مهام تدريبية:

كيف يُرتب حلف الناتو حضوره العسكري في عراق ما بعد داعش؟

19 July 2018


يعكف حلف الناتو حاليًّا على ترتيب حضوره العسكري الحالي في العراق بعد التمكن من القضاء على تنظيم داعش في البلاد. ويحاول الحلف -في هذا الإطار- الموازنة بين متطلبات الحكومة العراقية فيما يتعلق بشروطها وحاجتها للحضور الأجنبي على أراضيها في مرحلة ما بعد داعش، والمتطلبات الخاصة بأمن ومصالح دوله باعتبارها صاحبة الجهد العسكري الأكبر في العراق.

تحركات كاشفة:

يُمكن رصد أبرز الخطوات التي تمت خلال الفترة الأخيرة، والتي كشفت عن مسعى حلف الناتو لترتيب حضوره العسكري بالعراق في مرحلة ما بعد داعش، في إعلان الأمين العام لحلف الناتو "ينس ستولتنبرغ" خلال قمة الحلف الأخيرة في بروكسل والتي عُقدت خلال الفترة (11-12 يوليو الجاري)، عن البدء في إنشاء بعثة ناتو جديدة في العراق لتدريب قوات الأمن، وتتضح طبيعة تلك البعثة من خلال ما يلي: 

1-بعثة غير قتالية: أشار الأمين العام للناتو إلى أن بعثة التدريب الخاصة في العراق ستكون غير قتالية، إلا أنها ستساعد العراق في الحيلولة دون إحياء تنظيم داعش وجماعات إرهابية أخرى. كما أشار إلى أنها ستشمل مئات من مدربي الحلف، وأنها ستساعد في إنشاء مدارس عسكرية جديدة، وزيادة القدرات المهنية لدى القوات العراقية.

2- قيادة كندية: أعلنت الحكومة الكندية في 11 يوليو الجاري -في بيان لها- أنها سترسل حوالي 250 عسكريًّا وآليات مصفحة وأربع مروحيات، استعدادًا لتسلمها لمدة عام قيادة مهمة حلف شمال الأطلسي لتدريب ودعم القوات العراقية. وأضافت الحكومة الكندية أن الجنود الكنديين بقيادة ميجور جنرال سينتشرون ابتداء من خريف 2018 في منطقة بغداد لمساعدة العراق في بناء هيكلية أمنية وطنية أكثر فعالية، وفي تطوير تدريب قوات الأمن العراقية. وأشارت إلى أن فرق التدريب المتحركة لدعم جهود الحلف الأطلسي لمكافحة العبوات الناسفة قد باشرت عملها بصورة فعلية.

ويُشار -في هذا الإطار- إلى أن كندا تشارك منذ عام 2014 في التحالف الدولي ضد داعش عبر القيام بعمليات جوية، وتقديم دعم طبي وأعمال تدريب للقوات العراقية. كما أعلنت الحكومة الكندية في يونيو الماضي أن القوة الكندية التي تتألف من 210 جنود على الأرض في العراق، لم تعد تقدم مساعدات أو تدريبات للمقاتلين الأكراد بعد القضاء على تنظيم داعش بشكل تام في شمال العراق.

نقاط دافعة:

يُمكن تفسير سعي حلف الناتو لإعادة ترتيب حضوره العسكري في العراق من خلال جملة من العوامل، والتي تتمثل فيما يلي:

1- مواصلة الولايات المتحدة ضغوطها على الناتو: ضغطت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بقوة خلال الفترة الأخيرة على شركائها الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي لتشكيل بعثة رسمية للحلف في العراق بقيادة دائمة أو شبه دائمة لتدريب القوات العراقية وتقديم المشورة لها على المدى الطويل. وتشير التقديرات إلى أن دافع الولايات المتحدة لهذا الأمر هي خبرة الحلف الطويلة في أفغانستان، والتي تجعله في وضع مثالي لتأهيل القوات العراقية بعد استعادة الأراضي التي سيطر عليها تنظيم داعش.

كما يأتي ذلك في ضوء الضغوط الأمريكية على الناتو للانخراط بشكل أوسع في الحرب ضد الإرهاب، حيث ترى الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس "دونالد ترامب" منذ قدومها أن الحلف بصورته الحالية يحتاج إلى إصلاح شامل، وأن الولايات المتحدة تدفع حصة غير متكافئة مع نظرائها الأوروبيين في تمويل أنشطة الحلف. وفي هذا الإطار، جدد الرئيس "ترامب" مطالبته خلال القمة الأخيرة للناتو بزيادة موازنة الدفاع الأوروبية في الحلف.

