تسييس المناخ:

كيف تعكس السيول أزمة حكومة روحاني؟

01 April 2019


لم تكد أزمة استقالة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تهدأ، حتى اندلعت أزمة جديدة اكتسبت طابعًا سياسيًا منذ الوهلة الأولى، رغم أنها في الأساس أزمة إنسانية اجتماعية، فرضتها السيول التي اجتاحت العديد من المحافظات والمدن الإيرانية منذ نحو عشرة أيام. ورغم أن الفارق يبدو شاسعًا بين الأزمتين، إلا أن التمعن في الجدل الذي أثير بشأنهما، يشير إلى أن ثمة ارتباطًا مباشرًا بينهما، يكمن بالأساس في أنهما يلقيا الضوء على المشكلات التي تعرقل أداء الحكومة لمهامها التنفيذية في ظل تزاحم المؤسسات التي تمارس أدوارًا في عملية صنع القرار، على المستويين الداخلي والخارجي.

توقيت صعب:

تعرضت حكومة الرئيس حسن روحاني لانتقادات قوية سواء من جانب بعض مؤسسات النظام أو من قبل الشارع الإيراني، خاصة أن السيول اندلعت في فترة أعياد النيروز، على نحو استغله خصوم الرئيس روحاني من أجل إضفاء وجاهة خاصة على فشل السياسة التي تتبناها الحكومة في التعامل مع مثل هذه الأزمات، وعدم نجاح الإجراءات التي اتخذتها في احتواء التداعيات التي نجمت عنها، على غرار إقالة حاكم مدينة "اق غلا" التابعة لمحافظة گلستان التي تقطنها القومية التركمانية بسبب عدم وجوده في مقر عمله مع بداية الأزمة، وتقديم وعود بمنح تعويضات لضحايا السيول.

ففي هذا السياق، كان رئيس السلطة القضائية الجديد إبراهيم رئيسي أول من حاول الانخراط في الجدل الذي أثارته أزمة السيول، عندما شن حملة ضد الحكومة وبعض المسئولين فيها، بسبب تأخرهم في التعامل مع الأزمة، مهددًا بتقديم بعضهم إلى المحاكمة. 

ويبدو أن رئيسي يحاول في هذا السياق تأكيد قدرته على قيادة التيار المناوئ للرئيس حسن روحاني وتيار المعتدلين بشكل عام خلال الفترة القادمة، خاصة أن المؤشرات تكشف عن أن احتمال نشوب صراع على قيادة تيار المحافظين الأصوليين خلال المرحلة القادمة قائمًا وبقوة، لا سيما بين الجناح الذي يقوده رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني والجناح الذي يتزعمه الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي بدأ في توجيه اتهامات لبعض خصومه بمحاولة وضع عراقيل أمام الطموحات السياسية لجناحه عبر التفاهم حول تكوين ائتلاف سياسي محتمل للمنافسة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، وعلى رأسها انتخابات مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية، اللتين سوف يتم إجراءهما في عامى 2020 و2021 على التوالي.

وربما يسعى رئيسي أيضًا إلى توجيه إشارات بأن سياسته تبدو مختلفة عن تلك التي تبناها الرئيس السابق للسلطة القضائية ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام حاليًا صادق لاريجاني تجاه الحكومة، حيث كان لاريجاني حريصًا، إلى حد ما، على تجنب الدخول في صدام مباشر مع الحكومة أو الرئيس، وهى السياسة نفسها التي اتبعها شقيقه رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، والتي عززت قدرته على الاحتفاظ بمنصبه كرئيس للسلطة التشريعية رغم تصاعد نفوذ تيار المعتدلين بعد الوصول إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015، وقبل انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وإعادة فرضها عقوبات على إيران من جديد في 8 مايو 2018. 

المؤسسات الموازية:

لكن التحركات الأهم اتخذتها المؤسسات الموازية، سواء العسكرية أو الاجتماعية، التي شاركت في الجهود التي بذلت من أجل احتواء التداعيات التي فرضتها السيول. ورغم أن ذلك ربما يمثل نهجًا متعارف عليه في أى دولة تتعرض لكوارث طبيعية، حيث تشارك القوات المسلحة، تحديدًا، في جهود الإنقاذ، لما لديها من قدرات وبنية تحتية تدعم الإجراءات التي تتخذها الحكومات والسلطات التنفيذية في هذا الصدد، إلا أنه في حالة إيران يبدو الأمر مختلفًا. 

فقد كان لافتًا، على سبيل المثال، أن المساعدات التي قدمتها المؤسسة العسكرية لم تقتصر على القوات النظامية، ممثلة في الجيش، وإنما امتدت أيضًا إلى الحرس الثوري، وهو القوة الموازية للجيش نفسه، والذي قام بدور بارز في جهود الإنقاذ، على نحو بدا جليًا في الجولات التي قام بها قادته في المناطق التي شهدت السيول، وعلى رأسهم محمد علي جعفري الذي أجرى زيارتين لهذه المناطق. 

وتوازى مع ذلك قيام مسئولين عن بعض مؤسسات "البنياد"، وهى المؤسسات الخيرية- الاجتماعية التي تقوم بدور بارز في خدمة السياسة الخارجية للدولة، لا سيما في الدول التي تعاني من ارتفاع نسبة الفقر وتهالك البنية التحتية، بجولات مماثلة في تلك المناطق، على غرار لجنة امداد الإمام، التي قام رئيسها پرويز فتاح بزيارة مناطق السيول في محافظة گلستان، معلنًا تقديم مساعدات ومنح مادية لضحايا السيول. 

رسائل مباشرة:

وهنا، فإن الرسالة تبدو واضحة. فالمسألة لا تتعلق فقط بمشاركة الحكومة في الجهود المبذولة لاحتواء آثار السيول وتقديم مساعدات للمواطنين بسبب ما نجم عنها من خسائر بشرية ومادية لا تبدو هينة، وذلك بعد التكليفات التي أصدرها المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي في هذا الصدد. إذ لا يخلو الأمر من محاولات تبذلها تلك المؤسسات من أجل توجيه رسائل بأن الأدوار التي تقوم بها لا تقتصر على الساحة الخارجية فقط.

وبعبارة أخرى، فإن هذه المؤسسات تحاول عبر مشاركتها في جهود الإغاثة الترويج إلى أن انهماكها في خدمة أدوار إيران الخارجية وتدخلاتها في بعض دول المنطقة، على نحو تسبب في تفاقم أزماتها وعرقلة مساعي تسويتها، لم يخصم من قدرتها على ممارسة أدوار رئيسية على الساحة الداخلية.

ويبدو أنها تحاول عبر ذلك الرد على الانتقادات التي توجهها أطراف عديدة التي تتهمها بأنها تستنزف موارد الدولة في دعم أنظمة وتنظيمات في الخارج، على غرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد وحزب الله في لبنان وحركة أنصار الله الحوثية في اليمن والميليشيات التي قامت بتكوينها وتدريبها في سوريا والعراق. 

وهنا، تكتسب العلاقة بين استقالة ظريف وما فرضته من جدل وبين أزمة السيول التي تجتاح إيران في الوقت الحالي أهمية وزخمًا خاصًا. فالواضح أن المؤسسات الموازية، سواء كانت عسكرية أو اجتماعية، تريد الرد على ما ألمح إليه ظريف من أن هناك مؤسسات تزاحم الحكومة في القيام بممارسة صلاحياتها، عبر الإيحاء بأن الأخيرة لا تستطيع بقدراتها المحدودة ممارسة تلك الصلاحيات بعيدًا عن التعاون معها، أو منحها أدوارًا بارزة على الساحة الداخلية. 

وبعبارة أخرى، فإن تلك المؤسسات تسعى عبر تلك المشاركة في جهود الإنقاذ إلى توجيه رسالة بأنه لا يمكن الاستعاضة عن الأدوار التي تقوم بها، خاصة في ظل الفشل الذي اتسم به تفاعل الحكومة مع مثل تلك النوعية من الأزمات، حسب مزاعمها، وأن أدوارها في الداخل لا تقل عن ما تقوم به في الخارج.

وربما يمكن القول إن نطاق هذه الأدوار قد يتسع خلال المرحلة القادمة، التي يتوقع أن تتعرض إيران فيها لضغوط غير مسبوقة، بفعل العقوبات الأمريكية، على نحو سوف يقلص قدرة الحكومة على إدارة شئون الدولة، وسيدفعها إلى الاستناد لما تمتلكه هذه المؤسسات من إمكانيات في دعم إجراءاتها التنفيذية.

ويبدو أن ذلك كان هدفًا أساسيًا سعت تلك المؤسسات إلى تحقيقه عبر المشاركة في التعامل مع الأزمة الحالية، على نحو يعني أنها استغلت تلك الأزمة للتمهيد، أو بمعنى أدق لإعداد الشارع، للأدوار البارزة التي يمكن أن تقوم بها في المرحلة القادمة.