طموحات مبكرة:

هل يستعد رئيسي للاستحقاقات السياسية القادمة؟

29 January 2018


يبدو أن تيار المحافظين الأصوليين في إيران يسعى في المرحلة الحالية إلى إعادة ترتيب توازناته السياسية الداخلية من جديد من أجل الاستعداد مبكرًا للاستحقاقات السياسية القادمة، وعلى رأسها انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) التي سوف تجرى في عام 2020، وانتخابات رئاسة الجمهورية التي سوف تنظم بعدها بعام. ويتمثل أحد أهم التحديات التي تواجهه في هذا السياق في التوافق على تسمية قيادة أو شخصية جديدة تكون رمزًا للتيار خلال المرحلة القادمة، التي ربما تشهد أيضًا سباقًا على اختيار مرشد جديد للجمهورية في حالة غياب المرشد الحالي علي خامنئي عن المشهد.

الملا الشاب:

وفي هذا الإطار، يبدو أن اتجاهات عديدة داخل التيار بدأت تدعو إلى منح رجل الدين المشرف على العتبة الرضوية في مدينة مشهد إبراهيم رئيسي فرصة جديدة لتولي تلك المهمة، بعدما أخفق في الاختبار الأول، ممثلاً في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي أجريت في مايو 2017 وخسرها أمام الرئيس الحالي حسن روحاني.

وفي رؤية تلك الاتجاهات، فإن رئيسي يحظى بمميزات عديدة يمكن أن تساهم في تحوله إلى محور توافق بين الأطياف المختلفة داخل تيار الأصوليين. يتمثل أولها، في أنه يحظى بثقة من جانب المرشد علي خامنئي، الذي لم يكتف بتعيينه عضوًا في مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي يتولى مهمة وضع السياسة العليا للدولة بالتشاور مع القيادة والفصل في الخلافات العالقة بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور، وإنما كلفه أيضًا بالإشراف على العتبة الرضوية، وهى إحدى المؤسسات الدينية الاجتماعية التي تكتسب أهمية خاصة من جانب النظام الإيراني.

وينصرف ثانيها، إلى دعم كثير من القيادات والكوادر الرئيسية داخل التيار لرئيسي، وهو ما بدا جليًا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي سعى فيها التيار إلى التوحد خلف مرشح واحد لتفادي المأزق الذي واجهه في انتخابات عام 2013 بترشح أربعة شخصيات محافظة، ما كان سببًا رئيسيًا في فوز روحاني بسهولة من الجولة الأولى.

ويتعلق ثالثها، برؤية تلك الاتجاهات لأسباب خسارة رئيسي للانتخابات الأخيرة، والتي تعتبر أنها ارتبطت بعوامل خارجية أكثر منها داخلية، مثل استكمال الحكومة الحالية لمهامها الخاصة بدعم فرص مواصلة العمل بالاتفاق النووي، الذي تعتبره أحد أهم إنجازاتها في الفترة الرئاسية الأولى لروحاني، الذي نجح في الترويج لفكرة ضرورة استكمال برنامجه الرئاسي من خلال ولاية رئاسية جديدة مدتها أربعة أعوام.

فرص قائمة:

وبالتوازي مع ذلك، فإن هذه الاتجاهات ترى أن المرحلة الحالية قد توفر فرصًا عديدة تدعم من احتمال تصاعد الدور السياسي لرئيسي خلال المرحلة القادمة. أولها، الأزمة السياسية المحتملة التي قد يواجهها تيار المعتدلين خلال المرحلة القادمة. إذ أن هذا التيار لن يستطيع بسهولة التوافق على مرشح جديد للانتخابات الرئاسية القادمة، خاصة أن الرئيس روحاني لن يترشح فيها، ولا يبدو احتمال التوافق على شخصية جديدة قائمًا بقوة، في ظل الخلافات العديدة العالقة بين القوى التي تنتمي إلى هذا التيار.

ويمثل غياب هاشمي رفسنجاني بدوره عاملاً آخر يخصم من قدرة المعتدلين على الوصول إلى مرشح توافقي يحظى بدعمهم خلال الانتخابات القادمة، حيث كان لرفسنجاني دور مهم سواء في تصعيد روحاني خلال الأعوام الماضية، أو في احتواء تلك الخلافات، بشكل منع تطورها إلى صراعات سياسية كان من الممكن أن تؤدي إلى إضعاف التيار بشكل عام وتقليص قدرته على إعادة الإصلاحيين الموالين لولاية الفقيه والمحافظين التقليديين إلى السلطة من جديد، عقب خروجهم منها بسبب تأييدهم لمطالب حركة الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2009، وأسفرت عن فوز الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية.

