دراسات المستقبل:

حروب الجيل الخامس بلا قيود وتستهدف الدول والمجتمعات معا

07 November 2017


إذا كانت طبيعة الأشياء هي التغير الدائم، ويساعد على ذلك العديد من العوامل المختلفة المؤثرة، فإنه بالتبيعة تتطور وسائل الحرب إلى أن وصلت إليه في القرن الحالي ويصطلح على تعريفه بحروب الجيل الخامس.

وفي هذا الإطار فقد أصدر مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة بأبوظبي الدراسة الأولى له تحت عنوان "حروب الجيل الخامس.. التحولات الرئيسية في المواجهات العنيفة غير التقليدية في العالم" ضمن سلسة الدراسات التي سيطلقها دورياً، عن هذا الجيل من الحروب الذي تتاح فيه كل الوسائل بداية من التي استخدمت في حروب الأجيال السابقة وانتهاء بالمعلوماتية والنفسية والسيبرانية.

وتحتوي الدراسة التي أعدها الخبير الأمني الدكتور شادي عبدالوهاب رئيس تحرير دورية اتجاهات الأحداث التي تصدر عن المركز على التعريف بهذا النوع من الحرب والعوامل التي أدت إلى ظهوره ومجالاته وأساليب مواجهته، إلى جانب التعريج على حروب الأجيال الأول والثاني والثالث والرابع.

وقال الدكتور شادي عبدالوهاب إن العديد من المحللين الاستراتيجيين والعسكريين يرون أن التأريخ للحروب الحديثة يرجع إلى توقيع "معاهدة صلح وستفاليا"، عام 1648 التي ارتبطت بنشأة الدول القومية واحتكارها الاستخدام الشرعي للقوة، مشيراً إلى أنه قد تم التمييز بين عدة أنواع من الأجيال فحروب حروب الجيل الأول اعتمدت على استخدام البنادق والمدافع البدائية، بينما حروب الجيل الثاني ارتبطت نشأتها بظهور معدات عسكرية حديثة، مثل المدرعات الثقيلة، والطائرات المقاتلة، فضلاً عن الاستفادة من الاقتصاد الصناعي للدول الأوروبية لإنتاج العتاد العسكري بكميات ضخمة.

وأرجع الدكتور عبدالوهاب ظهور حروب الجيل الثالث أثناء الحرب العالمية الثانية، إلى عاملين أساسين، هما استمرار التطور التكنولوجي، خاصة ظهور الدبابات، وتطور الطائرات المقاتلة ونظم الاتصالات، مما ساعد على القيام بـالمناورات العسكرية بدرجة لم تكن معهودة سابقاً.

أما عن حروب الجيل الرابع فقد أكد الدكتور عبدالوهاب أنها تعتمد على توظيف أسلوب حرب العصابات، موضحاً أن هذا الجيل من الحرب ترجع بدايته إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية بفترة طويلة، كما في الحرب الأهلية الأمريكية.

وقال رئيس تحرير دورية اتجاهات الأحداث إن حروب الجيل الخامس هي حرب بلا قيود، وتستهدف الدولة والمجتمع معاً، وتستخدم فيها الوسائل كافة لإجبار العدو على الرضوخ، لإرادة الأطراف التي تخوض الحرب أو تدميرها من الداخل عبر فترات ممتدة من المواجهات العسكرية وغير العسكرية وبتوظيف أساليب وتكتيكات متعددة اقتصادية وثقافية ومعلوماتية وتقنية بصورة متزامنة، ومن خلال تحالفات شبكية تضم الدول والفواعل المسلحة من غير الدول التي تقوم على المصالح المشتركة بدلاً من الأهداف الأيديولوجية أو الوطنية.

وعن العوامل التي أدت لصعود حروب الجيل الخامس فقد ذكر الدكتور شادي عبدالوهاب أنها تتمثل في عدة عوامل منها تراجع احتكار الدولة للقوة العسكرية، وظهور فواعل مسلحة من غير الدول قادرة على شن الحرب، مثل التنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة، وتزايد الترابط بين المشكلات الاقتصادية والتهديدات الأمنية نتيجة زيادة الاعتماد المتبادل في الاقتصاد الدولي الذي جعل من بعض القضايا الاقتصادية، مثل انقطاع أو وقف إنتاج السلع الأساسية، مصدر تهديد للأمن الوطني والدولي، إلى جانب صعود الولاءات البديلة؛ وهي اتجاه بعض الأفراد لنقل ولائهم من الدولة إلى الولاء لقضايا معينة، وتسارع التطورات التكنولوجية، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النانو.

