عمار الحكيم... بين الدور والاعتراض

26 June 2019


مرة جديدة يسدد زعيم «تيار الحكمة الوطني» السيد عمار الحكيم ضربة قاسية للطبقة السياسية العراقية الحاكمة... مرة أخرى يخرج عمار الحكيم عن السياق العام للشيعية السياسية العراقية المتمسكة بغنائم السلطة ومنافعها، ويعلن بحكمة قبول «الحكمة» الانتقال المرن من الديمقراطية التوافقية إلى الديمقراطية التمثيلية، وتبني معادلة الأكثرية الحاكمة والأقلية المعارضة... خطوة أحرجت الحلفاء قبل الخصوم، وفرضت عليهم - أي الحلفاء - في «تحالف الإصلاح» البحث عن مقاربة جديدة تحفظ صلتهم بالشارع الغاضب والمستاء من جهة؛ ومن جهة أخرى تحافظ على مكتسباتهم في السلطة، خصوصاً أن الحكيم قرر أيضاً مغادرة «تحالف الإصلاح والإعمار» انسجاماً مع قراره الأخير بالانتقال إلى صفوف المعارضة السياسية الدستورية، حيث لم يعد ممكناً الاستمرار في إدارة الحكومة خارج السياقات الدستورية، بعدما باتت الكابينة الوزارية محاصرة بشروط الثنائية الحاكمة («الفتح» و«سائرون») مما أدى إلى تعطيل وتحجيم المكونات الأخرى في تحالفي «البناء» و«الإصلاح»، والذي برز مؤخراً من خلال محاولات «ائتلاف الفتح (الحشد الشعبي)» و«كتلة سائرون (تيار الصدر)» تمرير ما باتت تعرف بـ«صفقة التمكين»، التي تتضمن تعيين 450 موظفاً في مناصب سيادية حساسة تتوزع بين مؤسسات أمنية وهيئات مستقلة، إضافة إلى وكلاء وزارات ومديرين بدرجات ممتازة.

وتشمل الصفقة تقاسم أكثر من 4 آلاف منصب في إدارات الدولة بينهما؛ الأمر الذي أثار غضب المرجعية الدينية العليا، فأصدرت بياناً تحذيرياً في 14 يونيو (حزيران) الحالي كسرت فيه صمتها عن حكومة الدكتور عادل عبد المهدي، وحمّلت مكوناتها السياسية مسؤولية الفشل المستمر في تحسين الخدمات العامة، وأعلنت في البيان عن استيائها من «الخلاف الذي دبّ من جديد - معلناً تارة وخفياً تارة أخرى - في صفوف الأطراف التي تمسك بزمام الأمور، وتفاقم الصراع بين قوى تريد الحفاظ على مواقعها السابقة وقوى أخرى برزت خلال الحرب مع (داعش) تسعى لتكريس حضورها والحصول على مكتسبات معينة، ولا يزال التكالب على المناصب والمواقع - ومنها وزارتا الدفاع والداخلية - والمحاصصة المقيتة يمنعان من استكمال التشكيلة الوزارية، ولا يزال الفساد المستشري في مؤسسات الدولة لم يُقابل بخطوات عملية واضحة للحد منه ومحاسبة المتورطين به».

فمما لا شك فيه أن السيد الحكيم التقط من بيان المرجعية الإشارة وقرر النأي بنفسه عن أزمة مقبلة بين الحكومة والمرجعية وبين مكونات الحكومة والشارع الذي بدأ يلوح للطبقة السياسية بصيف حار، درجة حرارته أعلى من درجات حرارة الصيف بالبصرة؛ صيف قد يشعل فتيل خراب الحكومة قبل خراب البصرة.

وحول خصومه ومن يقف خلفهم وراء الحدود، فقد ارتكب عمار الحكيم منذ انطلاق حياته السياسية الجديدة ثلاث معاصٍ سياسية لا تغتفر؛ فبشجاعته الصادمة خرج من عباءة «المجلس الأعلى» تاركاً أعباء الفشل على أكتاف الحرس القديم غير القابل للتغيير، وأعلن انحيازه لجيل الشباب الذي تجاوز في وعيه السياسي والاجتماعي محطات أساسية عدّة في تاريخ العراق الحديث؛ أبرزها عقدة «البعث» و«الإقصاء»، وهو يقترب من تجاوز عقدة نظام ما بعد 2003 بعدما استطاع التخلص من الخطاب الطائفي والانفتاح على الفضاء الوطني المتعدد.

أما المعصية الثانية فعندما اختار الحكيم و«تيار الحكمة» التمرد على الحكومة وعدم الانخراط المتعمد في صفوفها، واتهم بأنه يريد إضعافها. والثالثة؛ وهي الأخطر، حين قرر الانتقال إلى المعارضة في مرحلة يعدّها خصومه أو «الإخوة الأعداء» حرجة تستدعي التماسك وعدم الخروج عمّا يصفونه بـ«الإجماع الشيعي»، وهذا ما عبّر عنه عضو هيئة القيادة في «المجلس الأعلى الإسلامي» السيد صدر الدين القبانجي عندما قال في خطاب يوم الجمعة الماضي: «إن المعارضة حق مشروع، ولكنها لن تسقط الحكومة، ويجب أن تثبت وطنيتها والنأي بنفسها عن الاصطفاف مع المشروع الأميركي - السعودي».

عمار الحكيم مطالب الآن أكثر من أي مرحلة سابقة بأن يمارس مزيداً من المرونة الاستيعابية في تعامله وتعاونه مع تيارات مدنية وشبابية يختلف عنها فكرياً وعقائدياً وسياسياً ولكنه لا يختلف معها وطنياً، خصوصاً أن هناك جيلاً جديداً قرر القطيعة مع الطبقة السياسية الحزبية والدينية السياسية نتيجة عجز هذه الطبقة عن الوصول إلى لغة مشتركة تساعدها على فهم متطلبات هذا الجيل الذي يشعر بالنقمة والإحباط. والفرصة أمام السيد عمار متاحة الآن لكسر الحواجز بين العمامة وشؤون العامة، والاهتمام بالتساؤلات المشروعة للطبقة المتوسطة، التي تمثل فرصة التغيير العمودي البطيء طويل الأمد، حيث لم يعد «تيار الحكمة» أسير عدد مقاعده البرلمانية بعدما أصبح حضوره في الحياة السياسية العراقية مرتبطاً بدوره وليس بحجمه.

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط