما يصب في النهاية في صالح واشنطن، ويعزز من قوتها، حيث تحتاج بشدة إلى مجموعة من الإصلاحات التي تصب في إطار التحديث الداخلي والتنافس الخارجي، وهو أمر اعتادت عليه الولايات المتحدة خلال فترات التراجع السابقة تاريخيًا التي خرجت منها أقوى مما كانت.

المصدر

Kurt M. Campbell and Rush Doshi, The China Challenge Can Help America Avert Decline, Foreign Affairs, December 3, 2020.