انتعاش مؤقت:

ماذا يعني فوز "بايدن" لأسواق النفط العالمية؟

12 November 2020


يُعزز فوز الديمقراطي "جو بايدن" بالانتخابات الرئاسية الأمريكية من فرص انتعاش أسواق النفط العالمية في الأمد القصير. فإلى جانب الدعم المعنوي الموجه للأسواق كما لوحظ، فمن المرجح أن تعرض إدارة "بايدن" خطة جديدة لتحفيز الاقتصاد الأمريكي من شأنها أن تدعم مستويات الطلب بالسوق المحلية. وعلاوة على ما سبق، ستتجه الإدارة، وفق الترجيحات، إلى إعادة ترميم العلاقات التجارية مع الشركاء الاقتصاديين للولايات المتحدة، مما سيعمل على تحفيز الطلب العالمي على الخام. لكن في الأمد المتوسط يتبنى "بايدن" توجهات من شأنها أن تزيد من الضغوط الواقعة على سوق النفط الهش، لعل أبرزها التوسع في استخدام مصادر الطاقة النظيفة بالولايات المتحدة، وهذا ما سيكون عاملًا محفزًا لخطط مماثلة في بلدان أخرى، بالإضافة إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران وفنزويلا، والتي ستسمح بدورها بضخ ملايين براميل النفط للأسواق الدولية مجددًا.

متغيرات جديدة:

تفرض توجهات "بايدن" بشأن القضايا على الساحة الداخلية والخارجية ديناميّة جديدة بالنسبة لأسواق النفط العالمية في الأجلين القصير والمتوسط، وفيما يلي أبرز هذه التوجهات:

1- أولوية الطاقة النظيفة: يسلك "جو بايدن" نهجًا مختلفًا تمامًا عن سلفه "دونالد ترامب" في التعامل مع قضايا البيئة ومكافحة التغير المناخي، ويسعى الأول للحد من الانبعاثات الكربونية عبر التوسع في مصادر الطاقة النظيفة، وذلك بعكس "ترامب" الذي يؤيد بشدة مصادر الوقود الأحفوري. وتعهد "بايدن"، وفق برنامجه الانتخابي، بضخ نحو 400 مليار دولار دولار في مجال ابتكار واستثمار الطاقة النظيفة على مدى السنوات العشر القادمة كجزء من خطة مناخية شاملة بقيمة 1.7 تريليون دولار للحد من الانبعاثات الكربونية، وتشمل هذه الخطة تقديم حوافز للسيارات الكهربائية والاستثمار في البنية التحتية للشحن وغيرها من الإجراءات.

2- تقييد صناعة الوقود الأحفوري: ورغم التوجه نحو دعم مصادر الطاقة النظيفة، أكد "بايدن" في مناسبات مختلفة على هامش حملته الانتخابية أنه لن يستبعد بأية حال الوقود الأحفوري أو يحظر التكسير الهيدروليكي (إحدى التقنيات الرئيسية في استخراج النفط والغاز الصخري)، معتبرًا أن التحول تجاه مصادر الوقود النظيفة عملية تدريجية تمتد لفترة طويلة.

وعلاوةً على السابق، لا يرغب "بايدن" -فيما يبدو- في أن يخسر دعم مجتمع أعمال صناعة النفط والغاز بالولايات المتحدة، أو أن يتسبب في تضييق الخناق على الصناعة، بما يهدد فقدان آلاف الوظائف بالسوق الأمريكية وسط التباطؤ الاقتصادي الشديد الناجم عن جائحة كورونا.

ومع ذلك، فقد تعهد "بايدن" بوقف تصاريح الحفر الجديدة بالأراضي والمياه الفيدرالية. كما سيشدد، بحسب مستشاريه الاقتصاديين، على معايير وقود المركبات الصغيرة والمتوسطة، وهي قيود في مجملها سوف تتسبب في تعطيل طفرة الإنتاج الأمريكي من النفط والغاز الصخريين على نحو سيقابله تعزيز مصادر الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة الأمريكي.

3- خطة للإنعاش الاقتصادي: من المرجّح أن يكون تمرير حزمة تحفيز اقتصادي لمعالجة التداعيات السلبية لجائحة كورونا على الاقتصاد الأمريكي من الأولويات الملحة بالنسبة لإدارة "بايدن". وبصفة متكررة، أكد الأخير أن التدابير المالية التي تم تبنيها في بداية الجائحة والبالغة 3 تريليونات دولار لم تكن كافية، منتقدًا إدارة "ترامب" لعدم إقرار حزم اقتصادية إضافية من أجل إنعاش الاقتصاد الأمريكي. 

وعلى هذا النحو، فبمجرد فوزه بالانتخابات، أعلن "بايدن" نيته تشكيل لجنة خاصة للتعامل مع فيروس كورونا، متعهدًا بزيادة اختبارات فيروس كورونا، والتخطيط لاستخدام قانون "الإنتاج الدفاعي" لصنع المزيد من المعدات والمستلزمات الوقائية للعاملين في القطاع الطبي. وبالإضافة للإجراءات السابقة، فمن شأن تمرير خطة تحفيز إضافية بقيمة تريليون دولار في الولايات المتحدة أن تزيد الطلب الأمريكي على النفط الخام بما يساوي 400 ألف برميل يوميًّا وفق تقديرات شركة "ريستاد إنيرجي" النرويجية.

