جغرافية التهديدات:

الترابط بين التطورات الإقليمية والاحتجاجات الداخلية في الأردن

06 June 2018


كشفت الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن أردنية مؤخرًا مدى انعكاسات الأزمات الإقليمية على الداخل الأردني، سواء جيوسياسيًّا أو اقتصاديًّا، على نحو ما تعكسه ضغوط أزمة اللاجئين السوريين، أو التفاهمات بشأن قوات الانتشار في الجنوب السوري، أو تداعيات صفقة تسوية القضية الفلسطينية، أو تقليص احتمالات نجاح بعض التنظيمات الإرهابية. ويأتي كل ذلك في ظل حركة احتجاج عنيفة، تستغلها بعض الأطراف المحلية والإقليمية.

خرائط الأزمات:

فرضت الجغرافيا على الأردن الوقوع في منطقة مفعمة بكثيرٍ من عوامل الاحتقان والتوتر، إذ إن الأزمات العديدة التي شهدتها بعض دول الجوار كانت لها انعكاسات مباشرة على أمن ومصالح الأردن واستقرارها الداخلي، بدايةً من أزمة الصراع العربي-الإسرائيلي المزمنة، مرورًا بالاحتلال الأمريكي للعراق، وانتهاءً بالأزمة السورية القائمة حتى الآن.

ومع ذلك، فإن الأردن نجحت -إلى حدٍّ ما- خلال العقود الماضية، في احتواء تداعيات تلك الأزمات وصد انعكاساتها مسبقًا قبل أن تصل إلى الداخل، وذلك من خلال سياسات المواءمة والتحالفات والتوازنات الإقليمية، إلى درجة أنها حوّلت بعض التحديات إلى فرص حقيقية حصلت من خلالها على مكاسب سياسية واستراتيجية عديدة. غير أن التطورات الأخيرة التي طرأت على الساحتين الداخلية والخارجية تشير إلى أن تلك المعادلة أصبحت من الماضي، وأن الأردن تبدو مقبلة على استحقاقات داخلية وإقليمية لا تبدو هينة خلال المستقبل القريب.

ارتدادات إقليمية:

لم يكن العاهل الأردني الملك "عبدالله الثاني" مبالغًا عندما حرص، في 4 يونيو 2018، على الربط بين الاحتجاجات المتصاعدة في الداخل حاليًّا، والتي أدت إلى استقالة حكومة "هاني الملقي" وتكليف "عمر الرزاز" بتشكيل الحكومة الجديدة، وبين التطورات الإقليمية القريبة من حدود الأردن، وفي مقدمتها تطورات الصراع في سوريا. هذا الربط يكتسب أهمية وزخمًا خاصًّا في ضوء مجموعة من الاعتبارات التي يُمكن تناولها على النحو التالي:

1- انتشار تأثيرات الأزمات: لم تستبعد بعضُ الاتجاهات أن تتطور الاحتجاجات التي تشهدها الأردن في الفترة الحالية إلى مسارات أكثر صعوبة، على نحو قد يُدخل الأردن في "نفق مظلم" أو ينقلها إلى "المجهول" حسب وصف الملك "عبدالله الثاني". 

وفي هذا السياق شهدت بعض دول الشرق الأوسط أزمات واحتجاجات داخلية قوية في الفترة الأخيرة، بسبب ضغوط المتغير الاقتصادي في معظم الأحيان، وإن كانت المسارات المتباينة لهذه الاحتجاجات اختلفت من حالة إلى أخرى حسب السياقات الداخلية والظروف الإقليمية القائمة.

2- ضغوط الأزمات الإقليمية: كانت الأردن من أولى دول المنطقة التي تأثرت بتصاعد حدة الأزمة السورية، خاصة أنها كانت إحدى الدول المستقبلة لموجات اللاجئين السوريين، على نحو فرض ضغوطًا اقتصادية قوية على الداخل، ودفع الحكومات المتعاقبة إلى اتخاذ إجراءات إصلاحية لم تحظَ بدعم شعبي، والتي كان آخرها قانون ضريبة الدخل الذي أدى إلى اندلاع وتفاقم الاحتجاجات الأخيرة.

وقد أشار "عماد الفاخوري" وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة "هاني الملقي" المستقيلة، في 18 مارس 2018، إلى أن التكلفة الإجمالية لاستضافة اللاجئين السوريين على مدى سبع سنوات وصلت إلى 10.5 مليارات دولار، بعد أن تحملت الأردن عبء استضافة 1.3 مليون لاجئ سوري. 

