تفكيك التحالفات:

الدوافع غير المعلنة لقرار ترامب حول "الجولان المحتلة"

31 March 2019


على الرغم من قيام الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017 تنفيذًا لوعوده خلال حملته الانتخابية؛ إلا أن هذه الوعود لم تتضمن الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التي يتم التعامل معها من قبل المجتمع الدولي على أنها إقليم تحت الاحتلال، ولا تمتلك إسرائيل أي شرعية لضمه. وقد حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" شرعنة هذا القرار بادعاء أن لتل أبيب حقوقًا تاريخية ودينية في هضبة الجولان. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن دوافع اتخاذ هذا القرار متعددة ولا تقتصر على مجرد الدعم التقليدي من واشنطن لحليفتها إسرائيل، أو تعزيز موقف "نتنياهو" في الانتخابات المقبلة، وهو ما يناقشه هذا التحليل بشكل تفصيلي.

دوافع غير معلنة:

لا يبدو منطقيًّا أن يتخذ "ترامب" هذا القرار بشكل مفاجئ ودون دراسة مسبقة، كما أن الهدف لا يقتصر على دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في انتخابات أبريل المقبل. من جانب آخر، فإن القرار قد تترتب عليه تداعيات سلبية ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، كذلك فإن وضع "نتنياهو" في السباق الانتخابي ليس سيئًا، حيث تتجه أغلب استطلاعات الرأي إلى التأكيد بأنه سيكون الفائز في الانتخابات المقبلة، ومن ثم لا يمكن اختزال دوافع قرار "ترامب" في هذا السبب فقط. 

ويمكن ربط قرار "ترامب" بالتطورات الإقليمية الأخيرة، مثل إعلان "ترامب" نهاية تنظيم "داعش"، وعزمه سحب القوات الأمريكية من سوريا، وكذلك إعلانه عن نيته طرح خطة لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بشكل نهائي عقب الانتخابات الإسرائيلية. فعلى الرغم من أن البعض يشير إلى أن قرار "ترامب" بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية سوف يؤدي إلى تقوية التحالف بين نظام الأسد وروسيا وإيران، إلا أن العكس ممكن أيضًا، وهو ما يسعى إليه "ترامب"، حيث قد يُضطر الرئيس السوري "بشار الأسد" إلى إعادة التفكير في جدوى الاستمرار في محور غير متماسك، ولا يمتلك أدوات تأثير قوية في القضايا التي تهم سوريا حاليًّا، وهي: محاولة استعادة السيطرة على كافة الأراضي والأقاليم التي خرجت عن سيادة الدولة بعد تصاعد الأزمة السورية، وإعادة إعمار سوريا، واستعادة الجولان.

ويبدو أن "ترامب" يعتمد على تكتيكٍ مشابهٍ لإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون" الذي حاول دفع مصر للخروج من التحالف مع الاتحاد السوفيتي لاستعادة سيناء المحتلة منذ عام 1967، وذلك عن طريق الادعاء بأن الاستمرار في التحالف مع الاتحاد السوفيتي لن يضمن عودة هذه الأرض، ولا سيما مع بدء سياسة الوفاق، وهو ما يبدو أن "ترامب" يرغب في تحقيقه في هذه الحالة، حيث يسعى إلى أن تصل رسالةٌ إلى نظام "الأسد" مفادها أن روسيا وإيران تُعانيان من وضع اقتصادي مأزوم، ومن عجزٍ عن مواجهة التحالف الأمريكي-الإسرائيلي في المنطقة، وبالتالي لن تكونا قادرتين على مساعدته في الاستمرار في الحكم، وإعادة توحيد وإعمار الدولة السورية. وبعبارة أخرى، فإن عليه أن يختار بين البقاء في محور إيران-روسيا، وهو ما سيضمن له تهديد المصالح الأمريكية، لكنه سيصعب عليه تحقيق أي من أهدافه، أو أن يغير تحالفاته ويحصل على الدعم الأمريكي نتيجة قيامه بإخراج روسيا من المنطقة.

وعلى الرغم من صعوبة تحقق هذا السيناريو الذي ربما كان في خلفية قرار "ترامب" حيال الجولان؛ فإنه ليس مستبعدًا في إطار أسلوبه في إدارة ملفات السياسة الخارجية بمنطق الصفقات، وليس البناء على الحقائق الماثلة على أرض الواقع أو عبر التفاوض الطويل ولعب دور الوسيط في بعض الأحيان. 

مزاعم إسرائيلية:

أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بعد توقيع القرار على وجود حقوق تاريخية ودينية لليهود في الجولان، حيث صرّح قائلًا: "هذه الأراضي تعود لنا، ولدينا جذور تاريخية في هضبة الجولان، وعندما تحفر هناك بالمعول تعثر على كنيس يهودي فاخر نرممه الآن. عدنا إلى الجولان، وهي لنا بحق تاريخي وبموجب حقنا في الدفاع عن النفس، والرئيس "ترامب" اعترف بذلك".

ولم تختلف كثيرًا كلمته عبر الفيديو من مقر وزارة الدفاع في تل أبيب للمؤتمر السنوي للجنة العلاقات العامة الأمريكية-الإسرائيلية "أيباك" المنعقد في واشنطن، حيث قام رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" بتوجيه الشكر لـ"ترامب" على قراره. كما صرّح قائلًا: "لا غنى عن مرتفعات الجولان للدفاع عنا وعن تاريخنا، لن نتخلى عنها أبدًا، إنها جزء من إسرائيل"، مشيرًا إلى أن القرار جاء في سياق عدة قرارات تاريخية اتخذها الرئيس الأمريكي على حد تعبيره بما فيها الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ونقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس، والانسحاب من الاتفاق الدولي مع إيران. وهو ما يختلف عن الخطاب السائد حتى في أوساط الصهاينة المتدينين الذين لم يسبق وأن ادّعوا وجود رابطة تاريخية لليهود بالجولان، وهو ما يبدو أنه محاولة من "نتنياهو" لتوسيع مبررات القرار الأمريكي، وجعله غير مقصور على الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان لدواعٍ أمنية تخص إسرائيل، بل أيضًا تمتد لتشمل الاعتراف بحقوق دينية وتاريخية لليهود بها، ويعكس هذا عدم اقتناع "نتنياهو" بأن القرار الأمريكي نهائي ولا يمكن الرجوع عنه. 

توظيف أنقرة للقرار:

قد تمتد تأثيرات هذا القرار أيضًا إلى تركيا، فمن ناحية يمكن أن تقوم أنقرة باستغلال تبرير "ترامب" لقراره بأنه يدعم الأمن الإسرائيلي للزعم بأن تركيا أيضًا لها الحق في الاستيلاء علي بعض الأراضي السورية لتأمين حدودها في الشمال، ووسيلة للمساومة ضد محاور القوى الأخرى في المنطقة وعلى رأسها إسرائيل.

كما أنّ أنقرة تعتقد أن هذا القرار سيضمن لها دورًا إقليميًّا أوسع، حيث صرّح وزير خارجيتها "مولود جاويش أوغلو" بأن بلاده ستقوم بالدور اللازم في جميع المحافل الدولية، ومنها الأمم المتحدة، ضد قرار الرئيس "ترامب" بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان. 

وسيؤدي الموقف التركي إلى زيادة الخلافات بينها وبين واشنطن، وقد تتسع هذه الخلافات في حال قيام "ترامب" بطرح مبادرته لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي التي لن يكون لتركيا دور في الترتيبات الإقليمية التي ستنجم عنها إذا ما أمكن تمريرها، وبالتالي فإن قرار "ترامب" سيدفع تركيا وروسيا وإيران مؤقتًا نحو مزيدٍ من التفاهم حول إدارة الوضع في سوريا، ولكن مثل هذا التفاهم لن يستمر طويلًا، وقد تظهر الخلافات بين هذا المحور الهشّ سريعًا، خاصة وأن إخراج إيران وروسيا من سوريا سيظل هدفًا استراتيجيًّا للولايات المتحدة وحلفائها.