وأشار إلى أن خصائص هذا الجيل من الحرب تتسم بانتشار المناطق الرمادية ويقصد بها التفاعلات الصراعية بين وداخل الفواعل من الدول ومن غير الدول، والتي تقع في منطقة وسط بين ثنائية الحرب والسلام، واتباع تكتيكات الحروب الهجينة وهي الجمع بين استخدام القوات المسلحة التقليدية والقوات غير النظامية، مثل حركات التمرد والجماعات الإرهابية، وكذلك تشكيل التحالفات الواسعة التي تضم عدة أطراف، مثل الدولة والكيانات من دون الدولة والكيانات العابرة للحدود القومية والشبكات والجماعات والأفراد.

وذكر الدكتور عبدالوهاب أنه من سمات حروب الجيل الخامس أيضاً غياب مركز الثقل، حيث اتسمت الأجيال الأربعة السابقة من الحرب بأن الصراع بين الخصوم كان يحدث من قبل كيانات تتمتع بهياكل مؤسسية، سواء أكانت جيوشاً أو حتى جماعات التمرد، أي أن لها مركز ثقل، يتمثل في التسلسل القيادي والروح المعنوية وخطوط الإمدادات اللوجستية والدعم السياسي والشعبي، إضافة إلى وجود مبررات أخلاقية أو قانونية لخوض الحرب، وعندما كان يتم تدمير مركز ثقل العدو، يمكن تدمير المؤسسة بأكملها، وتحقيق النصر.

وعن مجالات حروب الجيل الخامس قال إنها تختلف عما سبقها، فالجيلان الأول والثاني كان يتم خوضهما في البر والبحر، فيما اعتمدت حروب الجيل الثالث على التطور الاقتصادي والتكنولوجي في عصر الثورة الصناعية، مما أدى إلى ضم المجال الجوي إلى نطاق الحرب، وكذلك المساحات تحت سطح المياه، والفضاء الإلكتروني، بينما أدت حروب الجيل الرابع لانتقال الحرب إلى مدى أبعد من المعارك المادية الثلاث السابقة "البر والبحر والجو"، لتضم إليها المجال السياسي، بحيث أضحت الحرب ذاتها صراع إرادة سياسية لا مجرد صراع بالقوة المسلحة.

ولفت إلى أن حروب الجيل الخامس، تختلف عما سبق في كونها تجاوزت مجالات الصراع التقليدية السابقة، لتكون نوعا من الحروب غير المقيدة، التي تجمع بين عدة أنواع من الحروب في الوقت ذاته، وهي الحرب الاقتصادية، والسيبرانية، والحرب المعلوماتية، وحروب أسلحة الدمار الشامل، وحروب المخدرات والبيئة.

وأكد أنه إذا كان بعض هذه المجالات يتم تطبيقه بالتزامن مع المعارك الحربية في الأجيال السابقة من الحروب، فإن الأمر المختلف في حروب الجيل الخامس، أنها يمكن تطبيقها، حتى في حالة عدم وجود صراعات عسكرية عنيفة معلنة بين الدول، وهو ما يميز هذا الجيل من الحروب.

وذكر الدكتور شادي عبدالوهاب أن أساليب مواجهة هذا النوع من الحروب تتمثل في سياسات الحكم الرشيد، حيث تركز حروب الجيل الخامس على المجتمع، وهو ما يجعل الآلية الأكثر ملاءمة في مواجهتها هي تحصين المجتمع، من خلال التركيز على كسب ولاء المواطنين، واستهداف الحواضن الاجتماعية للإرهابيين والميليشيات المسلحة.

ونبه إلى أنه تكنولوجيا المراقبة والرصد أيضا من أساليب مواجهة هذا النوع من الحرب، إذ قامت بعض الدول الكبرى، باستثمارات هائلة في تكنولوجيا رقابة ورصد الأفراد، في إطار جهودها الرامية إلى محاربة التنظيمات الإرهابية، وقد قامت إدارة أوباما، على وجه الخصوص، خلال فترتي ولايته، بتعزيز قدرة الولايات المتحدة على الرقابة والرصد، بطريقة تتجاوز أي دولة في العالم، بما في ذلك الدول القمعية والبوليسية، سواء من حيث الحجم أو التكلفة أو درجة الاختراق، مشيرا في هذا الصدد إلى أن تكلفة برامج التجسس قدرت بحوالي 100 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقال إن برامج توعية الأفراد من أهم أساليب مواجهة هذا الجيل من الحرب، إضافة إلى تفكيك التحالفات المعادية التي تنشأ ضد الدولة من خلال العمل على إعاقة تطوير القيادة والسيطرة، ومنع اختراق المجتمع ثقافياً، ووقف التمويل والدعم المادي والمأوى وعمليات التجنيد وإعاقة التخطيط والاتصالات، ويتم ذلك بأي أداة سواء كانت عسكرية أو غير عسكرية، وذلك بهدف تجنب الانفجار من الداخل نتيجة وجود ثغرات في النسيج المجتمعي.

*المصدر: وكالة أنباء الإمارات.