طهران في ذروة استفزازها

10 July 2019


مما لا شك فيه أن التصعيد الإيراني دخل منعطفاً خطيراً بعد قرار طهران العودة إلى تخصيب اليورانيوم فوق معدل 3.67 الذي جرى الاتفاق عليه مع الدول الخمس الكبرى إضافة إلى ألمانيا سنة 2015، هذا المسار الإيراني الجديد في مواجهة المجتمع الدولي أشبه بإعلان إيراني شبه رسمي عن فشل الرهان على الأوروبيين، بعدما أيقنت طهران أن الاتفاق المعروف بـ5+1 لا يمكن أن يستمر بـ4+1 نتيجة تملص الدول الأوروبية الثلاث فرنسا وبريطانيا وألمانيا من كافة الوعود التي قطعتها لها في إيجاد أطر قانونية للتعاملات المالية والاقتصادية معها، تخفف من وطأة العقوبات النفطية المفروضة عليها من جانب واشنطن بعد قرار إدارة البيت الأبيض الانسحاب من الاتفاق النووي، وفي إشارة واضحة إلى مُضيِّها في سياسة الابتزاز أكدت إيران أنها ستستمر في تقليص التزاماتها كل 60 يوماً ما لم تتحرك الأطراف الموقعة على الاتفاق لحمايتها من العقوبات الأميركية، في المقابل استدعت الخطة الإيرانية رداً أوروبياً سريعاً جاء على لسان وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت الذي شدد على أن «العمل على إبقاء إيران خارج النادي النووي، يمثل أولوية قصوى كذلك للفرنسيين والألمان، وأن بلاده تسعى للتأكد من مدى التزام إيران باتفاق 2015، محذراً طهران من عواقب وخيمة لخرقه». ورغم هذا التحذير، إلا أن طهران لم تزل تراهن على تحرك أوروبي ضاغط قد يساعدها في المساومة مع الولايات المتحدة على التخفيف من حدة العقوبات الاقتصادية مقابل عودة طهران إلى التزاماتها النووية، وهذا ما أكده وزير خارجيتها جواد ظريف عندما أوضح «أن بلاده مستعدة للتراجع عن تقليص التزاماتها النووية، إذا احترمت الأطراف تعهداتها في الاتفاق النووي».

عملياً يمكن ربط رد فعل إيران النووي بفشل خيارها استفزاز واشنطن تكتيكياً، واستدراجها إلى أزمة عسكرية محدودة النتائج تمنحها شرعية الجلوس على طاولة المفاوضات من موقع الند للند بعيداً عن الشروط المسبقة التي فرضها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، لذلك قررت طهران اللجوء إلى مرحلة الاستفزاز الاستراتيجي المتشعب الأضرار والمخاطر، يُحرج أوروبا ويستفز إسرائيل التي وصف رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو زيادة إيران مستوى تخصيبها لليورانيوم بأنه «خطوة بالغة الخطورة». وهذا ما تطرق إليه الكاتب السعودي الأستاذ عبد الرحمن الراشد في مقال نشرته «الشرق الأوسط» يوم الاثنين الفائت تحت عنوان (المخطط يسير ضد إيران) قال فيه «بسبب تفعيلها مشروعها النووي أصبح دور إسرائيل أكثر مركزية وفاعلية في الأزمة، التي تعتبر السلاح النووي والصواريخ الباليستية يستهدفانها أيضاً، وليس فقط دول الخليج».

وليس مستبعداً أن الدهاء السياسي الإيراني من أجل الخروج من عنق الزجاجة التي وضعت إدارة ترمب إيران فيها أن تكون خطوتها النووية تهدف إلى جر تل أبيب مباشرة في الأزمة الحالية، ودفعها إلى القيام بخطوات أحادية الجانب تجاه منشآتها النووية، حيث تراهن القيادة الإيرانية أن صبر تل أبيب لن يدوم طويلاً باعتبارها المعنية الأولى بالتهديد النووي الإيراني، الذي يشكل تهديداً مستقبلياً لأمنها القومي ولن تتردد بالقيام بضربة استباقية شبيهة بتلك التي قامت بها ضد مفاعل تموز العراقي سنة 1981 دون مراعاة للحسابات الأميركية المقتنعة بضرورة عدم الرد على كافة الاستفزازات الإيرانية التكتيكية وحتى الاستراتيجية، والاكتفاء باستخدام سلاح العقوبات الاقتصادية، فمن خلال خيار زيادة التخصيب تعمل طهران على رفع حجم القلق الإسرائيلي ودفعه إلى الضغط على واشنطن، من أجل القيام بعملية عسكرية من المستبعد أن تقوض مشروع إيران النووي، وهذا ما تراهن عليه طهران وتستدعيه بعدما باتت مصالح نظامها بحاجة إلى ربط أزمتها الداخلية والخارجية بمواجهة مع إسرائيل تساعدها على استعادة بعض من التعاطف الشعبوي العربي والإسلامي الذي خسرته في سوريا، التي تخوض فيها حرباً ضد ثورة شعبها، حيث تتعرض مواقعها لمئات الضربات من قبل طيران العدو الإسرائيلي، فيما يأتي رد طهران على هذه الضربات عبر وكلائها في اليمن بإطلاق صواريخ باليستية على المدن السعودية وليس داخل «إسرائيل».

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط