مواجهة مستمرة:

تداعيات العمليات الأمنية على كتيبة "عقبة بن نافع" في تونس

23 December 2017


تمكنت الأجهزة الأمنية التونسية من توجيه ضربات أمنية قوية إلى كتيبة "عقبة بن نافع" الإرهابية خلال الفترة الأخيرة، وهو ما بدا جليًا في مقتل زعيم الكتيبة أبو سفيان الصوفي في العملية التي شنتها قوات الحرس الوطني في 30 إبريل 2017. إلا أن ذلك لم يمنع الكتيبة من تنفيذ عمليات إرهابية جديدة استهدفت من خلالها هذه القوات، وكان آخرها تفجير لغم أرضي بجبل الشعانبي، في 11 ديسمبر الجاري، وهو ما أسفر عن استشهاد جندي وإصابة 6 آخرين بجروح.

وقد طرح استمرار الكتيبة في شن هجمات إرهابية رغم العمليات العسكرية المستمرة ضدها تساؤلات عديدة حول العوامل التي ما زالت تحول دون القضاء عليها وإضعاف قدرتها على تنفيذ عمليات جديدة.

تهديد متواصل:

حاولت كتيبة "عقبة بن نافع" في الفترة الأخيرة توجيه رسائل إعلامية، بالتوازي مع العمليات العسكرية التي تستهدف القضاء على كوادرها، وهنا كان لافتًا أن الكتيبة حرصت على إصدار وبث مقطع فيديو بعنوان "ليوث القيروان"، في 3 ديسمبر 2017، وذلك ضمن سلسلة تصدر عن "مؤسسة الأندلس" الإعلامية، التابعة لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وقد رصدت فيه بعض العمليات الإرهابية التي قامت بتنفيذها في الفترة الماضية، واستعرضت التدريبات التي تقوم عناصره بتأديتها.

لكن اللافت في هذا السياق، هو أن بعض الاتجاهات اعتبرت أن ذلك يطرح دلالات عكسية، لا سيما أنه قد يؤشر إلى تراجع قدرات الكتيبة بسبب الضربات الأمنية المتلاحقة التي تعرضت لها من جانب قوات الأمن والجيش، بشكل ربما يكون دفعها، وفقًا لذلك، إلى محاولة الترويج لادعاءات لا تتوافق مع المعطيات الموجودة على الأرض، لتحقيق أهداف خاصة بالحفاظ على تماسكها الداخلي واستقطاب دعم بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى، خاصة أن ذلك يتوازى مع محاولات تنظيم "القاعدة" استعادة نفوذه في منطقة شمال وغرب إفريقيا من جديد.

اعتبارات عديدة:

ساهمت العمليات الأمنية التي شنتها قوات الشرطة والجيش خلال الفترة الماضية في القضاء على عدد من القيادات الرئيسية داخل الكتيبة، على غرار خالد الشايب ومراد الغرسلي فضلاً عن زعيمها أبو سفيان الصوفي، كما أنها نجحت في فرض قيود شديدة على الكتيبة، خاصة في ظل التنسيق بين أجهزة الأمن في بعض دول شمال إفريقيا، والذي قضى بتبادل المعلومات فيما بينها حول مواقع وقيادات تلك النوعية من التنظيمات الإرهابية.

لكن ذلك لم يؤد إلى القضاء على الكتيبة بشكل نهائي، وقد دفع ذلك المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية ياسر مصباح، في 22 إبريل 2017، إلى تأكيد أن الكتيبة ما زالت تشكل تهديدًا غرب البلاد قرب الحدود الجزائرية مع تواجد عناصر إرهابية أجنبية داخلها. ويمكن تفسير ذلك في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- هيكل تنظيمي: رغم قلة أعداد العناصر التي انضمت إلى الكتيبة، مقارنة بالمجموعات "القاعدية" الأخرى الموجودة في تلك المنطقة، حيث تصل، حسب بعض التقديرات، إلى نحو 100 عنصر، بخلاف مئات من ما يسمى بـ"المتعاطفين مع الكتيبة"، إلا أن قادتها كانوا حريصين من البداية على تأسيس هيكل تنظيمي واضح يحدد أنماط وقواعد العلاقة بين كوادرها وعناصرها، والتوجهات العامة التي تتبناها، فضلاً عن الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها.

ومن هنا سارعت الكتيبة إلى تصعيد بعض كوادرها من أجل سد الفراغ الناتج عن تصفية القيادات السابقة بشكل حال دون نشوب صراع على تولي المناصب الرئيسية داخلها. ووفقًا لاتجاهات عديدة، فإن عناصر الكتيبة يمتلكون خبرات قتالية استطاعوا من خلالها تنفيذ العمليات الإرهابية السابقة التي أعلنت الكتيبة مسئوليتها عنها في الفترة الماضية، وهو توازى مع حرصها على وضع برنامج تدريبي للعناصر التي تستطيع استقطابها للانضمام إليه ونقل الخبرات القتالية إليها بشكل يمكنها في مرحلة لاحقة من تنفيذ توجيهاتها.

2- دعم إرهابي: تعتبر الكتيبة إحدى المجموعات "القاعدية" الموجودة في منطقة شمال إفريقيا، وهو ما كان سببًا في توسيع نطاق الموارد المالية التي تعتمد عليها في تنفيذ عملياتها، خاصة أنها تتلقى، طبقًا لتقارير عديدة، دعمًا من جانب تلك المجموعات المنتشرة في تلك المنطقة، في ظل حرص تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" على تقوية كل فروعه من أجل تعزيز نفوذه في تلك المنطقة.

3- الخلايا الصغيرة: تحرص الكتيبة بشكل مستمر على التعامل مع قلة عدد عناصرها من خلال تقسيمهم إلى خلايا أو مجموعات صغيرة، تتحرك من مكان إلى آخر بشكل شبه مستمر، وذلك من أجل فرض عقبات أمام عمليات المراقبة والرصد من جانب أجهزة الأمن.

4- التضاريس الصعبة: تحاول الكتيبة استغلال التضاريس الصعبة التي تتسم بها المناطق التي تتواجد بها، وهو ما تسعى من خلاله إلى التعامل مع تداعيات الضربات الأمنية التي تتعرض لها وتساهم في إضعاف قدراتها البشرية والعسكرية، فضلاً عن استهداف بعض عناصر قوات الشرطة والجيش التي تحاول مهاجمة مواقعها، على غرار ما حدث في العملية الأخيرة التي وقعت في 11 ديسمبر الجاري.

5- التسليح المرن: تستخدم المجموعات الإرهابية التابعة للكتيبة، في الغالب، أسلحة خفيفة في تنفيذ عملياتها، وهو ما يساعدها، في بعض الأحيان، على التنقل من منطقة إلى أخرى تفاديًا للرقابة التي تتعرض لها من جانب السلطات الأمنية.

لكن هذه العوامل في مجملها لا تنفي في الوقت نفسه أن تصعيد حدة الضغوط على الكتيبة من جانب السلطات الأمنية، خاصة في ظل التعاون الأمني المستمر بين دول المنطقة، سوف يفرض خيارات صعبة عليها خلال المرحلة القادمة، بشكل ربما يساهم في إضعاف قدراتها وتراجع تهديداتها تدريجيًا.