معارضة الصفقة:

اتجاهات الإعلام الإيراني حول التصعيد مع واشنطن

28 May 2019


انعكست التوترات الإقليمية والضغوط الأمريكية المتزايدة على وسائل الإعلام الإيرانية، حيث ركزت الصحف الصادرة في طهران على قضية محورية تتمثل في احتمالات تعرض إيران لضربة عسكرية أمريكية، إذ تباينت تقديرات المتابعين لمدى إمكانية قيام إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بتوظيف الأداة العسكرية في مواجهة طهران والتداعيات التي قد تترتب على هذا السيناريو.

ويغلب على ترجيحات الإعلام الإيراني أن سياسة "حافة الهاوية" التي يتبعها "ترامب" تهدف إلى الضغط على إيران للتفاوض دون استخدام القوة العسكرية فعليًّا ضدها، كما أن غالبية المحللين أبدوا رفضًا لعقد صفقة مع واشنطن بسبب توقعاتهم ارتفاع مستوى المشروطية التي قد يفرضها "ترامب" على طهران.

دوافع التصعيد:

تتمثل أهم أسباب التصعيد الأمريكي مع إيران خلال الفترة الماضية -حسب رؤية المحللين الإيرانيين- فيما يلي: 

1- الانتخابات الرئاسية الأمريكية: رأى المؤرخ وأستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة طهران "بيروز مجتهد زاده" في حواره مع صحيفة "آرمان امروز" المنشور بتاريخ 25 مايو 2019، أن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت "ترامب" للقيام بحشد القوات الأمريكية في المنطقة هو قرب قدوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، حيث يسعى "ترامب" إلى الإيحاء للشعب الأمريكي بأن هناك حربًا قادمة، وأنّ عليهم الاتحاد وراء رئيس معين لمواجهة ذلك.

ويؤكد "مجتهد زاده" أن أي رئيس أمريكي يختلف في فترة رئاسته الأولى عن الثانية، حيث إنه في الأولى يُطلق شعارات عديدة، ويكون حماسيًّا أكثر؛ إلا أنه في الثانية "يسعى إلى حفظ مكانته في التاريخ". ويضرب الكاتب مثالًا على ذلك من خلال التطرق إلى فترة رئاسة "جورج بوش الابن" (2001-2009)، وكيف أنه كان يتعامل بمنطقية أكثر في الفترة الرئاسية الثانية عنها في الأولى، فلم يعد يُطلق الشعارات كما كان في الأولى، وبدأ يسير بعقلانية أكثر.

2- حرب نفسية: حيث رأى الكاتب الإيراني الشهير "محمد رضا ستاري" في مقاله المعنون "ترامب غير جدير بالثقة في هذه المبادرة"، المنشور في 23 مايو 2019 بصحيفة "ابتكار" الإصلاحية؛ أن هدف الولايات المتحدة من إرسال قواتها العسكرية إلى المنطقة هو شن حرب نفسية وإعلامية من أجل التأثير على الرأي العام الإيراني، وإقناع طهران بضرورة الجلوس على طاولة المفاوضات من جديد للتوصل إلى اتفاق آخر غير الذي تم التوصل إليه في عام 2015. 

ويشير الكاتب إلى أنه على الرغم من أن واشنطن كثّفت من عقوباتها النفطية على إيران، وصنفت الحرس الثوري منظمة إرهابية، وألغت الإعفاءات التي كانت قد منحتها لعدد من الدول، وفرضت عقوبات على عدد من الصناعات؛ إلا أنها في النهاية لا ترغب في الحرب. 

ويؤكد "ستاري" أن الولايات المتحدة تتبع في سياستها الاستراتيجية ضد إيران التي طرحها مهندس شبكة العقوبات الأمريكية "ريتشارد نفيو" أنه إذا لم يتغير سلوك فاعلٍ ما بعد زيادة الضغوطات، فإن هيكل العقوبات سينهار كليًّا ويفشل.

ويتفق معه في هذا الرأي الخبير الإيراني في العلاقات الدولية "جعفر قناد باشي" في مقاله المنشور بتاريخ 21 مايو 2019 بصحفية "جام جم" الأصولية تحت عنوان "العقوبات الاقتصادية مجرد خيار وتهديد فاشل". حيث رأى أن التحركات الأمريكية الأخيرة خدعة سياسية فقط، فالنظام الأمريكي لم يعد أمامه سوى شن حرب نفسية واقتصادية لإثارة الشعب ضد النظام الإيراني. 

