كورونا نفطية

30 April 2020


سرعة انتشار الهلع في أسواق النفط العالمية بداية الأسبوع الماضي تشبه إلى حد بعيد الهلع الناجم عن انتشار فيروس كورونا، مع الاختلاف الكبير بين الحالتين، ففي الحالة الأولى شمل الضرر كافة الدول وكبدهم خسائر جسيمة، أما في الحالة الثانية، فإنه الضرر طال مجموعة معينة من الدول.

للمرة الأولى في التاريخ الحديث تباع سلعة استراتيجية بأقل من سعرها ثلاثة أضعاف، فالبائع يدفع للمشتري حتى «يتكرم» ويوافق على أخذ السلعة مجاناً مع دفع هامش ربح كبير بلغ 40 دولاراً بالسالب، مما يتناقض والعديد من النظريات الاقتصادية التي سادت وحددت قوانين وأنظمة التبادلات التجارية منذ آدم سميث وديفيد ريكاردو الذي حقق ثروات كبيرة من التداول في البورصة.

في أسوأ الأحوال وفي حالة كساد بضاعة ما يمكن للمالك التخلص منها بسعرها في السوق مع تحمله الخسائر الناجمة عن قيمتها الفعلية، إلا أن ما حدث تم بفضل الأدوات المالية التي استحدثت فيما بعد في بورصات السلع الدولية، كالبيع على المكشوف والعقود الآجلة وتجارة المشتقات، وغيرها الكثير من الأدوات والتقنيات التي يتفنن البعض في إتقانها بحكم هيمنته على بعض القطاعات وتمتعه بقدرات مالية هائلة ويقع في براثنها من لا يتقن هذا الفن المهني المعقد وهذه القدرات المالية الكبيرة.

والحال، فقد اجتمع فيروس كورونا مع «كورنا النفط» المتأثر به بشدة ليخلق وضعاً غير طبيعي في أسواق النفط تمخضت عنه الحالة التي تحدثنا عنها آنفاً، فمع تراجع الطلب العالمي على النفط بنسبة تجاوزت 30% والذي رافقه زيادة الإنتاج، في تناقض صارخ أدى إلى ملء خزانات الاحتياطات النفطية لتبلغ حدها الأقصى تقريباً وحول النفط بصورة مؤقتة إلى سلعة «منبوذة» الكل يحاول التخلص منها بأي ثمن في صورة حزينة لأهم مصادر الطاقة في العالم.

هنا يبرز سؤال مهم يتعلق بمن تقع عليه مسؤولية هذا التحول الخاص ببيع البرميل بسعر سالب؟ تحاول وسائل الإعلام الغربية توجيه الاتهام للبلدان المنتجة، وبالأخص لدول الخليج العربية، مما يتنافى وواقع الحال، فهذه الدول ليس لها علاقة بما حدث يوم الاثنين 21 من الشهر الجاري، وأنما تقع كامل المسؤولية على النظام المالي الغربي، الذي يتيح للمتعاملين والمضاربين التعامل بالبراميل الورقية من خلال عقود البيع والشراء المستقبلية لتحقيق أرباح سريعة وسهلة.

المسألة الأهم هنا هي أن تبعات ذلك ستستمر لأشهر عديدة، فالخزين الكبير من النفط سيؤثر في العرض والطلب حتى في حالة تخفيض الإنتاج بنسب كبيرة ضمن اتفاق «أوبك+» وبانضمام دول أخرى من خارج هذه المجموعة، مما سيعرقل ارتفاع الأسعار إلى المستوى الذي تطمح إليه الدول المنتجة، ويتطلب إعادة النظر في استراتيجيات واتفاقيات دول «أوبك+». فالاتفاق الحالي وحتى في ظل انضمام دول أخرى مهمة إليه لن يساعد كثيراً على انتعاش الأسعار، خصوصاً وأن قطاعات الاستهلاك الرئيسية، كقطاع المواصلات والنقل بكافة أشكاله والمصانع ستعود بصورة بطيئة للعمل، إذ سيستغرق ذلك بعض الوقت.

الخيارات أمام البلدان المنتجة للنفط للأسف محدودة، إلا أن أحد أهم توجهاتها يمكن أن يتمحور حول محاولة سحب جزءاً من المخزون الاستراتيجي للدول الكبرى من خلال القيام بالمزيد من التخفيضات بصورة مؤقتة، مما قد يعيد بعض التوازن للأسواق ويقلص الفجوة بين مستويات العرض والطلب.

ذلك يعني أن التجاذبات بين البلدان المصدرة والمستهلكة للنفط ستشتد في الأشهر القادمة، مما سيتسبب في المزيد من التقلبات الحادة في الأسواق، وهي عملية ستضيف المزيد من الصعوبات الاقتصادية للدول المنتجة للنفط، مما يتطلب منها إعادة النظر منذ الآن في العديد من سياساتها المالية لتجنب الوقع في مآزق مالية واقتصادية عميقة وللتحضير لتقبل الصدمات والتقليل من قوتها وتداعيات لتجاوز هذه الأزمة.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد