ارتدادات محتملة:

لماذا تهتم إيران بأزمة فنزويلا؟

27 January 2019


تتابع إيران بدقة وحذر تطورات الأزمة السياسية التي تشهدها فنزويلا في الفترة الحالية، بعد أن أعلن رئيس البرلمان وزعيم المعارضة خوان غويدو، في 23 يناير 2019، نفسه "رئيسًا بالوكالة"، حيث سارعت إلى إبداء دعمها للرئيس نيكولاس مادورو، وتوجيه انتقادات للسياسة التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصدد. ومن دون شك، فإن اهتمام إيران بتطورات الأزمة في فنزويلا، التي ربما تؤدي إلى تأسيس حكومتين متوازيتين، لا يرتبط فقط بالعلاقات القوية التي أسستها الأخيرة مع طهران، منذ عهد الرئيس السابق هوجو شافيز، على نحو بدا جليًا في حرصها على إرسال وفد رفيع المستوى برئاسة وزير الدفاع امير حاتمي، في 10 يناير الجاري، إلى فنزويلا للمشاركة في أداء مادورو اليمين الدستورية، بالتوازي مع تفاقم الأزمة الحالية، وإنما يتصل أيضًا برؤية إيران للتداعيات التي يمكن أن يفرضها سقوط نظام مادورو على موقفها من الضغوط الأمريكية التي تتوقع أن تتفاقم في الفترة القادمة، وربما تحسبها لاحتمال أن تشهد أزمة مماثلة، بعد أن اتسع نطاق خلافاتها مع الشارع الإيراني وتزايد تأثير قوى المعارضة، التي باتت تحظى باهتمام دولي لا يمكن تجاهله، عليه. 

اعتبارات مختلفة:

سارعت إيران إلى تقديم دعمها لنظام الرئيس نيكولاس مادورو، رافضة أى محاولة للتغيير بشكل غير قانوني، ومعتبرة في الوقت نفسه أن الموقف الأمريكي من أزمة فنزويلا يمثل تدخلاً مباشرًا في شئونها الداخلية، بل إنها أوعزت حتى إلى الميليشيات الحليفة لها، على غرار حزب الله، لتبني موقف مشابه من الأزمة في كراكاس. وفي الواقع، فإن هذا الاهتمام يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات ثلاثة رئيسية تتمثل في:

1- حليف دولي: ترى إيران أن فنزويلا تمثل حليفًا دوليًا دعم تأسيس علاقات قوية معه، مصالح إيران، خاصة فيما يتعلق بمحاولات الأخيرة تشكيل تحالف لاتيني مناهض للسياسة الأمريكية، على نحو بدا جليًا في الدعم الإيراني لتأسيس كل من فنزويلا وكوبا لما يسمى بـ"التحالف البوليفاري" عام 2004، الذي تبنى سياسات مناوئة للولايات المتحدة الأمريكية، وأعلن دعمه لبعض القضايا التي تحظى باهتمام خاص من جانب إيران، على غرار أزمة برنامجها النووي والصراع في سوريا.

وسبق أن تبنت فنزويلا تحديدًا مواقف مماثلة. فعلى سبيل المثال، رفضت الأخيرة، إلى جانب روسيا التي استخدمت حق الفيتو، مشروع القرار الذي تقدمت به فرنسا وأسبانيا إلى مجلس الأمن، في 8 أكتوبر 2016، وكان يدعو إلى وقف عمليات القصف في حلب، ووافقت في الوقت نفسه على المشروع الذي تقدمت به موسكو ولم يحظ بتأييد داخل المجلس. 

وهنا، فإن إيران لا تستبعد أن يكون قسمًا من الخلافات المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا مرتبطًا بالنفوذ الذي سعت إلى تأسيسه في أمريكا اللاتينية عبر بوابة كراكاس، على نحو بدا جليًا في التحذيرات المتوالية من جانب بعض المسئولين الأمريكيين من تأثيرات العلاقات بين إيران وفنزويلا. ولذا فإن بعض المسئولين الإيرانيين اعتبروا أن الموقف الأمريكي كان له دور بارز في اتجاهات الأحداث داخل فنزويلا، على نحو انعكس في تصريحات مساعد رئيس مجلس الشورى للشئون الدولية حسين امير عبد اللهيان، التي قال فيها أن "الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يصر على تشجيع الفوضى والحرب الأهلية من خلال التدخل واستغلال الوضع الداخلي في فنزويلا".