ورأى "باشي" أن السياسيين الأمريكيين لا يستطيعون فهم إيران منذ عام 1979، قائلًا إنهم "وقعوا في أخطاء كثيرة خلال محاولتهم رسم استراتيجية عملية للتعامل مع إيران، وينبغي اعتبار دونالد ترامب الأكثر خطأ من بين رؤساء الولايات المتحدة في مسألة فهم إيران".

ووصف السفير الإيراني السابق في المكسيك وأستراليا "محمد حسن قديري أبيانه" هذا التصعيد بأنه ضغط نفسي لإجبار إيران على الاستسلام. حيث تشن واشنطن حربًا نفسية عن طريق إظهار قدراتها العسكرية.

3- نظرية "الرجل المجنون" (Madman Theory): ذهبت بعض التحليلات للتأكيد على أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يحاول تصوير نفسه على أنه رجل متقلب المزاج لا يمكن توقعه وذلك لفرض نفوذه في المجتمع الدولي. فعلى سبيل المثال، رأى مسئول التحرير بصحيفة "كيهان" المتشددة "جعفر بلوري" في مقاله المنشور بتاريخ 16 مايو 2019، أن الرؤساء الأمريكيين يسعون إلى تحقيق أهدافهم السياسية في العالم من خلال نشر الخوف. وفي هذا السياق، يتبع "ترامب" دومًا هذه السياسة، حيث ذكر في لقاء سابق له أن على المحيطين به إبلاغ الآخرين بأن "ترامب" رجل متقلب وحاد؛ حتى تخشاه الدول الأخرى. ويستشهد "بلوري" بما زعم أن السفيرة الأمريكية السابقة في الأمم المتحدة "نيكي هيلي" قالته في أحد الاجتماعات، من أن مهمتها هي إبراز أن "ترامب" رجل حاد الطباع، ولا يمكن تصور ما سيقوم به؛ وذلك حتى يخشاه الآخرون.

استبعاد نشوب حرب:

سيطر تساؤل "هل ستشن الولايات المتحدة هجومًا على إيران؟" على غالبية الصحف الإيرانية بعد الترتيبات العسكرية الأمريكية الأخيرة في المنطقة، والتي تضمنت نشر واشنطن حاملة الطائرات "يو إس إس أبراهام لينكولن" والسفينة الحربية "يو إس إس أرلينجتون".

وفي هذا الإطار، رأى الكاتب الإيراني "رضا حجت" في مقاله المنشور بتاريخ 20 مايو 2019 بصحيفة "جوان" المتشددة التابعة للحرس الثوري الإيراني تحت عنوان "لماذا لا تقع الحرب؟"؛ أنه من المتوقع ألا تقع حرب بين طهران وواشنطن، إذ رأى أن الرئيس "دونالد ترامب" لا يرغب أصلًا في الحرب، وأن واشنطن نفسها لن تكون في مأمن من عواقب تلك الحرب، فضلًا عن رفض الكونجرس والشعب الأمريكي لها. وأكد "حجت" أن "ترامب" يرغب فقط في الترويج لنفسه في الداخل الأمريكي، والحصول على مكاسب سياسية في الداخل الأمريكي.

وأشار كذلك إلى مجموعة من العوامل الإقليمية التي تجعل خيار الحرب مستبعدًا، حيث زعم "حجت" أن شعوب المنطقة ستقف إلى جانب إيران في حالة نشوب حرب بينها وبين الولايات المتحدة، مشيرًا بشكل ضمني إلى ما يملكه النظام الإيراني من ميليشيات مسلحة في سوريا والعراق واليمن ولبنان.

ورأى أيضًا أن المشهد السياسي لن يؤديَ لنشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران، حيث ذكر نصًّا: "فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تتمتع حاليًّا بقوة اقتصادية وعسكرية عظمى؛ إلا أن العالم منذ سنوات لا يستمع لأمريكا"، فالدول الأوروبية، وخاصة بريطانيا، لن يدعموا قيام حرب جديدة. بالإضافة إلى أن روسيا والصين قد تدعمان إيران في ظل عدم رغبتهما في أن تكون الولايات المتحدة "صاحبة القول الفصل في العالم" على حد تعبير كاتب المقال.

ويتّفق في هذا الرأي مسئول التحرير بصحيفة "جام جم" التابعة للإذاعة والتليفزيون الإيراني "محمد صادق علي زاده"، حيث أشار في مقاله المنشور تحت عنوان "أين أنتِ يا لنكولن؟! أين مكانك؟" في 22 مايو 2019؛ إلى أن حاملة الطائرات "لنكولن" تبعد حوالي 230 كلم عن السواحل الشرقية لسلطنة عمان في شمال بحر العرب، أي إنها تبعد عن إيران بمسافة كبيرة. كما أنه، حسبما ذكر الكاتب، ينبغي لهذه القوات أن تتمتع بلوجستيات عالية وهو أمر غير موجود، فضلًا عن أن "ترامب" نفسه صرّح خلال الأيام القليلة الماضية بأنه لا يرغب في حرب عسكرية.

ولم تختلف وجهة نظر المؤرخ الشهير وأستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة طهران "بيروز مجتهد زاده" في حواره مع صحيفة "آرمان امروز"، حيث ذكر أن واشنطن لن تُقْدِم على شن حرب ضد إيران في ظل عدم وجود رغبة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بسبب "الذاكرة التاريخية" لهذه الأحزاب، وما مروا به مسبقًا خلال الحروب التي خاضها الرئيس الأسبق "جورج بوش الابن".

تداعيات المواجهات المحتملة:

على الرغم من ذلك لم يستبعد بعض الخبراء الإيرانيين إمكانية اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران في المستقبل بسبب "خطأ غير مقصود" أو غير ذلك من الأسباب، وحذر هؤلاء الخبراء من تداعيات هذه الحرب المحتملة، والتي تتمثل فيما يلي: 

1- تصاعد أعداد اللاجئين: أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران ورئيس معهد دراسات أمريكا الشمالية وأوروبا "سيد محمد مرندي"، في حواره مع صحفية "وطن امروز" المحافظة في عددها الصادر في 21 مايو 2019، أن وقوع مثل هذه الحرب سيؤدي إلى أزمة اقتصادية في إيران، ونزوح وهجرة الملايين من اللاجئين من المنطقة إلى الغرب، فضلًا عن مواجهة الولايات المتحدة لحلفاء إيران في الإقليم. 

2- تصعيد الميليشيات: اتفقت غالبية التحليلات على أنه في حال تعرض طهران لخطر فإنها ستقوم بالرد على الولايات المتحدة في دول مثل العراق عن طريق ميليشياتها المسلحة، حيث إنتقد الصحفي الإيراني بصحيفة "كيهان" المتشددة "مجتبى باجلان"، في مقال منشور بتاريخ 23 مايو 2019 تحت عنوان "الحرب والتفاوض وجهان لعملة وهمية"، مسألة التفاوض مع الولايات المتحدة خاصة الدخول فيها بشروط مسبقة. واستطرد الكاتب إلى أن "ترامب" منذ مجيئه إلى البيت الأبيض عام 2017 دأب على فرض أمرين على إيران لا ثالث لهما؛ إما الحرب أو التفاوض. ورفض الكاتب خيار التفاوض، حيث إن طهران تستطيع الضغط على الولايات المتحدة عن طريق مهاجمة القواعد والجنود الأمريكيين في المنطقة، خاصة العراق، ولهذا زار وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، العاصمة العراقية بغداد بشكل مفاجئ، في محاولةٍ منه لتأمين الجنود الأمريكيين إذا ما اندلعت أي حرب. 

وحذّر الكاتب واشنطن من عواقب الحرب، مشيرًا إلى تعيين قائد جديد للحرس الثوري، المصنف حديثًا كمنظمة إرهابية من قِبل واشنطن، وهو "حسين سلامي" بدلًا من "محمد علي جعفري". وقال الكاتب: "ستكون الجماعات الموالية لإيران، في سوريا ولبنان وفلسطين، في مواجهة مع الولايات المتحدة".

ختامًا، يمكن القول إن كافة المحللين والخبراء الإيرانيين من الجناحين المتشدد والإصلاحي يتفقون على استبعاد وقوع مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، ويرون أن الهدف الرئيسي لـ"ترامب" هو الضغط النفسي على صناع القرار في طهران لإجبارهم على التفاوض. ويُحذّر غالبية المحللين الإيرانيين من الانجراف وراء رغبة "ترامب" والتفاوض معه، حيث إنه سيُجبر طهران على الرضوخ لشروط قاسية.