ليبيا بين التوحيد والتقسيم!

02 May 2019


كثر الحديث أخيراً عن مصير اللاجئين والنازحين في ليبيا، الذين يتعرضون للقصف من الأطراف المتصارعة؛ حيث لا أوروبا تقبلهم ولا ليبيا تريدهم. الوضع كان سيئاً في ليبيا؛ لكنه تدهور بسرعة في الرابع من الشهر الماضي، عندما أمر المشير خليفة حفتر قواته المسلحة في برقة بالاقتراب أكثر من العاصمة طرابلس الغرب؛ حيث مقر الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة. بعد هذه الخطوة، دخل الجيش الوطني الليبي غريان التي تبعد 100 كيلومتر عن العاصمة، وبدأ في إشراك القوات المحلية القريبة من طرابلس في المعارك.

أصاب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، خصوصاً إيطاليا، قلق عميق إزاء الوضع؛ لأنه يخاطر بمزيد من الاستقرار الإقليمي، والفشل المحتمل لخريطة طريق الأمم المتحدة الخاصة بالسلام.

يقول لي صديق ليبي: «إن تركيا وقطر اختطفتا الدولة الليبية بعدما حطمها (الناتو) وسحقها سحقاً. استولى (الإخوان المسلمون) على مفاصل الدولة، وسيطروا على المؤسسة العامة للاستثمار، التي تعد أصولها بمئات المليارات. إنهم يهيمنون على طرابلس ومصراتة، أما الجيش الوطني فهو يحاول أن يوحد البلد الشاسع الذي يعج بميليشيات (عددها يقرب من 300 ميليشيا)، نهبت كل شيء، وباعت أرشيف الاستخبارات الليبية بخمسين مليون دولار لقطر». ويضيف أن «الجيش هو الوحيد الذي يتوافق عليه الليبيون لإعادة الأمن الذي فقدوه».

في البدء، أعلن حفتر عن حملته العسكرية الجديدة، عندما كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في طرابلس، للقاء رئيس الوزراء فايز السراج، وزيارة بعض معسكرات المهاجرين. وقد يكون السبب هو الرد برسالة مباشرة إلى غوتيريش؛ لأنه في 30 مارس (آذار) قال علناً إن اتفاقاً سياسياً بين السراج وحفتر صار قريباً.

من خلال إطلاق حملة عسكرية ضد طرابلس، أكد حفتر دوره الاستراتيجي المركزي في البلاد، وبعث برسالة إلى أنصار السراج، كما أضرّ بزيارة غوتيريش إلى العاصمة.

سبب آخر، قد يكون التأثير على المؤتمر الوطني الذي كان يعمل على عقده منذ شهور مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة، وكانت الحكومة الإيطالية أكدت أهمية هذا المؤتمر خلال قمة باليرمو في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكان الهدف من عقد المؤتمر في غدامس جنوب غربي ليبيا، الحد من التوترات المحلية، وتشجيع الانتخابات السياسية الوطنية.

يمكن للهجوم العسكري الجديد لحفتر ضد طرابلس، أن يركز على تقويض دور السراج كرئيس للوزراء ونسف مصداقيته، بالإضافة إلى دعم نفوذ حفتر التفاوضي خلال المؤتمر في حال انعقد.

إن نفوذ حفتر مهم بالفعل في برقة، ويزداد في فزان، واحتلال المنطقة الغربية من طرابلس يمكن أن يمكّنه من السيطرة على كامل الأراضي الليبية. ومع ذلك لن تقبله كل الميليشيات والقبائل زعيماً أو قائداً أعلى للجيش الوطني. ورغم أن حفتر قد يكون قادراً على دخول طرابلس، فإنه سيكون من الصعب عليه إبقاء المدن الغربية والمنطقة المحيطة بها تحت السيطرة الفعالة، وخصوصاً مصراتة، إذ لا يزال السكان يحتفظون بالمنافسات التاريخية بين طرابلس وبرقة.

ليس من الواضح بعد لماذا قرر حفتر التحرك غرباً؛ لأنه كان قبل أسابيع قد التقى السراج في أبوظبي، واتفقا على الترويج للانتخابات، ومع ذلك كانت الجهود السياسية والدبلوماسية لتحقيق الاستقرار تأتي دائماً مع الاشتباكات وأعمال العنف في المناطق الحضرية، ومثال على ذلك التوترات بالقرب من جنوب طرابلس بين قوات السراج ولواء ترهونة السابع، قبل قمة باليرمو مباشرة؛ لكن الواضح من تحركات حفتر، نيته التأكيد على دوره الاستراتيجي في البلاد، والتأكيد على الضعف السياسي للسراج.