4- إعادة التموضع عالميًّا: يرى كثير من منتقدي إدارة "ترامب" أن الأخير ساهم في تقويض مكانة الولايات المتحدة كقائد للنظام الاقتصادي مع انسحابه من اتفاقيات التجارة الحرة العالمية، وكذلك اتفاقية التغير المناخي العالمي، كما قاد بدوره حروبًا تجارية ضد شركاء الولايات المتحدة كالاتحاد الأوروبي بجانب الصين، وهو ما أضر على نحو ملحوظ ليس فقط بالاقتصاد الأمريكي وحده وإنما بالاقتصاد العالمي أيضًا.

وبحسب مستشاري "بايدن" الاقتصاديين، فإن الأخير سيدير الدفة نحو عودة موقع الولايات المتحدة كقائد للنظام الاقتصادي العالمي من خلال الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية، وذلك بخلاف إزالة التعريفات الجمركية التي فرضها "ترامب" على حلفاء وشركاء البلاد الاقتصاديين، وهذا من شأنه أن يدعم مستويات الطلب العالمي على النفط الخام بشكل ملحوظ.

ووفق الترجيحات فإن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تسببت في خسارة سوق النفط العالمية ما يقرب من 300 ألف برميل يوميًّا من النفط في عام 2019. وبالتالي، يمكن توقع عودة كمية مماثلة من الطلب على النفط مع رفع القيود التجارية بين الولايات المتحدة والصين. 

ومع ذلك، ينبغي الإشارة هنا إلى أن إدارة "بايدن" قد لا تستبعد نهائيًّا استخدام التعريفات التجارية ضد الصين إن استمرت بكين في الممارسات غير العادلة من وجهة نظر واشنطن، مثل: دعم سعر صرف اليوان مقابل الدولار الأمريكي، ومساندة الشركات الصينية الحكومية، وهي وجهة نظر يشترك فيها كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

5- رفع العقوبات الاقتصادية: بخلاف سياسة "ترامب" الرامية إلى فرض أقصى الضغوط الممكنة ضد إيران، تعهد "بايدن" بأن يمنح طهران فرصة للعودة للمسار الدبلوماسي بشأن برنامجها النووي، شرط الامتثال الكامل لتلك الاتفاقية التي تم التوصل إليها عندما كان "بايدن" نائبًا للرئيس "باراك أوباما"، وهذا لن يكون على الأرجح قبل أواخر 2021 أو بدايات عام 2022.

وعلى العموم، فأيًّا كان توقيت الصفقة، ستكون هناك فرصة لتخفيف العقوبات الأمريكية الصارمة على صادرات النفط الإيرانية في المستقبل القريب، مما قد يمهد الطريق لكل أو بعض نحو مليونين ونصف المليون برميل يوميًّا من الخام الإيراني للوصول إلى الأسواق الدولية مجددًا. كما يعتقد أن إدارة "بايدن" قد تمنح فنزويلا أيضًا تخفيفًا للعقوبات على قطاع الطاقة لاعتبارات إنسانية.

تأثيرات محتملة:

من المرجح أن تفرض توجهات إدارة "بايدن" ديناميكية جديدة بالنسبة لسوق النفط العالمية، فالنتيجة المتوقعة من جهة الطلب أنه سيرتفع الاستهلاك العالمي للخام بما يتراوح بين نصف مليون إلى مليون برميل يوميًّا إذا ما نجح "بايدن" في إقرار خطة تحفيز اقتصادي جديدة وإعادة ترميم العلاقات التجارية مع الشركاء الاقتصاديين في عام 2021. 

وفي هذا السياق أيضًا، لا يستبعد أن ينتعش الطلب العالمي على الخام بفعل عوامل أخرى، مثل: نجاح شركات الأدوية العالمية في تسويق لقاح عالمي فعال لفيروس كورونا، على نحو سيجنّب كثيرًا من دول العالم إغلاق اقتصاداتها كليًّا، وهذا ما سيترك آثارًا إيجابية على الاقتصاد العالمي وأسواق النفط، ويدعم نطاق أسعار الخام فوق 40 دولارًا للبرميل كما هو قائم حاليًّا.

وبخلاف الاتجاه الإيجابي السابق، فإن رؤية "بايدن" الرامية لتخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران أو فنزويلا، ستؤدي بلا محالة، بعد عام أو أكثر، إلى تخمة في معروض الخام بالأسواق العالمية وسط عودة الصادرات الليبية من الخام منذ فترة قصيرة، مما سيُضطر تحالف "أوبك+" لتعديل سقف خفض الإنتاج وتعميقه مرة أخرى من أجل التكيف مع هذه المتغيرات. 

ومحصلة ما سبق، برغم الانتعاش المتوقع مع تولي "بايدن" سدة الحكم بموحب خطة تحفيز اقتصادي منتظرة أو إعادة ترميم العلاقات التجارية مع الشركاء الاقتصاديين؛ إلا أن عودة الإمدادات الإيرانية والفنزويلية من الخام سوف تقود ضغوطًا على سوق النفط الهشة، وتدفع الأسعار نحو مزيدٍ من الهبوط في الأمد المتوسط.