2- الالتزامات الحالية على الحلف بعد انضمامه للتحالف الدولي: رتب انضمام حلف الناتو للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش في 25 مايو 2017 التزامات قتالية وغير قتالية عليه للقضاء على أي تجدد محتمل لخلايا تنظيم داعش في العراق بعد القضاء التام عليه، ومن ذلك القيام بدور المنصة العملية لتنسيق الجهود التي يبذلها الحلفاء في الناتو من جهة والدول الشريكة في التحالف الدولي من جهة أخرى، من أجل منع ظهور داعش أو أي كيانات إرهابية جديدة.

3- المراجعات التي يقوم بها أعضاء الحلف لدورهم في عراق ما بعد داعش: يرتبط ترتيب الناتو كحلف لدوره العسكري في العراق بترتيب أعضائه لدورهم في هذا الصدد، حيث سبق -على سبيل المثال- أن أعلنت الولايات المتحدة في فبراير 2018 عن توصلها إلى اتفاق مع الحكومة العراقية لسحب 60% من الجنود الأمريكيين الموجودين في البلاد، والإبقاء على 4 آلاف جندي أمريكي لتدريب الجيش العراقي، يُضاف لذلك إعلان التحالف الدولي ضد داعش في فبراير 2018 أيضًا أنه يراجع نشاطه في العراق بعد إعلان النصر على داعش في البلاد، وأن استمرار وجود التحالف سيتحدد وفقًا للظروف، وبما يتناسب مع الحاجة، وبالتنسيق مع الحكومة العراقية.

4- أن العراق شكّل مفرخةً للإرهاب على مدار العقدين الأخيرين: يُدرك حلف الناتو أن العراق بعد سقوط نظام "صدام حسين" شكل مفرخة لتصدير الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط ككل، والتي كان آخرها تنظيم داعش الذي يُعتبر تنظيمًا عراقيّ المنشأ. كما يرى الحلف أن البيئة في العراق لا تزال خصبة لإعادة إنتاج أجيال جديدة من الإرهاب، وأنه على الرغم من القضاء على هيكل داعش العسكري، إلا أن أفكاره الإرهابية لا تزال موجودة، وبإمكانها التطور مع الوقت للظهور في إطار تسميات وأشكال عسكرية جديدة، ويدلل على ذلك تجارب الإرهاب السابقة في العراق والتي استغلت بقاء البيئة السنية الحاضنة والداعمة له للظهور من جديد. ولذلك يأتي الجهد التدريبي الذي أعلن عنه الناتو لقوات الأمن العراقية تخوفًا من ظهور نسخ جديدة من داعش في الفترة المقبلة. 

مهمة صعبة:

من الواضح أن حلف الناتو استجاب سريعًا للطلب الأمريكي بالعمل على التجهيز لتدريب القوات العراقية، وذلك في إطار سعي الحلف لتجاوز الانتقادات المتصاعدة خاصة الأمريكية لدوره الحالي، وتوجيه رسالة قوية حول التزامه بمحاربة الإرهاب.

كما يتضح أن شكل الحضور العسكري الأجنبي في العراق بشكل عام، والحضور العسكري للناتو بشكل خاص، يتم إعادة ترتيبه بما يتناسب والوضع الجديد بعد القضاء على داعش، وهو الوضع الذي تنتفي معه الحاجة لعتاد وأطقم قتالية، وتتضاعف معه الحاجة لمعدات أخرى غير قتالية، خصوصًا تلك المستخدمة في عمليات الرصد والمراقبة، خاصة وأن المعركة القادمة مع تنظيم داعش في العراق هي معركة استخباراتية وليست ميدانية.

يُضاف لذلك أن هدف هذا الحضور العسكري بات يتمحور بصورة أساسية حول تدريب قوات الأمن المحلية والجيش، وضمان عدم عودة داعش إلى المدن المحررة، وضمان عدم حدوث اقتتال طائفي أو قومي مسلح في المدن ذات الغالبية العربية السنية تحديدًا، والتركيز على مراقبة الحدود بين سوريا والعراق.

ومن غير المتوقع أن تكون مهمة الناتو التدريبية في العراق سهلة، خاصة مع رفض قوى وفصائل شيعية في مقدمتها "عصائب أهل الحق" لأي حضور عسكري أجنبي في البلاد. ولا شك أن ذلك الرفض يحمل تهديدات مبطنة لقوات الناتو، وهو أمر سيؤثر سلبًا على كفاءة إتمام البرامج التدريبية التي سيقوم بها لقوات الأمن العراقية.