خطر قائم:

تداعيات مقتل زعيم "القاعدة" في منطقة الساحل والصحراء

09 June 2020


أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، في 5 يونيو الجاري، عن نجاح القوات الفرنسية، بدعم من شركائها المحليين في دول الساحل والصحراء، في قتل قائد تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عبد المالك دروكدال الذي يلقب بـ"أبو مصعب عبد الودود" وعدد من أقرب معاونيه، خلال عملية نفذت في شمال مالي، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة عن أهم التداعيات المحتملة لمقتل دوركدال، لاسيما وأنه كان من بين أكثر قادة "القاعدة" خبرة من الناحية التنظيمية والعسكرية في منطقة الساحل الإفريقي، وأحد أولئك القادة الذين شاركوا في السيطرة على شمال مالي قبل أن تنخرط فرنسا بشكل مباشر في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية في عام 2013.

ضربات مزدوجة:

تعرض تنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل والصحراء لضربات قوية في الفترة الأخيرة، حيث كان لافتاً أن الإعلان عن مقتل عبد المالك دروكدال، في 5 يونيو الجاري، قد جاء بعد قرابة أربعة أشهر من إعلان تنظيم "داعش" عن قتل القيادي أبو يحيى أمير منطقة الصحراء التابعة لـتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، أثناء هجوم شنه عناصر الأول على مجموعته في فبراير الماضي.

ومن دون شك، فإن هذا التطور يمثل ضربة قوية للتنظيم في تلك المنطقة، لاسيما من الناحيتين المعنوية والتنظيمية. فعلى الصعيد المعنوي، فإن تلك الضربة قد تساهم في تقليص مكانة التنظيم حتى بين قياداته وكوادره وربما تدفعهم إلى التفكير في الانشقاق عنه، في ظل النفوذ التي كان يحظى به دوركدال داخل التنظيم، فضلاً عن الأدوار التي قام بها وساهمت في تعزيز نشاطه في منطقة الساحل والصحراء، بشكل فرض تهديدات جديدة لأمن واستقرار دول تلك المنطقة.

 وعلى المستوى التنظيمي، فإن غياب دروكدال عن المشهد من شأنه إضعاف قدرة التنظيم على استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية، وهو أحد الأدوار الرئيسية التي كان يقوم بها دروكدال، ونجح من خلالها في استقطاب العديد من القيادات الإرهابية البارزة في تلك المنطقة للانخراط في صفوف "القاعدة"، على غرار مختار بلمختار زعيم تنظيم "المرابطون"، واياد اغا غالى قائد جماعة "أنصار الدين"، إلى جانب امادو كوفا زعيم حركة "تحرير ماسينا"، والذي ساهم انضمامه للتنظيم في تعزيز نفوذه، لاسيما أن الحركة تنتمي إلى عرقية الفولاني، على نحو وفر للأخير ظهيراً قبلياً ساعده أولاً في تنفيذ عمليات إرهابية نوعية وثانياً في التخفي والهروب من ملاحقات الأجهزة الأمنية.

تأثيرات محتملة:

ربما تفرض هذه الخطوة تداعيات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تصاعد استهداف القوات الفرنسية: تشير اتجاهات عديدة إلى أنه سيكون من الصعب على تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" التغاضي عن تلك الضربة القوية، خاصة أن عدم الرد قد يفرض تأثيرات سلبية عديدة داخله. وهنا، فإن أحد الأهداف المحتملة للتنظيم في إطار رده على تلك العملية يتعلق بالقوات الفرنسية الموجودة في تلك المنطقة، حيث سيسعى إلى توجيه رسالة مفادها أن لديه القدرة على الرد وعلى رفع كُلفة تلك النوعية من العمليات العسكرية التي تستهدف القيادات الرئيسية. 

2- تفاقم الصراع على القيادة: قد يؤدي غياب دروكدال عن المشهد إلى تصاعد حدة التنافس على قيادة التنظيم في المرحلة القادمة، خاصة أن وجوده كان كفيلاً باحتواء هذا التنافس. وهنا، فإن ما يدعم من هذا الاحتمال هو التقارب الملحوظ في قدرات وخبرات القيادات البارزة في التنظيم، بشكل يشير إلى وجود توازن في مساحات نفوذ كل منها، على نحو قد يفاقم من الصراع فيما بينها على تولي موقع دروكدال. ويشار في هذا الصدد تحديداً إلى اياد اغا غالي، الذى يوصف بأنه "بن لادن الساحل والصحراء"، ومختار بلمختار الذي يعرف بـ"السيد مارلبورو" باعتبار أنه يدير عمليات لتهريب السجائر والأسلحة لتمويل أنشطة جماعته، وامادو كوفا الذي يستند إلى عرقية الفولاني في تعزيز مكانته بين المجموعات الإرهابية الموالية لـ"القاعدة".

3- توسيع نطاق الهجمات الإرهابية: سوف يدفع مقتل دروكدال، على الأرجح، التنظيم إلى توسيع نطاق العمليات الإرهابية التي يقوم بتنفيذها، وذلك لتحقيق أهداف عديدة منها إثبات قدرته على استيعاب تلك الضربة ومنع حدوث انشقاقات داخله صفوفه في حالة عدم الرد. وسوف يستند في هذا السياق إلى مجموعاته المنتشرة في العديد من المناطق في شمال وغرب إفريقيا، على غرار المجموعات الموجودة في شمال مالي والنيجر وليبيا وتشاد وبوركينافاسو، وهى الدول التي تشهد حالة من عدم الاستقرار على المستوى الأمني نتيجة استمرار التنظيمات الإرهابية في شن هجماتها. وقد يركز التنظيم على بعض الأهداف، إلى جانب القوات الفرنسية، مثل السفارات والرعايا الأجانب.

4- احتدام التنافس "الجهادي": لا يمكن استبعاد أن تسعى بعض التنظيمات الأخرى المنافسة إلى استغلال ما يمكن أن تسفر عنه تلك الضربة من نتائج في سبيل اكتساب أرضية جديدة وتقليص نفوذ تنظيم "القاعدة" عبر استقطاب عدد من قياداته وعناصره، لاسيما التي كانت مرتبطة بدروكدال. ويأتي تنظيم "داعش" في مقدمة تلك التنظيمات، في ظل حرصه على تعزيز نشاطه في تلك المنطقة، على نحو دفعه إلى الإعلان عن تأسيس "ولاية الصحراء الكبرى" في عام 2019، دون أن ينفي ذلك أنه يتعرض أيضاً لضربات قوية من قبل القوات الفرنسية والمحلية، حيث كان لافتاً أن وزيرة الجيوش الفرنسية أعلنت أيضاً، في التصريحات نفسها، القبض على زعيم تنظيم "داعش" محمد مربات، الذي كان يمارس دوراً رئيسياً في العمليات الإرهابية التي قام بها التنظيم في منطقة الساحل والصحراء خلال المرحلة الماضية.

أخيراً وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إنه على الرغم من أن مقتل زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عبدالملك دروكدال على يد القوات الفرنسية، يمثل ضربة قوية للتنظيم، إلا أن ذلك لا يعني أن المخاطر التي تفرضها أنشطة التنظيمات الإرهابية سوف تتراجع في تلك المنطقة، لاسيما في ظل احتمال اتجاهها إلى الرد على الضربات التي تتعرض لها خلال المرحلة القادمة.