توافقات مرحلية:

تأثير تفاهمات "سوتشي" على مسارات الأزمة السورية

18 February 2019


رغم أن القمة الحالية التي تعقد اليوم في سوتشي بين ضامني "الآستانة" هى الرابعة بين الرؤساء الروسي فيلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني والتركي رجب طيب أردوغان، إلا أنها اكتسبت أهمية وزخمًا خاصًا لاعتبارات عديدة، ترتبط بالتداعيات المحتملة التي يمكن أن يفرضها الانسحاب الأمريكي من سوريا، إلى جانب التصعيد المستمر سواء بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران أو بين تركيا والميليشيات الكردية، لا سيما "قوات سوريا الديمقراطية". لكن تأثير النتائج التي يمكن أن تخرج عنها القمة الحالية على مسارات الأزمة في سوريا سوف يرتبط بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه التفاهمات القائمة بين الأطراف الثلاثة، والتي لا يبدو أنها سوف تستمر لفترة طويلة، بسبب التطورات المتسارعة التي طرأت على الساحة السورية.

اعتبارات عديدة:

تعد قمة سوتشي الحالية هى الأولى من نوعها بعد القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 19 ديسمبر 2018، بالانسحاب من سوريا، على نحو يتوقع معه أن تكون تداعيات هذا القرار على قمة المباحثات التي سوف تجري بين الرؤساء الثلاثة، باعتبار أنه يؤثر على رؤية الدول الثلاثة للترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على صياغتها في سوريا خلال الفترة الحالية.

ومع أن روسيا وتركيا اعتبرتا أن القرار الأمريكي يتسم بـ"الضبابية"، إلا أن ذلك لا ينفي أن الدولتين تحاولان في الوقت الحالي التوصل إلى توافقات حول القضايا التي تحظى باهتمام مشترك من جانبهما، لا سيما أن هذا القرار يؤثر بشكل مباشر على تلك القضايا، التي يأتي في مقدمتها الموقف من الميليشيات الكردية، والتنظيمات الإرهابية والمسلحة التي تتواجد في إدلب، بعد خروجها من المناطق التي جرى التوصل إلى صفقات بشأنها بين الأطراف المعنية بالصراع السوري. 

ويبدو أن روسيا سوف تحاول بداية من القمة الحالية استغلال الارتباك الذي تتسم به السياسة التركية في سوريا، بعد الخطوة التي أعلنت عنها واشنطن، من أجل تسوية ملف إدلب، الذي كان محور تفاهمات بين الطرفين في سوتشي خلال اللقاء الذي عقد بين الرئيسين بوتين وأردوغان في 17 سبتمبر 2018.

وقد لا تصل المسألة إلى حد إبرام صفقة مقايضة بين ملفى إدلب ومنبج، باعتبار أن هناك أطرافًا أخرى منخرطة ولها مصالح ووجود في المنطقة الأخيرة، على نحو لا يوفر هامشًا واسعًا من حرية الحركة لموسكو وأنقرة، وإنما ربما تتركز حول حسم الوضع في إدلب وتحويل التفاهمات الحالية من مؤقتة إلى دائمة.

وقد انعكس ذلك في التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في 13 فبراير الحالي، وقال فيها أن "الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الرئيسين بوتين وأردوغان في سبتمبر الماضي بشأن حل الأزمة في إدلب كان اتفاقًا مؤقتًا، وتم تأكيده مرات عديدة في الاجتماعات التي جرت بين قادتنا، ولا يوجد اتفاق يشير إلى الحفاظ المستمر على تلك البؤر الإرهابية على الأراضي السورية".

رسائل متوازية:

كان لافتًا أن اجتماع سوتشي الرابع يعقد بالتوازي مع القمة الدولية التي دعت إليها الولايات المتحدة الأمريكية وتشارك فيها 60 دولة في وارسو، لبحث التحديات التي تواجه الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها الخلافات المتعددة مع إيران، خاصة على الصعيدين النووي والإقليمي.

وهنا، فإن هذا التزامن ربما كان متعمدًا لتوجيه رسالة بأن إيران ما زالت رقمًا رئيسيًا في الصراع داخل سوريا، وأنها ما زالت قادرة على تأسيس علاقات قوية مع أطراف إقليمية ودولية، على عكس الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل فرض عزلة دولية وإقليمية عليها لدفعها إلى إجراء تغيير في سياستها باتجاه الاستجابة للمطالب الأمريكية الخاصة بالاتفاق النووي والدور الإقليمي والبرنامج الصاروخي فضلاً عن دعم الإرهاب. 

حدود محتملة:

مع ذلك، فإن تأثير النتائج التي سوف تخرج عن القمة الحالية في سوتشي على مسارات الأزمة السورية سوف يرتبط بمدى قدرة الأطراف الثلاثة على الوصول إلى تسويات للخلافات العالقة بينهم والتي لا تبدو ثانوية.

إذ يمكن القول إن التوافقات الحالية ما زالت مؤقتة، وأن الخلافات القائمة قد تكون كفيلة بتقليص أهميتها وتأثيرها، في حالة ما إذا تصاعدت حدتها أو فشلت الأطراف الثلاثة في احتواءها أو تحييد تداعياتها على الأقل. 

إذ أن أية تفاهمات محتملة بين روسيا وتركيا حول إدلب سوف تواجه تحديات عديدة، أهمها صعوبة الحفاظ عليها أو ضبط ردود فعل الأطراف المعنية بها، خاصة في حالة ما إذا تركزت حول حسم الوضع النهائي فيها بهدف إعادتها إلى سيطرة القوات النظامية السورية. 

كما أن الأطراف الأخرى، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا إلى جانب الميليشيات الكردية، لن تقبل بتمرير تلك التفاهمات في حالة ما إذا وصلت إلى إبرام تسوية ما حول الوضع في منبج وشرق الفرات. 

فضلاً عن ذلك، فإن تزايد احتمالات اندلاع مزيد من المواجهات بين إسرائيل من جهة وكل من إيران والنظام السوري وحزب الله من جهة أخرى، حتى لو كانت محدودة بهدف الحفاظ على الوضع القائم أو عدم الخروج عن معادلة التوازن، قد يكون من شأنه إرباك التوافقات الإيرانية- الروسية داخل سوريا وربما إنضاج الخلافات العالقة بين الطرفين، على نحو قد يضع حدودًا للتنسيق بين موسكو وطهران حول الترتيبات السياسية والأمنية بعد تراجع حدة الصراع العسكري داخل سوريا خلال المرحلة الأخيرة. 

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن قمة سوتشي قد تعزز التوافقات بين الأطراف الثلاثة حول بعض الملفات مثل اللجنة الدستورية، إلا أن حدود تأثيرها سوف تعتمد على متغيرات أخرى مهمة، يتمثل أبرزها في مدى قبول الأطراف الأخرى المعنية بتطورات الصراع السوري والمنخرطة فيه لها، والمعطيات التي يمكن أن تفرضها التطورات الجديدة التي تشهدها الملفات الأخرى، وعلى رأسها الوضع في كل من إدلب ومنبج وشرق الفرات.