تصعيد أم ردع؟

تأثيرات تعزيز روسيا للدفاع الجوي السوري بـ "إس-300"

10 October 2018


أدى قيام روسيا بإمداد القوات السورية بمنظومات الدفاع الجوي من طراز "إس – 300" إلى تحولات في معادلات توازن القوى على الساحة السورية، إذ يرجح أن تتسبب هذه المنظومات في تحجيم الهجمات الجوية الإسرائيلية على سوريا، وهو ما سيدفع تل أبيب للاستعانة بمقاتلات "إف – 35" وقدرات عسكرية أكثر تطورًا للتصدي للوجود العسكري الإيراني في سوريا، بالإضافة إلى التفاوض مع موسكو لتفادي تجدد الصدام في الأجواء السورية، واللجوء لتدمير الأسلحة الإيرانية بعد وصولها إلى "حزب الله" اللبناني، وهو ما سيؤدي لتصعيد عسكري على الجبهة اللبنانية.

اختراق الخطوط الحمراء:

دخلت الأزمة السورية مرحلة جديدة من التعقيد مع إعلان وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويجو" في بداية أكتوبر عن تسليم منظومة "إس-300" إلى الحكومة السورية، وهو ما يُعتبر مؤشرًا على اختلال التفاهم الروسي الإسرائيلي المبرم منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا في أواخر عام 2015، ويُعتبر تعزيز شبكة الدفاع الجوي السورية بهذه المنظومة كسرًا "لقواعد اللعبة" المعمول بها حتى الآن، حيث تشكل نقلة نوعية في تطوير قدرات النظام السوري الدفاعية، مما قد يُجبر الأطراف الأخرى المنخرطة في الصراع على اتباع آليات جديدة، والاعتماد على أسلحة أكثر تقدمًا لتلافي وقوع خسائر فادحة، فمع وضع هذه المنظومة تحت تصرف القوات السورية، لم يعد التنسيق الروسي-الإسرائيلي قبل كل ضربة جوية ضمانًا كافيًا للقوات الجوية الإسرائيلية التي كانت تخترق الأجواء السورية بحرية تامة.

وتأتي هذه الصفقة في ظل إسقاط طائرة "اليوشن- 20" بصاروخ دفاع جوي سوري عن طريق الخطأ، وذلك في 17 سبتمبر 2018. وقد أشار تقرير وزارة الدفاع الروسية إلى أن الجيش الروسي تلقى اتصالًا من القيادة الإسرائيلية يفيد بأنها ستقوم بضرب منطقة في شمال سوريا، ولهذا طلبت روسيا من طائرتها التي كانت تراقب إحدى مناطق خفض التصعيد في إدلب بالعودة إلى القاعدة، بيد أنه بعد دقيقة من الاتصال ضربت تل أبيب هدفًا في اللاذقية غرب سوريا.

 وأدت هذه المعلومات المضللة إلى صعوبة إرشاد الطائرة الروسية إلى مكان هبوط آمن، كما بدأت إحدى طائرات "إف-16" الاقتراب من الطائرة الروسية واستخدامها كغطاء لها، ولهذا رصد الدفاع الجوي السوري هذه الطائرة على أنها تعاود الإغارة، وفي هذا الإطار صرح "إيجور كوناشينكوف" الناطق العسكري الروسي في 23 سبتمبر 2018 بأن "المقاتلات الإسرائيلية استخدمت "اليوشن-20" كغطاء من الصواريخ المضادة للطائرات، واستمرت في مراقبة المنطقة حتى بعد وقت طويل من سقوط الطائرة الروسية، وأن أفعال الطيارين الإسرائيليين تعكس إما عدم احترافهم وإما إهمالهم الإجرامي على أقل تقدير، وهذا رد ناكر لجميل كل ما فعلته روسيا لإسرائيل"، وقد جاء رد الفعل الروسي على هذه الحادثة متمايزًا عن سلوك روسيا المعتاد في سوريا والقائم على حفظ التوازن في العلاقة بين جميع الأطراف المتدخلة في الأزمة السورية، كما كشف عن تصاعد الخلافات بين الجانب الإسرائيلي والروسي، وساهم في اتساع هذه الخلافات قيام إسرائيل بشن ما يقدر بحوالي 200 غارة جوية خلال آخر 18 شهرًا في سوريا، مما زاد الضغط على روسيا من جانب حليفيها إيران وسوريا.