وثانيها، أن الكوادر الرئيسية للمحافظين الأصوليين تواجه تحديات عديدة في الوقت الحالي. فرئيس مجلس الشورى علي لاريجاني لا يحظى بتوافق واسع داخل التيار، بسبب حرصه على الاحتفاظ بقنوات تواصل مع القوى الأخرى، بما فيها القوى المنتمية لتيار المعتدلين، لدرجة دفعته إلى التنسيق معهم خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة بشكل كان أحد أسباب تجديد فوزه بمقعد في مدينة قم.

فضلاً عن أن الخلافات التي تظهر بين الحين والآخر بين عائلة لاريجاني، ولا سيما علي لاريجاني وشقيقه صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية من جهة، وبين الرئيس السابق أحمدي نجاد من جهة ثانية، بسبب اتهامات الفساد التي يوجهها الأخير لها، ربما تفرض تداعيات ليست في صالح العائلة داخل تيار الأصوليين، رغم الثقل الذي يحظى به صادق لاريجاني لدى المرشد خامنئي تحديدًا، لدرجة أن دوائر سياسية ودينية عديدة تضعه في قائمة المرشحين لخلافته في حالة خلو منصبه.

كما أن بعض القيادات الأخرى تواجه تحديات لا تبدو هينة، مثل رئيس بلدية طهران السابق محمد باقر قاليباف، الذي أخفق أكثر من مرة في الانتخابات الرئاسية، بسبب فشله في الحصول على تأييد كتل رئيسية داخل تيار الأصوليين.

تدوير الزوايا:

وقد كان لافتًا في هذا السياق أن اتجاهات عديدة ترى أن رئيسي ربما لا يكون منافسًا للمعتدلين بقدر ما سيكون خصمًا لبعض أجنحة الأصوليين أيضًا. وبمعنى آخر، فإن القوى الداعمة لرئيسي حاليًا قد يكون هدفها الأساسي هو رئاسة مجلس الشورى، وليس رئاسة الجمهورية، خاصة أن الأولى سوف تسبقها بنحو عام.

ويعني ذلك أن الدعم السياسي الذي تقدمه لرئيسي في المرحلة الحالية قد يكون هدفه دعم ترشيحه لانتخابات مجلس الشورى القادمة ثم محاولة تصعيده لمنصب رئيس المجلس خلفًا للاريجاني، خاصة أن ذلك يمكن أن يدعم من فرصه في الترشح للانتخابات الرئاسية التالية، على غرار تجربة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي تولى منصب رئيس الجمهورية بعد أن كان رئيسًا للبرلمان.

ومن دون شك، فإن ما يعزز من فرص رئيسي أيضًا هو انتماءه لمدينة مشهد، التي تحظى بثقل ديني وسياسي لا يمكن تجاهله، وهو ما بدا جليًا في الاحتجاجات الأخيرة التي بدأت منها وانتقلت إلى المحافظات والمدن والقرى الأخرى حتى وصلت إلى العاصمة طهران.

عقبات محتملة:

ومع ذلك، فإن دعم الدور السياسي لرئيسي قد يواجه عقبات عديدة. فإلى الآن لم يتضح بعد موقف المرشد الأعلى علي خامنئي من تلك الترتيبات السياسية الجديدة، وهو موقف سوف يكون له تأثير كبير على اتجاهاتها خلال الاستحقاقات القادمة.

فضلاً عن أن المتغيرات الخارجية سوف يكون لها دور أيضًا في تحديد فرص المرشحين المحتملين للتصعيد خلال المرحلة المقبلة، حيث أن المسارات المحتملة للاتفاق النووي سوف تفرض تداعيات في هذا الإطار، خاصة مع وصول الخلافات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية إلى مرحلة حرجة، على خلفية التهديدات الأمريكية الأخيرة بعدم استكمال العمل بالاتفاق في غضون أربعة أشهر، في حالة ما إذا لم يتم إجراء تعديلات عليه تستوعب مكامن الخلل التي حددتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالتوازي مع فرض عقوبات جديدة على شخصيات وكيانات بتهمة التورط في انتهاكات حقوق الإنسان وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط ودعم البرنامج الصاروخي الإيراني.

من هنا، ربما يمكن القول إن التصعيد السياسي المحتمل لإبراهيم رئيسي خلال المرحلة القادمة سوف يكون محورًا رئيسيًا للتفاعلات السياسية التي سوف تشهدها إيران، خاصة في ظل الترابط الواضح بين التوازنات السياسية الداخلية والتطورات الطارئة على الساحتين الإقليمية والدولية.