وبدأت إيران، بالتوازي مع ذلك، في إجراء اتصالات مع بعض الدول التي تسعى إلى التوسط لتسوية الأزمة سياسيًا، على غرار المكسيك وأوروغواى، على أساس أن ذلك يمكن أن يساعد، في رؤيتها، على احتواء فرص اتجاه الأزمة نحو مسارات لا تتوافق مع مصالحها.

2- تعزيز الضغوط: ترى اتجاهات عديدة في إيران أن أى تغيير سياسي محتمل في فنزويلا يعني إضعاف ما تسميه بـ"محور الممانعة" التي تشارك فيه على المستوى الدولي، بشكل سوف يساهم في تقليص قدرتها على مواجهة الضغوط القوية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية ضدها، بسبب الخلافات المتصاعدة حول الأدوار التي تقوم بها داخل دول الأزمات، إلى جانب الاتفاق النووي والبرنامج الصاروخي.

وفي رؤية هذه الاتجاهات، فإن هذه التطورات تتوازى مع اتساع نطاق التوتر في العلاقات بين إيران والدول الأوروبية، على خلفية العقوبات الأخيرة التي فرضتها على الأولى بسبب محاولاتها تنفيذ عمليات إرهابية داخل أراضيها تستهدف من خلالها بعض عناصر قوى المعارضة الإيرانية، وتهديدات أوروبا المتواصلة بتطبيق المزيد منها في المرحلة القادمة، رغم حرص الطرفين على تفعيل آلية الأغراض الخاصة التي يمكن من خلالها مواصلة التعاملات التجارية في ظل العقوبات الأمريكية.

وبعبارة أخرى، فإن إيران ترى أن تغيير نظام مادورو، في حالة حدوثه، سوف يؤدي إلى تزايد تأثير العزلة الدولية التي تتعرض لها، بعد أن بدأت مساحة التباينات في الاتساع بينها وبين بعض القوى الإقليمية والدولية التي كانت تدعمها في السابق، على نحو سوف يؤثر على موقفها من الضغوط الأمريكية.

3- مخاوف داخلية: لا يبدو أن النظام الإيراني يستبعد احتمال تكرار الأزمة نفسها في طهران. ورغم تأكيد مسئوليه قدرته على التعامل مع ما يسمونه بـ"التهديدات" التي وصلت إلى داخل الأراضي الإيرانية، إلا أن ذلك لا ينفي أنه بدأ خلال الفترة الأخيرة في التركيز على توجيه اتهامات لأطراف في الداخل بالتنسيق مع قوى خارجية من أجل تقويض دعائمه.  

ومع أن هذه المزاعم كان الهدف منها هو تقليص أهمية وتأثير الاحتجاجات الداخلية وتعزيز قدرة السلطات على احتواءها، من خلال تدشين حملة داخلية تزعم أن هذه الاحتجاجات مفتعلة للرد على ما يقوم به النظام في الخارج، إلا أن ذلك لا ينفي أن النظام ربما يتوقع في المرحلة القادمة أن يتصاعد تأثير قوى المعارضة أو دور الشارع، على نحو يمكن أن يهدد بقاءه بالفعل في السلطة.

ومن دون شك، فإن المُحفِّزات التي يمكن أن تدفع في اتجاه هذا السيناريو قائمة بقوة، على غرار فشل الحكومة في احتواء تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الدولة في الفترة الحالية ويرجح أن تتفاقم في المرحلة القادمة على ضوء العقوبات الأمريكية واقتراب انتهاء المهلة التي منحتها الولايات المتحدة الأمريكية لبعض الدول لاستيراد النفط الإيراني قبل التوقف عن شراء المزيد منه. 

وقد تزايدت احتجاجات المعلمين وعمال بعض المصانع في الفترة الأخيرة، بشكل يشير إلى أن إيران ربما تكون مقبلة على مرحلة جديدة من التصعيد بين النظام والشارع، على نحو يتوقع الأول أن يحظى باهتمام خاص من جانب القوى الدولية، لا سيما بعد أن تمكنت بعض جماعات المعارضة من استقطاب اهتمام تلك القوى تجاه الممارسات التي يقوم بها النظام في الداخل.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن إيران سوف تواصل إجراء عملية مراجعة دقيقة لما يحدث داخل فنزويلا، على أساس أن المسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها التطورات التي تشهدها الأخيرة سوف تؤثر، بدرجة ما، سواء على موقفها من السياسة الأمريكية أو من التصعيد المتوقع في الداخل خلال المرحلة القادمة.