مرحلة جديدة:

اتجاهات الصراع بين واشنطن وطهران بعد خطاب ترامب

17 October 2017


شن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملة قوية ضد إيران في الخطاب الذي ألقاه في 13 أكتوبر الجاري، بشكل يشير إلى أن التصعيد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران دخل مرحلة جديدة، لا سيما بعد أن وضعت واشنطن استراتيجيتها الجديدة للتعامل مع إيران. ورغم أن ترامب لم يعلن الانسحاب من الاتفاق النووي الذي ما زال يعتبره "الأسوأ"، أو إدراج الحرس الثوري على قائمة التنظيمات الإرهابية لوزارة الخارجية كما رجحت بعض الاتجاهات، إلا أن ذلك لا ينفي في الوقت ذاته أن واشنطن في اتجاهها إلى اتخاذ مزيد من الخطوات التصعيدية من أجل التعامل مع التهديدات النووية والإقليمية التي تفرضها سياسات إيران، بما يعني أن الإجراءات الأخيرة التي تبنتها، خاصة على صعيد فرض عقوبات جديدة، ربما لن تكون الأخيرة خلال المرحلة القادمة.

دلالات عديدة:

تكشف الانتقادات الحادة التي وجهها الرئيس ترامب في خطابه إلى إيران عن دلالات ثلاثة رئيسية تتمثل في:

1- الربط بين مخاطر الاتفاق النووي وتهديدات الدور الإقليمي: وهو ما يبدو جليًا في تركيز الرئيس ترامب على التداعيات السلبية التي أنتجتها سياسات إيران في المنطقة، والتي تسببت في نشر الفوضى وتفاقم الأزمات، بالتوازي مع محاولاتها، وفقًا للرؤية الأمريكية، تعزيز جهودها للوصول إلى مرحلة إنتاج السلاح النووي. وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن إدارة ترامب تتبنى سياسة مختلفة إلى حد كبير عن تلك التي تنتهجها القوى الدولية الأخرى، وفي مقدمتها روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، تجاه الاتفاق النووي، والتي تقوم في الأساس على حصر الاتفاق في جوانبه الفنية، التي تتمثل أبرز محدداتها في التزام إيران بتقليص مستوى تخصيب اليورانيوم والاعتماد على أجهزة الطرد المركزي من الطراز الأول فقط في عمليات التخصيب وغيرها، وعدم التطرق إلى الجوانب السياسية الأخرى التي تكتسب اهتمامًا خاصًا من جانب إدارة ترامب.

ومن هنا، ربما يمكن تفسير حرص تلك القوى على عدم التماهي مع الاتهامات المتكررة التي وجهها الرئيس ترامب تجاه إيران بـ"انتهاك روح الاتفاق"، بسبب مساعيها المستمرة للتدخل في الشئون الداخلية لدول المنطقة واستغلال الأموال التي حصلت عليها بعد الوصول للاتفاق النووي في دعم التنظيمات الإرهابية وتكريس نفوذها داخل دول الأزمات.

 هذا الموقف عبرت عنه منسقة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، في 21 سبتمبر 2017، حيث قالت أن "جميع الأطراف ملتزمة بالاتفاق النووي"، في سياق دفاعها عن الاتفاق النووي وتأكيدها على أن إيران ما زالت حريصة على تنفيذ بنوده.

   هذا الربط بين الاتفاق النووي والدور الإقليمي الإيراني بدا جليًا في الاستراتيجية الجديدة التي وضعتها واشنطن، والتي ركزت على تحييد التأثير الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة والداعم للإرهاب وإعادة تنشيط التحالفات الإقليمية ضد التخريب الإيراني في المنطقة ومعارضة الأنشطة الخبيثة للحرس الثوري ومواجهة تهديدات الصواريخ الباليستية ومنع النظام الإيراني من الحصول على سلاح نووي.

2- توسيع نطاق الأطراف المستهدفة: كان لافتًا أن الرئيس ترامب لم يستهدف إيران فقط في انتقاداته، بل إنه أشار أيضًا إلى سلبيات السياسة التي تبنتها الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة باراك أوباما تجاه إيران، والتي اعتبر ضمنيًا أنها مسئولة عن هذا المآل الذي وصلت إليه أزمة البرنامج النووي الإيراني، بسبب حرصها على رفع العقوبات القوية التي فرضت على إيران وتسليمها أموالاً لإيران ساهمت في توسيع نطاق دورها السلبي في المنطقة وتطوير برنامجها النووي من جديد وإعادة تنشيط الاقتصاد الإيراني الذي كاد أن يتسبب في أزمة حادة لم يكن النظام يستطيع التعامل معها بإيجابية قبل الصفقة النووية.