هناك عامل خارجي بارز في ليبيا. إذا أخذنا دور إيطاليا، فعندما يتعلق الأمر بسياستها الخارجية في ليبيا، فإنها تخاطر بفقدان مصداقيتها في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بسبب تأثير السراج المتناقص، ودعمه للنخب المحلية. لم يستطع توحيد البلاد، وقد يتعرض لخطر الهزيمة في أي هجوم جديد، وحتى إذا لم تنجح الحملة العسكرية لحفتر أو توقفت، فإن المشروع السياسي الطويل الأجل للأمم المتحدة وإيطاليا لتوحيد ليبيا في ظل حكومة السراج سوف يتأثر بشدة، إذ بعد كل شيء لا يزال حفتر يسيطر على ما يقرب من 70 في المائة من أراضي البلاد.

إذا لم يعقد المؤتمر الوطني، فستكون قمة باليرمو بمثابة فشل نهائي له عواقب سياسية كبيرة على دور إيطاليا في المنطقة. عندما لم يحضر حفتر القمة، كان من المتوقع أن تنتهي بالفشل؛ لأنه «الرجل القوي» في ليبيا، ومع ذلك لم يكن من المتوقع أن تتكشف الأحداث مثلما نراه حالياً. إذا دخلت قوات حفتر طرابلس، فسوف يتم إسقاط الحكومة الليبية الحالية، وسينكشف إخفاق السياسة الإيطالية.

على المستوى الاقتصادي، قد تضطر شركات النفط الإيطالية إلى إعادة التفاوض بشأن بنود وشروط العقود (هي سحبت الآن موظفيها منذ بدء هجوم حفتر)، وسوف يتعين على الحكومة الإيطالية أيضاً إعادة التفاوض بشأن الاستراتيجيات والمناهج المتعلقة بتدفق الهجرة، مع شريك غير ودي، وهو حفتر.

من ناحية أخرى، سوف تستفيد فرنسا استراتيجياً من نجاح حملة حفتر في فزان. عندما بدأ تحركه باتجاه طرابلس، كان الطيران الفرنسي يمهد له الطريق بقصف الميليشيات المنتشرة هناك بمعداتها. كما ستستفيد روسيا وترتاح مصر. إذا دخل الجيش الليبي طرابلس، وكسب حفتر دعم الجهات المحلية الفاعلة لحكم البلاد، فسيفضل سياسياً واقتصادياً الحلفاء مثل فرنسا، بدلاً من مؤيدي السراج السابقين (إيطاليا).

منذ عام 2016، سعى السراج دون جدوى للحصول على دعم الجهات السياسية الرئيسية الفاعلة (القبائل) في جميع أنحاء البلاد. فقط عدد قليل منها قرر دعمه. رئيس الوزراء الليبي ضعيف سياسياً. من ناحية حفتر فإنه يسيطر على المدن الاستراتيجية الرئيسية، والأهم من ذلك حقول النفط. لذلك فقط من خلال هزيمة الجيش الوطني الليبي على أرض الواقع، يمكن للسراج استعادة بعض نفوذه ومصداقيته المفقودة.

إن خريطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة لتوحيد ليبيا تحت سلطة سياسية مركزية، تبدو الآن شبه مستحيلة التنفيذ. نشأت هذه الفكرة عند الإيطاليين عام 1911 عندما حاولوا دون جدوى توحيد جميع المناطق ومركزية السلطة. قد يكون حفتر هو الشخص الوحيد الذي لديه حالياً فرصة لحكم الإقليم بأكمله؛ لكن هذا سيكون له عواقب سياسية ودبلوماسية كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتخاطر إيطاليا بفقدان نفوذها السابق في ليبيا.

إذا فشل حفتر في توحيد البلاد، فإن الحل الوحيد الممكن هو تقسيم ليبيا إلى ثلاث مناطق مختلفة وتشجيع الاتحاد، ويبدو أن هذا يناسب وينقذ ليبيا، البلد الذي ينقسم تاريخياً إلى مناطق قبلية مع البلديات والمجالس المحلية؛ بدلاً من المؤسسات الوطنية!

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط