إعادة انخراط:

دوافع وتداعيات تشكيل قوة كردية جديدة في سوريا

20 January 2018


أثار إعلان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في 14 يناير الجاري، استعداده لتأسيس قوة أمنية حدودية جديدة يجري تشكيلها من "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية (قسد) للانتشار على الحدود الشمالية والجنوبية وشرق نهر الفرات، ردود فعل معارضة من جانب تركيا وروسيا وحلفائها في سوريا. ويبدو أن هذا التطور سوف يساهم في بلورة مسار الصراع القادم على الساحة السورية في مرحلة ما بعد "داعش" بين الأحلاف والمحاور التي تتعارض توجهاتها ومصالحها، بشكل قد يؤدي أيضًا إلى تغيير مسار التسوية المتعثرة الذى انفردت به روسيا خلال الأعوام الأخيرة.

دلالتان رئيسيتان:

وفقًا لبيان التحالف الدولي، سيتم تشكيل قوة أمن حدودية جديدة قوامها 30 ألف جندي من قوات "قسد" للانتشار على الحدود السورية شمالاً مع تركيا وجنوبًا مع العراق وشرقى نهر الفرات، على أن يبدأ التحالف بالفعل في تدريب طليعة تلك القوه بنحو 230 عنصرًا، وهو ما يطرح دلالاتين رئيسيتين: الأولى، أن واشنطن تسعى من خلال تلك الترتيبات الأمنية الجديدة إلى ترسيم حدود مناطق النفوذ التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" وعزلها عن مناطق نفوذ النظام السوري التي يسيطر عليها بإشراف عسكري روسي.

والثانية، أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى إنهاء احتكار روسيا للحل السياسي للأزمة السورية. فحسب اتجاهات أمريكية عديدة، فإن واشنطن باتت على قناعة بأن موسكو ليست قادرة وحدها على فرض التسوية السياسية وفقًا لرؤيتها الخاصة، من جنيف إلى الآستانة، وأن الأولى ستتخلى عن دور المراقب وتتحول إلى دور صانع السياسات والقرارات فى مشهد التسوية القادم، بل إن تقارير مختلفة أشارت فى هذا الشأن إلى أنها قد تنقل المفاوضات إلى فيينا كوجهة جديدة بدلاً من سوتشي.

ردود فعل متوقعة:

أبدت أغلب الأطراف في التحالف المقابل بقيادة روسيا اعتراضها على المشروع الأمريكي. فقد وجه وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف انتقادات حادة للمشروع الأمريكي الجديد باعتبار أنه يعني في المقام الأول تقسيم سوريا إلى قسمين شرقًا وغربًا، فى حين أن روسيا طلبت إجرائيًا من الولايات المتحدة تفاصيل بشأن تلك القوة وتشكيلها ومهامها.

أما إيران، فقد اعتبرت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي أن تشكيل الولايات المتحدة لقوات حدودية جديدة في سوريا هو تدخل سافر في الشئون الداخلية السورية ويؤدي إلى تفاقم الأزمة السورية ومزيد من عدم الاستقرار وإشعال ألسنة النار فيها.

بينما كانت مواقف تركيا أكثر حدة، حيث أكدت أن وجود تلك القوات يشكل "حزام إرهابي" على حدودها وأنها ستعمل على تدميرها، كما هاجم نائب رئيس الوزراء بكر بوزداج واشنطن التى وصفها بأنها "تلعب بالنار". وتزامن ذلك مع تصعيد عسكري بتحريك رتل عسكري إلى عفرين ومنبج داخل الأراضى السورية، حيث بدأت أنقرة عمليات قصف ضد مواقع المقاتلين الأكراد في عفرين.

اعتبارات متداخلة:

فيما يتعلق بروسيا، من الواضح أنها تتعامل وفق سياسة الترقب والانتظار، وتقييم السياسة الأمريكية في سوريا على ضوء عدم اكتمال الترتيبات الأمنية، وغياب المؤشرات التي توحي بأن واشنطن قد تستمر في تبني تلك السياسة خلال المرحلة القادمة. لكن موسكو قد تستفيد على الجانب الآخر من الوجود الأمريكي في الجهة الشرقية في تعزيز وجودها في المقابل داخل الجهة الغربية أو ما كان يعرف بمشروع "سوريا المفيدة".

وعلى الرغم من انتقادها الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، إلا أنها ما زالت مستمرة، وفق سياسة الأمر الواقع، في التنسيق حيال هذا الوجود خاصة وأنها لن تتضرر عمليًا منه بالقدر ذاته الذي ستتضرر الأطراف الأخرى.

مسار الحرير:

في حين أن هذا الانتشار على الشريط الحدودي جنوبًا مع الحدود العراقية سيؤدي إلى قطع مسار "الحرير" الإيراني إلى شرق المتوسط عبر العراق إلى سوريا ثم أخيرًا إلى لبنان. فضلاً عن أن تلك القوات التي ستنتشر على طول الحدود التركية- السورية ستقوض من تحركات أنقرة باتجاه العمق السورى خاصة فى ريف حلب الشمالي بدعوى القضاء على التهديدات التي تفرضها "قسد" في إطار علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني وفقًا للرؤية التركية.

وفى هذا السياق، يمكن القول إن التصعيد العسكري قد يفرض تداعيات عديدة، خاصة على مستوى العلاقات التركية-الأمريكية، حيث أشارت تقارير أمريكية إلى أن مناطق الانتشار التركي في عفرين ومنبج يتواجد بها نحو 1000 جندى أمريكي. فضلاً عن أن ثمة صعوبات قد تواجه أنقرة في سبيل تحقيق أهدافها من هذا التصعيد، ويتعلق أبرزها بالتسليح الذي حصلت عليه "قسد"، خاصة الصواريخ المضادة للطائرات، قبيل الإعلان عن تشكيل تلك القوة، وإن كانت التقديرات العسكرية التركية تلمح إلى أن أنقرة ستخوض معركة برية إلى جانب استخدام المدفعية بناءً على نوعية الأسلحة التى حصلت عليها "قسد" مؤخرًا، وهو ما حدث فعلاً بداية من 17 يناير الجاري.

ترتيبات أمنية جديدة:

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن كافة التطورات تشير إلى ملامح تحولات أساسية على الساحة السورية. إذ أن الولايات المتحدة بصدد إعادة انخراط عالي المستوى على الساحة السورية، خاصة أنها تعمل منذ فترة على تشكيل مجالس محلية داخل تلك الحدود تحت إشرافها من خليط كردي وعربي، إلى جانب قيامها بمشروعات إعادة إعمار في تلك المناطق، في الوقت الذي سيبدو فيه شكل تلك المنطقة مختلفًا عن الضفة الأخرى للفرات، حيث طلبت روسيا من الاتحاد الأوروبي المساهمة في عمليات إعادة الإعمار فى المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري.

ويبدو أن الالتزام الروسي– الأمريكى بشأن الاتفاق على وحدة وسيادة سوريا عمليًا سوف يتعرض لضربة قوية، وقد يسفر في النهاية عن تقسيم يتجاوز حيز النفوذ إلى تقسيم حدودي مع الوقت وفقًا لبعض الاتجاهات. فعلى الرغم من أن مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد سترفيلد أقر بهذا الالتزام في 12 يناير الجاري، إلا أن التحركات الجديدة التي تقوم بها واشنطن توحي بأن الهدف هو تغيير النظام ثم الواقع السياسي الراهن في سوريا، على نحو يشير إلى أن الأخيرة قد تعيد تحفيز التحالف الدولى لدعم الدور الجديد في سوريا.

ومن هنا، يمكن القول إن ملامح الحقبة الجديدة في سوريا، في ظل الصراع بين الفاعلين الدوليين والإقليميين والمحليين المعنيين، بدأت بمشروع أمريكي قد يعيد هندسة هذا الصراع، وهو ما يحتمل معه ترتيب مشهد جديد لتأسيس سوريا مختلفة الملامح تمامًا عن تلك التى كانت معروفة قبل سنوات الحرب، وبشكل قد يتوازى مع السيناريوهات المحتملة للتغييرات الرئيسية التي قد تشهدها المنطقة بشكل عام خلال المرحلة القادمة.