 وبعبارة أخرى، فإن ترامب سعى إلى تأكيد أن الخيارات المحدودة التي يواجهها في التعامل مع الاتفاق النووي كانت إحدى نتائج سياسة إدارة أوباما، التي تغاضت، في رؤيته، عن التهديدات التي يفرضها الدور الإقليمي الإيراني وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، ولم تصر على ضرورة الربط بين تنفيذ الاتفاق ودعم الاستقرار في المنطقة، كما تجاهلت العبارات الفضفاضة التي يتضمنها الاتفاق في بعض فقراته، وسمحت لإيران بحرية حركة وهامش مناورة أوسع مكنها من الالتفاف على الاتفاق دون أن يكون هناك رادع قوي لها في هذا السياق.

3- فرض ضغوط على الشركاء: رغم أن الرئيس ترامب لم يعلن الانسحاب من الاتفاق، إلا أنه حذر من أنه يمكن أن يستند إلى هذا الخيار في حالة ما إذا لم يتم التوصل إلى حلول للقضايا الخلافية التي أثارتها الإدارة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية والقيود التكنولوجية التي سترفع على إيران بعد مرور عقد على الوصول للاتفاق النووي وإجراء عمليات تفتيش أكثر صرامة على المنشآت التي يشتبه في أن إيران تستخدمها لممارسة أنشطة على صلة ببرنامجها النووي بعيدًا عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهنا، يمكن القول إن ترامب لا يسعى من خلال ذلك إلى ممارسة ضغوط على إيران لدفعها إلى إجراء تغييرات في سياستها باتجاه التعامل بمرونة أكبر مع تلك القضايا الخلافية، أو قبول فكرة تعديل الاتفاق بما يتجاوب مع السياسة الأمريكية الجديدة فحسب، وإنما يحاول أيضًا، وربما يكون ذلك هو الأهم، دفع الشركاء الأوروبيين إلى الاقتراب بشكل أكبر من الموقف الأمريكي بشكل يمكن أن يقلص من هامش الخيارات المتاح أمام إيران، التي تسعى في الوقت الحالي إلى توسيع نطاق التباين في المواقف الأمريكية والأوروبية من أجل دعم قدرتها على مواجهة الضغوط الأمريكية.

وبعبارة أخرى، فإن ترامب يحاول من خلال ذلك تأكيد أن عدم تدخل القوى الأوروبية من أجل الضغط على إيران لإجراء تعديلات في الاتفاق أو التجاوب بشكل أكبر مع المطالب الأمريكية سوف يتسبب في دفع الولايات المتحدة إلى الانسحاب من الاتفاق، على أساس أنه يتضمن ثغرات لا يمكن أن تتغاضى عنها الإدارة الأمريكية الحالية، باعتبار أنها تفرض تهديدات جدية لأمنها ومصالحها.

 ومن دون شك، فإن ترامب يتعمد من خلال ذلك الرد على تصريحات بعض المسئولين الأوروبيين التي لا تؤكد فقط التزام إيران بالاتفاق بل تشير أيضًا إلى انتفاء الدوافع التي يمكن من خلالها المطالبة بإجراء تعديلات في الاتفاق على عكس ما تسعى الولايات المتحدة.

4- التركيز على ملفات أخرى: حرص الرئيس ترامب على توسيع نطاق انتقاداته للنظام الإيراني، من خلال التركيز أيضًا على ملفات مثل حقوق الإنسان والحريات السياسية، بعد أن هاجم السياسة القمعية التي تبناها النظام في التعامل مع حركة الاحتجاجات التي شهدتها إيران في عام 2009، وإصراره على استغلال ثروات البلاد في دعم التنظيمات الإرهابية في الخارج، فضلاً عن تورطه في بعض العمليات الإرهابية التي تسببت في سقوط ضحايا أمريكيين.

متغيران رئيسيان: 

لكن رغم ذلك، فإن احتمالات نجاح هذه الاستراتيجية الجديدة التي وضعتها الإدارة الأمريكية للتعامل مع مخاطر البرنامج النووي والدور الإقليمي لإيران في تحقيق أهدافها سوف تعتمد على متغيرين رئيسيين: يتمثل أولهما، في الموقف الذي سوف يتخذه الكونجرس الأمريكي في غضون ستين يومًا، خاصة بعد أن أعلن الرئيس ترامب أنه لن يصادق على التزام إيران بالاتفاق النووي، حيث أن هذا الموقف تحديدًا سوف يؤثر على المسارات المحتملة للاتفاق النووي وعلى المواقف التي سوف تتبناها القوى المعنية به.

وينصرف ثانيهما، إلى ردود فعل القوى الدولية تجاه تلك الاستراتيجية، والتي سيكون لها تأثير على مستوى الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها إيران خلال المرحلة القادمة، والتي ستساهم بدورها في ضبط حدود تعاملها مع تلك الاستراتيجية، التي تشير إلى أن الصراع بين واشنطن وطهران دخل مرحلة جديدة، ليس بسبب الخلاف حول الاتفاق النووي فحسب، وإنما أيضًا بسبب تفاقم الأزمات الإقليمية التي تسببت فيها تدخلات إيران في شئون دول المنطقة.