فرص مشروطة:

انتخابات إسرائيل..هل ينهي "تحالف الجنرالات" حقبة نتنياهو؟

14 March 2019


يأتي انعقاد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، في أبريل 2019، في خضم تحولات داخلية مفصلية، يتمثل أهمها في الاتهامات القضائية التي تم توجيهها لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، وسعي الأحزاب اليمينية لاستقطاب مؤيدي الليكود، فضلًا عن صعود "كاحول لافان" أو ما تطلق عليه وسائل الإعلام "تحالف الجنرالات"، إلا أنه -من المرجح- أن تظل الأحزاب اليمينية قادرة على تكوين جبهة قوية تؤهلها لقيادة الحكومة الائتلافية مقارنة بأحزاب الوسط واليسار. 

تحالف الجنرالات: 

لن تكون انتخابات أبريل المقبل في إسرائيل مثل سابقاتها التي مكنت "بنيامين نتنياهو" من البقاء في منصب رئيس الحكومة على مدار عشر سنوات متتالية، حيث تتزايد حالةُ الاستقطاب بين حزبين أو كتلتين كبيرتين على غرار الفترة التي هيمن فيها حزبا العمل والليكود على الحياة السياسية هناك حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي. بيد أن الوضع قد تغير في الفترة الحالية، حيث لا يزال الليكود محتفظًا بمكانته وقوته، فيما تراجع حزب العمل.

في المقابل، صعد حزب "يش عتيد" (يوجد مستقبل) الذي يخوض الانتخابات بقائمة مشتركة مع حزب "حوسين ليسرائيل" (مناعة لإسرائيل) برئاسة الفريق المتقاعد "بيني جانتس"، بالإضافة إلى حزب "تيليم" (الحركة الوطنية القومية) بزعامة وزير الدفاع الأسبق "موشيه يعلون"، وقد أطلق هذا التحالف الثلاثي على نفسه اسم "كاحول-لافان" (أزرق-أبيض) في إشارة إلى علم إسرائيل.

وفي هذا السياق، يُمكن الإشارة إلى المحدِّد الرئيسي الذي يؤثر على اختيار الناخب الإسرائيلي، ألا وهو الأوضاع الأمنية، إذ لا يزال الناخبون الإسرائيليون مسكونين بالخوف بسبب ميراث الشخصية اليهودية تاريخيًّا، والمواجهات المستمرة مع الأطراف الأخرى التي تسعى لتدمير دولتهم، حسب تصورهم. وكل هذا يدفعهم إلى إعطاء أصواتهم للزعيم أو الحزب الذي يعدهم بالأمن، بغض النظر عما يحمله هذا التوجه من مخاطر على العملية الديمقراطية، وفِي القلب منها فكرتا تداول السلطة، ووضع العسكريين داخل النظام السياسي، وهو ما أدى إلى هيمنة حزب واحد على السلطة في كثيرٍ من الأحيان.

وتُشير السوابق التاريخية إلى أن هيمنة الحزب الواحد على السلطة لا تنكسر إلا بوجود أزمة أمنية كبيرة كما حدث في أعقاب حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ التي أدت نتائجها لاحقًا إلى فقدان حزب العمل هيمنته على الحكم، والتي امتدت ما يقرب من ٢٩ عامًا، أو كما حدث بعد صدمة نتائج الحرب مع "حزب الله" اللبناني عام ٢٠٠٦ التي تسببت في التدهور التدريجي الثاني لمكانة حزب العمل ولتكتلات يسار الوسط ويمينه (حزب كاديما). 

تحديات متصاعدة:

تتزايد الضغوط التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في الانتخابات المقبلة، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

1- اتهامات الفساد: يواجه "نتنياهو" اتهامات في ثلاث قضايا فساد، أولها اتهام له بمنح شركة الاتصالات الإسرائيلية "بيزك" معاملة تفضيلية، مقابل تقديم تغطية إيجابية عنه في موقع إخباري يخضع لسيطرة الرئيس السابق للشركة. بالإضافة إلى اتهامه بتلقي هدايا دون وجه حق من المنتج السينمائي الإسرائيلي "آرنون ميلشان" ومن رجل الأعمال الأسترالي "جيمس بيكر". بالإضافة إلى وجود ادعاءات تشير إلى أنه تفاوض مع مالك "يديعوت أحرونوت" للحصول على تغطية صحفية قوية مقابل تمرير تشريع يحد من نمو صحيفة أخرى منافسة.

وفي هذا الإطار، أصدرت وزارة العدل الإسرائيلية بيانًا في نهاية فبراير 2019 تشير فيه إلى أن المدعي العام يعتزم توجيه اتهامات لـ"نتنياهو" في ثلاث قضايا فساد، وعلى الرغم من أن ذلك لن يترتب عليه -قانونًا- خروج "نتنياهو" من السباق الانتخابي، إلا أن هذا الأمر سيؤثر على صورته بشكل كبير. 

2- تهديدات اليمين: تسعى الأحزاب اليمينية الإسرائيلية إلى استقطاب الناخبين المؤيدين لحزب الليكود، مثل: حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة وزير الدفاع السابق "أفيجدور ليبرمان"، وحزب "كولانو" الذي يقوده "موشيه كحلون" الذي انشق عن الليكود، بالإضافة إلى بعض الأحزاب الجديدة مثل "اليمين الجديد" الذي يقوده "نفتالي بينيت" الذي قام بتوجيه انتقادات حادة لـ"نتنياهو" إبان مشاركته في الائتلاف السابق عندما كان زعيمًا لحزب البيت اليهودي.

من جانب آخر، توجد بعض الأحزاب الصغيرة التي لا تُعلن عداءها لـ"نتنياهو"، ولكنها تنافسه على أصوات مؤيدي اليمين، مثل حزب "تسوميت" الذي أسسه "أورين حزان" نائب حزب الليكود السابق، ولا يتوقع أن تتجاوز مثل هذه الأحزاب نسبة الحسم (3.25%) مما يعني أنه ليس فقط انتقاصًا من أصوات الليكود بل إهدار أصوات كانت نظريًّا في صالح جبهة الأحزاب اليمينية. 

3- تحالف الجنرالات: لطالما استغل "نتنياهو" النزعة الاشتراكية لحزب العمل بشركائه في الانتخابات السابقة لكي يزرع الخوف في نفوس الناخبين الإسرائيليين، مذكرًا إياهم بأن اليسار الإسرائيلي مهما استخدم تسميات مثل "إسرائيل واحدة" أو "المعسكر الصهيوني"؛ إلا أنه مسئول عن تهديدات أمن إسرائيل بدايةً من حرب أكتوبر ونتائجها مرورًا باتفاق أوسلو الذي مكّن الفلسطينيين من الحصول على السلاح، وذلك حسب ادعاءات "نتنياهو".

في المقابل، يؤكد "نتنياهو" أن حزب الليكود واليمين هم الأقدر على تحقيق الأمن مقارنة بأحزاب اليسار التي تفتقد الحس الأمني، وعلى النقيض من هذا يواجه "نتنياهو" الآن تحالف الجنرالات "كاحول لافان" الذي لم يوصف أحد من قادته باليسارية مسبقًا، كما يمتلك بين صفوفه خبراء عسكريين شغلوا أعلى المناصب الأمنية، مثل: "بيني جانتس"، و"جابي أشكنازي"، و"موشيه يعلون"، مما يعني قدرتهم على النهوض بالعبء الأمني على أفضل وجه. لذلك، يبدو من الصعب على "نتنياهو" استخدام العبارة التاريخية التي تقول "حذارِ من اليسار وممن يفتقدون الخبرات الأمنية" ضد منافسيه في "كاحول لافان".

فرص "كاحول لافان":

تؤكد استطلاعات الرأي الأخيرة في إسرائيل أن فرص "كاحول لافان" في هزيمة "نتنياهو" كبيرة، حيث تشير أغلب هذه الاستطلاعات إلى تخطي "كاحول لافان" لليكود بما يتراوح بين 5 إلى 9 مقاعد، وعلى الرغم من ذلك فإنه ينبغي التعامل مع هذه الاستطلاعات بحذر، فمنذ عام 1996 فشلت أغلب الاستطلاعات في التنبؤ الدقيق بنتائج الانتخابات في ظل وجود نسب مرتفعة من العينة التي يجري عليها الاستطلاع تؤكد عدم حسمها للحزب الذي ستصوت له.

وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تغير حاد في النتائج المتوقعة مع دخول هذه الفئة إلى مراكز الاقتراع لاحقًا، كما توجد شكوك لدى البعض بوجود تلاعب من جانب بعض الجهات التي تشرف على إجراء الاستطلاعات بهدف التأثير على توجهات الناخبين، سواء لانحيازها إلى جانب أحد الأحزاب، أو خضوعها لنفوذ الجهات التي تقوم بتمويل الاستطلاعات. ويبدو أن الأمر لن يختلف كثيرًا في الانتخابات المقبلة بسبب انتشار تهم الموالاة أو العداء لهذا الحزب أو ذاك بين معاهد الاستطلاعات، خاصة تلك التي تتبع الصحف الكبرى في إسرائيل.

من جانب آخر، يُمكن القول إن البيئة التي كانت تلازم عمليات الانقلاب الحاد في مزاج الناخب الإسرائيلي (عجز الحزب الحاكم عن النهوض بالعبء الأمني) غير متوافرة برغم الانتقادات التي توجه لليكود بسبب سياساته تجاه تهديدات حركة حماس لسكان الجنوب، وبالتالي قد يحد ذلك من فرص فوز "كاحول لافان" بمثل هذه الفوارق مع الليكود التي تظهرها الاستطلاعات الأخيرة، وحتى مع وجود جنرالات كبار في صفوف هذا الحزب، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن الناخب الإسرائيلي يمكن أن يراهن عليه كبديل لليكود، حيث تشير السوابق إلى أن وجود الجنرالات في حزب العمل من وزن "إيهود باراك" أو "عمرام متسناع" لم يشفع له في مواجهة الليكود. 

ختامًا، ستكون الانتخابات الإسرائيلية القادمة سباقًا بين قوتين كبيرتين لأول مرة خلال السنوات العشر الماضية، وقد تأتي النتائج متقاربة بين الليكود وكاحول لافان، لكن ستظل فرص "نتنياهو" في الفوز برئاسة الحكومة مجددًا قائمة، إذ من المتوقع أن يكون تمثيل الأحزاب اليمينية في الكنيست القادم أكبر من قدرة "كاحول لافان" على تكوين جبهة قوية من أحزاب الوسط وحدها، كما أنه قبل بالتحالف مع حزب يساري صغير مثل "ميريتس" الذي تبلغ نسبة تمثيله في الكنيست ما يتراوح بين 4 إلى 5 مقاعد، وهو ما لن يكون مفيدًا له عند تشكيل الائتلاف الحكومي، في ظل حرصهم على الابتعاد عما يمكن أن يصمهم باليسارية، وهو الأمر الذي قضى في السابق على حزب العمل. وما لم تتم إدانة "نتنياهو" رسميًّا في قضايا الفساد التي تطارده فإنه يصعب القول بأن حقبة "نتنياهو" في إسرائيل قد أوشكت على الانتهاء.