ما بعد "إس – 300":

تسلمت سوريا في بداية أكتوبر 3 وحدات من منظومة "إس -300" يستطيع كل منها القيام بالرصد والتصدي للعديد من الأهداف، وعلى مدى يتراوح بين 250 إلى 300 كلم، وأفادت بعض التقارير بأن هذه المنظومة المتطورة تتميز عن "إس - 200" التي يمتلكها النظام السوري حاليًّا بأنها قادرة على مواجهة الصواريخ الباليستية وبعض أنواع الطائرات المتطورة، وهو ما سيكون له عدد من التداعيات يمكن الإشارة إليها فيما يلي:

1- ضبط المجال الجوي السوري: يرى بعض المحللين أن روسيا عمدت إلى استغلال حادثة إسقاط الطائرة "اليوشن-20" كذريعة لوضع حد للطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية، حيث كانت تنتظر حدوث خطأ ما لضبط المجال الجوي السوري تحت حجة حماية أمن منشآتها وجنودها، بيد أن محاولات روسيا لمنع أو إحباط الغارات الإسرائيلية عبر إقحام منظومة "إس-300" من الممكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية تتعارض مع الرغبات الروسية، وتزيد من فرص تفاقم النزاع وتحوله إلى حرب إقليمية، حيث إن ضرب الطائرات الإسرائيلية قد يعقبه استهداف إسرائيلي لبطاريات الصواريخ، ويبدو أن إسرائيل تستعد لهذا الاحتمال حيث صرح مستشار الأمن القومي الإسرائيلي "يعقوب عميدرور" بـ"أن هذه المنظومة الدفاعية تشكل تحديًا ليس بسيطًا لإسرائيل، ونحن نتعامل مع ذلك بطرق مختلفة، وليس بالضرورة من خلال منع نقلها، وإنما أيضًا من خلال تعطيلها عسكريًّا".

2- استمرار الهجمات الإسرائيلية: حققت إسرائيل عبر ضرباتها الجوية في سوريا مجموعة من الأهداف، مثل: إعاقة مزيد من التمدد الإيراني داخل سوريا، وتخفيض تدفق السلاح إلى "حزب الله"، واستهداف بعض المواقع السورية، وقد تحاول تل أبيب خلال الفترة المقبلة تهدئة أجواء التوتر مع روسيا حتى لو كان ذلك لفترة مؤقتة، وبالتالي قد توقف ضرباتها الجوية فوق سوريا، وتقوم بالتواصل مع روسيا لبحث إمكانية تنسيق الغارات من دون الوقوع في أي صدامات.

كما قد تستمر الغارات مع تدريب الطيران الإسرائيلي على الاستدارة واستغلال ثغرات "إس-300" والبحث عن مناطق عمياء في المنظومة الجوية الروسية. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى المناورات الإسرائيلية مع اليونان في عام 2015 التي شملت التدريب على كيفية التشويش على نظم الدفاع الجوي الروسية من طراز "إس-300" والتي تمتلكها اليونان، بالإضافة إلى أن إسرائيل قد تلجأ إلى استخدام الطائرات الأمريكية من طراز "إف-35" والتي تتمكن لديها إمكانية تحديد كافة أماكن الانبعاثات الرادارية مما يمكنها من تحديد الدفاعات الجوية والطائرات الأخرى، وقد نشرت مجلة National Interest) The) تقريرًا في أكتوبر 2018 يفيد بأن المقاتلة "إف-35" قادرة على التغلب على صواريخ "إس-300".

3- التفاوض بين روسيا وإسرائيل: يرغب الجانب الروسي في فرض رؤيته حول كيفية حل الصراع في سوريا، ومع اقتراب التسوية النهائية للصراع السوري -حسبما يرى بعض المحللين- فإن إدخال منظومة "إس-300" يمكن أن يعتبر محاولة من روسيا لضبط آخر محاور الصراع العسكري التي تدور فوق الأراضي السورية، وربما تحاول روسيا بعد هذه الصفقة إقناع إسرائيل بالتوقف عن القيام بالضربات الجوية داخل الأراضي السورية مقابل امتناع إيران عن تزويد النظام السوري و"حزب الله" بالسلاح حسبما توقع بعض المحللين. بيد أنه يصعب قبول إيران بهذا العرض، حيث قد تستغل إيران فرصة تقييد الطيران الإسرائيلي لإحداث طفرة في تسليح ميليشياتها المنتشرة في سوريا ولبنان.

4- التصعيد في الجبهة اللبنانية: قد تعمد إسرائيل بعد إغلاق المجال الجوي اللبناني إلى اعتراض قوافل السلاح القادمة إلى "حزب الله" بعد اجتيازها الحدود اللبنانية، مع محاولة رصد استباقي لردة فعل "حزب الله" وإذا كان سيرد على إسرائيل من الأراضي اللبنانية أم سيكون سلوكه مشابهًا للسلوك الإيراني في عدم الرد. وفي مؤشر على احتمال عودة التصعيد على الجبهة اللبنانية، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بعرض صور لمخازن سلاح يستخدمها "حزب الله" في محيط مطار رفيق الحريري الدولي في العاصمة اللبنانية بيروت في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي.

 تغيير الاستراتيجية الأمريكية: 

صرح "جون بولتون" مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي الأمني على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 "بأننا لن نغادر سوريا ما دامت القوات الإيرانية خارج إيران"، وهو ما يمكن اعتباره تغييرًا في الاستراتيجية الأمريكية في سوريا والتي كانت قائمة في السابق على هزيمة الإرهاب، والحفاظ على أمن إسرائيل، ثم تطورت إلى البقاء في سوريا لفترة تسمح لها بإحداث حالة من الاستقرار الكفيلة بمنع عودة الإرهاب، ويأتي هذا التغيير الأخير من ربط البقاء الأمريكي في سوريا بالانسحاب الإيراني منها بعد شهور قليلة من إعلان الرئيس الأمريكي "ترامب" عن نيته سحب القوات الأمريكية من سوريا.

وتنطلق الرؤية الأمريكية الجديدة من أنه من المستحيل إقامة سلام في سوريا في ظل استمرار التواجد الإيراني فيها، بالإضافة إلى وجود فريق مؤثر في دوائر صنع القرار الأمريكي يروج بأن إيران تقف وراء كل توتر متصاعد في منطقة الشرق الأوسط، وبأنه لا يمكن أن يتم إخلاء مساحات جغرافية واسعة أمامها للتحرك بحرية في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات جديدة على طهران لمحاصرتها وإجبارها على تغيير سلوكها، وتزامن هذا التصريح لبولتون عن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سوريا مع الإعلان عن تسليم منظومة "إس-300" إلى سوريا، وهو ما يزيد من العراقيل التي تقف في وجه تنفيذ الأجندة الأمريكية الجديدة في سوريا، حيث اعتبر العديد من المراقبين أن هذه المنظومة تشكل استهدافًا وتهديدًا ليس فقط للجانب الإسرائيلي وإنما أيضًا للولايات المتحدة.

وفي رد أولي على هذه الخطوة الروسية، أعلن "جون بولتون" مستشار الأمن القومي الأمريكي "بأن هذه الخطوة هي خطأ فادح وتصعيد خطير"، فيما ترى روسيا أن الجانب الأمريكي يعتبر أي خطوة تقوم بها روسيا تهديدًا للاستقرار، وأن سوريا لها الحق في الدفاع عن أراضيها بما في ذلك استخدام منظومات "إس-300" الروسية، ومن المتوقع أن تمتد تهديدات "إس-300" إلى تعرض الطيران الجوي الأمريكي لانكشاف أمني، بالإضافة إلى تزايد صعوبة معاقبة النظام السوري في حال اجتيازه الخط الأحمر الذي رسمه له الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، حيث إن الصحف الروسية تشير في بعض تقاريرها إلى أن هذه المنظومة الدفاعية تتميز بالسرعة في الرد على أي هجوم صاروخي حتى من قبل معرفة هوية الجهة المهاجمة، وذلك في إشارة من الصحافة الروسية إلى إسرائيل والولايات المتحدة.  وفي المقابل، رجحت تقارير صحفية أمريكية بأن تلجأ واشنطن لإعادة استخدام بعض المقاتلات المضادة للرادارات والتي بإمكانها التغلب على "إس-300".