واعتبر أن تلك التكلفة التي تعادل 1.5 مليار دولار سنويًّا تمثل 4% من الناتج المحلي الإجمالي و16% من الإيرادات الحكومية السنوية. فيما قدرت وكالة الأمم المتحدة للتنمية التكلفة غير المباشرة بما يتراوح بين 3.1 مليارات دولار و3.4 مليارات دولار على الاقتصاد الكلي سنويًّا. 

3- الانشغال بتهديدات الخارج: دفعت الأزمات الإقليمية المحيطة بالأردن من جهات مختلفة، الحكومة إلى إبداء قدر أكبر من الاهتمام بمتابعة تداعيات تلك الأزمات على الأوضاع الداخلية في الأردن. فعلى صعيد القضية الفلسطينية، تُبدي الأردن حذرًا ملحوظًا تجاه تزايد الحديث عما يُسمى بـ"صفقة القرن" التي طرحها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لاعتبارات خاصة بتأثيرها على موقعها التقليدي كطرف مباشر معنيًّ سواء بقضية القدس أو بعملية السلام والتسوية مع إسرائيل، وعلى توازناتها الداخلية الديموجرافية بين الأردنيين والفلسطينيين. 

ومن هنا، كان موقف الأردن من صفقة القرن أقرب إلى التحفظ أو الرفض، بالتوازي مع انتظار ما سوف تئول إليه التطورات في النهاية، في ظل حرص الأردن على محاولة احتواء أية تداعيات سلبية قد يفرضها الخلاف حول تلك القضية على علاقاتها مع بعض القوي الدولية.

كما تبدو الأردن حاليًّا منهمكة في مواصلة التفاهمات السياسية والأمنية التي تُجريها مع كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإسرائيل حول إخلاء مناطق الجنوب السوري من القوات والميليشيات الموالية لإيران.

وهنا، فإن الأردن ترى أن هذه الخطوات قد تعزز الاستقرار الأمني على الحدود مع سوريا، ولا سيما أنها سوف تُضعف، إلى حد كبير، من احتمالات نشوب مواجهات عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل ربما تكون لها ارتدادات مباشرة على الداخل الأردني. 

ولا ينفصل ذلك عن الجهود الحثيثة التي تبذلها الأردن من أجل تقليص احتمالات نجاح بعض التنظيمات الإرهابية التي تنشط في سوريا في اختراق حدودها وتنفيذ عمليات إرهابية نوعية، على غرار عملية الرقبان التي وقعت في 21 يونيو 2016. 

وقد نجحت السلطات الأردنية في تفكيك خلايا إرهابية في الداخل، وإحباط عمليات إرهابية، مثلما حدث في 17 فبراير 2018، عندما أعلن الجيش الأردني عن إحباط محاولة تهريب أسلحة وإرهابيين إلى الداخل عبر أنبوب النفط القديم "تابلاين" الذي يربط الحدود الأردنية مع كل من سوريا والعراق. 

ومن دون شك، فإن لكل هذه التطورات انعكاسات على الداخل، ففضلًا عن أن مخاطر الإرهاب فرضت تأثيرات اقتصادية سلبية، خاصة على قطاع السياحة الذي شهد تراجعًا خلال السنوات الأخيرة، فإنها دفعت الحكومة إلى محاولة إجراء إصلاحات اقتصادية جريئة لاحتواء أي إمكانية لانتقال فوضى الخارج إلى الداخل، وتحصين الساحة الداخلية من أية انعكاسات قد تنتجها الأزمات المحيطة.

4- تشابك ملفات الجوار: كان لافتًا أن بعض الأطراف الإقليمية مثل إيران وإسرائيل بدأت تبدي اهتمامًا بما يحدث داخل الأردن، كما كانت حريصة -في الوقت ذاته- على الربط بينه وبين ملفات إقليمية أخرى، في محاولة منها لاستغلال أزمة الاحتجاجات الأردنية من أجل الحصول على مكاسب سياسية تعزز موقعها في مواجهة القوى المناوئة لها. وتستهدف هذه الدول استغلال الأزمة الراهنة لمساومة الأردن والضغط عليه للتخلي عن سياساته الداعمة للاستقرار في الشرق الأوسط.

خلاصة القول، إن الاحتجاجات الحالية التي تشهدها الأردن لم تعد تنفصل عن مجمل ما يطرأ على الساحة الإقليمية من تطورات. فالفصل التقليدي بين التوازنات الداخلية والتغيرات الإقليمية لم يعد قائمًا على النحو السابق، في ظل حالة السيولة في أنماط التحالفات والتغيرات السريعة في الأزمات الإقليمية المختلفة، وتبدل مواقع القوى الإقليمية والدولية المعنية بها والمنخرطة فيها.