توازنات متغيرة:

تداعيات حصول الميليشيات في سوريا على صواريخ أرض- جو

11 February 2018


يمثل حادث إسقاط الطائرة الروسية "SU-25"  في إدلب، في 3  فبراير الجاري، تحولاً نوعيًا في مسار المعارك بين روسيا والميليشيات المناوئة لوجودها العسكري على الساحة السورية. فرغم أنه ليس الحادث الأول لسقوط مقاتلة روسية في سوريا، حيث سبق أن سقطت مقاتلة من الطراز نفسه قبل ذلك، وفقًا لرصد حوادث الطائرات، إضافة إلى سقوط 4 طائرات هليكوبتر، إلا أنه يبقى الأبرز، بحكم أنها المرة الأولى التي تجري فيها عملية استهداف باستخدام صاروخ أرض- جو، في حين كان يتم تبرير الحوادث السابقة على أنها وقعت بسبب أعطال فنية.

ويبدو أن عقبات عديدة سوف تواجه الجهود التي تبذلها روسيا من أجل الكشف عن ملابسات عملية الإسقاط، خاصة فيما يتعلق بالتحديد الدقيق لنظام الدفاع الذي أسقط الطائرة، والفصيل المسئول عن ذلك، وكيفية وصوله إلى هذه النوعية من الأسلحة.

ويطرح الحادث الأخير تساؤلات ترتبط بالمعايير الفنية الخاصة بكفاءة الطائرات الروسية والأطقم الفنية ونظم الدفاعات الروسية في سوريا، وطبيعة دائرة الصراع التي تنخرط فيها القوات الروسية حاليًا بعد إعلان موسكو انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية ضد تنظيم "داعش" في الرقة، وعلاقة ذلك في مجمله بالتحركات العسكرية التي يقوم بها النظام السوري والقوات التركية في إدلب وعفرين على التوالي.

دلالات أولية:

يكشف الحادث الأخير عن دلالات عديدة ترتبط بالمسارات والتداعيات التي فرضها استمرار الانخراط العسكري الروسي في الصراع السوري، يتمثل أبرزها في:

1- كثافة الهجوم على روسيا: تعرضت روسيا في الفترة الأخيرة لهجمات متعددة على خلفية محاولاتها تكريس وجودها العسكري الدائم في سوريا، حيث أصبحت قواعدها العسكرية الجوية والبحرية تمثل هدفًا للأطراف المناوئة لها، وهو ما بدا جليًا في تعرض قواعدها في حميميم وطرطوس، قبل نحو شهر تقريبًا، لهجوم مزدوج ومتزامن بواسطة طائرات من دون طيار، على نحو يكشف عن حجم المعارضة للبقاء الروسي الدائم في سوريا.

2- ضعف القدرات الاستخباراتية: تجري روسيا عملية بحث واسعة للتعرف على ملابسات الحادث، حيث طلبت من تركيا رسميًا المساعدة في هذه العملية، وهو ما دفع اتجاهات عديدة للإشارة إلى أن روسيا ليس لديها أدواتها الاستخباراتية الخاصة في هذه المنطقة. وقد كشفت أغلب الحالات التي تعرضت فيها القوات الروسية في سوريا لهجمات ليس فقط عن عدم وجود عمليات استخباراتية استباقية، وإنما أيضًا عن تراجع القدرة على رصد طريقة وصول هذا النوع من المنظومات الصاروخية إلى الميليشيات ومدى وجود أنواع أخرى مماثلة، وأعدادها، ودقة إصابتها، خاصة وأن الميليشيات التي استخدمت هذه الصواريخ لا تمتلك آليات مراقبة جوية.

3- تنسيق مع تركيا: جاء رد الفعل العسكري الروسي تجاه الحادث في سياق انتقامي من الميليشيات التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" التي أعلنت تبنيها الحادث، وذلك بقصف واسع على تمركزات تابعة لها في إدلب، بالتوازي مع مطالبة تركيا بتولي مهمة فحص موقع الحادث والتحقيق، قبل أن تؤكد وزارة الدفاع الروسية، لاحقًا، أنها تعمل على تقصي قنوات إيصال أنظمة الدفاع المضادة للطائرات المحمولة على الكتف إلى إرهابيي "جبهة النصرة" في سوريا، وتحديد نوع هذه المنظومات. 

4- تغيرات ملحوظة:  يشير الحادث الأخير إلى أن هناك تطورًا ملحوظًا في قدرات الميليشيات التي تنخرط في المواجهات مع روسيا، حتى لو كانت هذه القدرات غير محسوبة، بشكل يمكن أن يزيد من احتمالات تكراره من جديد.

سيناريوهات مختلفة:

انقسمت التحليلات بشأن تحديد منظومة الصاروخ. وقد ظهر اتجاه في روسيا يرى أنه من الصعوبة تحقيق ذلك. وفي هذا السياق، قال رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الجنرال فلاديمير شمانوف: "لقد أسقطت الطائرة بصاروخ ذي رأس حراري موجه، وقبل فحص مكان الحادث من المستحيل تحديد منظومة الدفاع الجوي المحمولة القديمة "ستريلا" أو الحديثة "إيغلا" أو "ستينغر" الأمريكية، ولكن يتضح من سقوط الطائرة أن المحرك اليميني يحترق وهذا يعني أن المحرك أصيب بصاروخ حراري".

وأشارت تقارير صحفية غربية إلى وجود نوعيات أخرى غير أمريكية من تلك الصواريخ، على غرار تقارير نشرتها صحيفتا "نيويورك تايمز" الأمريكية في عام 2013 و"ديلى ميل" البريطانية في عام 2014، وكشفت أن الجيش السوري الحر حصل على صواريخ مضادة للطائرات تم تهريبها عبر وسطاء أفارقة من طراز "FN-6"، وهو من منظومات الصواريخ المحمولة كتفًا، لكن لم تكن هناك أية مؤشرات ميدانية على أنه تم استخدام هذا النوع ولم يتضح بعد مدى مصداقية تلك التقارير.

لكن بعض المراقبين رجحوا وجود هذا النوع من الصواريخ بالفعل لدى الميليشيات في سوريا، استنادًا إلى ضرورة الربط بين وجود كتيبة دفاع جوي والمضادات الدفاعية.

عقبات عديدة:

وفي النهاية، ربما يمكن القول إن الإجراءات الفورية التي اتخذتها روسيا عقب الحادث، وتمثلت في تعزيز الدفاعات الروسية ورفع مستوى التحليق لمسافة تزيد عن 5 آلاف متر  حتى لا يتم رصدها من نظم الصواريخ المحمولة، تبقى مجرد خطوات احترازية لكنها لن تتمكن، في الغالب، من معالجة الخلل المزدوج في تقييم الأداء الروسي في سوريا، خاصة على مستوى الدفاعات.

ومن غير المعروف ما إذا كان التوجه الجديد لنشر منظومات دفاع روسية إضافية في سوريا سيحسم الاختراقات المماثلة أم أنه سيوظف لصالح تمدد النظام السوري في إدلب، والذي أعلن بدوره عن بناء دفاعات في هذه المنطقة، في حين أن تلك الدفاعات ستتقاطع مع الدفاعات الموجودة على خطوط معركة عفرين، بشكل قد يضفي مزيدًا من التعقيد على التفاعلات التي تجري بين الأطراف المعنية بتطورات ومسارات الصراع في سوريا.

لكن رغم أن الحادث الأخير، إلى جانب العمليات الهجومية السابقة، يشير إلى سعى بعض الميليشيات لاستنزاف روسيا ورفع تكلفة انخراطها عسكريا في الصراع السوري، إلا أن ذلك لا يعني أن الأخيرة سوف تتجه إلى وقف عملياتها العسكرية في سوريا، خاصة أنها ترى أن ذلك يمثل آلية مهمة لتعزيز نفوذها في المنطقة.