ثلاثة سيناريوهات:

ملامح التغيير في الشرق الأوسط عام 2020

30 August 2014


إعداد: أحمد عاطف


(لا يمكن وجود عالم ينعم بالسلام والازدهار دون شرق أوسط مستقر وآمن").

من خلال هذه الفرضية ينطلق Mathew J. Burrows مدير مبادرة الاستبصار الاستراتيجي بالمجلس الأطلنطي Atlantic Council بالولايات المتحدة، في دراسته التي نشرها المجلس تحت عنوان: (الشرق الأوسط عام 2020: مُحدِد أم مُحدَد بواسطة الاتجاهات العالمية؟" Middle East 2020: Shaped by or Shaper of Global Trends?""، حيث يرى الكاتب أن منطقة الشرق الأوسط لن تتشكل فقط من خلال الاتجاهات العالمية، ولكن من المرجح أن تُحدِد هذه المنطقة أيضاً مستقبل باقي دول العالم، بمعنى أن أي سيناريو محتمل للشرق الأوسط سيكون له آثار ضخمة على بقية العالم.

وعلى سبيل المثال، فإن ظهور الجماعات الإرهابية في دول مثل سوريا والعراق من شأنه تهديد بلدان أخرى. ومن ناحية أخرى فإن الموقع الاسترايتيجي لمنطقة الشرق الأوسط بالنسبة لأوروبا وآسيا وأفريقيا، يجعل مسار النمو في هذه المنطقة ذو انعكاس على الوضع الاقتصادي العالمي.

ويؤكد Burrows أن منطقة الشرق الأوسط ستبقى خاضعة لأكبر قدر من التغيير على مدى الفترة الزمنية المقبلة (من 5 إلى 10 سنوات)، حيث سيتراوح هذا التغيير من النمو الاقتصادي الهش إلى عدم الاستقرار المزمن والصراعات الإقليمية المحتملة، فالدول العربية في وضع لم يسبق له مثيل، مع تفكك بعض الدول مثل سوريا والعراق.

كما أن التوقعات الاقتصادية غير مبشرة في ظل ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب في جميع أنحاء المنطقة برمتها، مما يحول هذه الفئة العمرية من عامل إيجابي إلى قوة مزعزعة للاستقرار في هذه الدول. وليس بخافٍ على أحد أيضاً أن الاتجاه العالمي في ارتفاع أسعار المواد الغذائية يشكل خطراً على الاستقرار السياسي والاجتماعي في العديد من دول الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى ما سبق يأتي مستوى التعليم المتدهور في هذه المنطقة ليُصعب من القدرة للتنافسية لدولها على الصعيد العالمي.

وترجح الدراسة أن يستمر نمط التنمية غير المتوازنة في الشرق الأوسط، وأن تتزايد الفجوة بين دول الخليج المنتجة للنفط وبقية دول المنطقة، بيد أنه مع ظهور مصادر جديدة للطاقة على مستوى العالم؛ فإن الأمر يشكل تهديداً كذلك لدول الخليج إذا لم تنوع اقتصاداتها على نحو متزايد.

أولاً: محددات التغيير في الشرق الأوسط

ترى الدراسة أن مستقبل الأوضاع في الشرق الأوسط سيتحدد بناءً على العديد من العوامل، أبروها ما يلي: ـ

1-تصدع الدولة، فالنظام العربي يعاني من الهشاشة والضعف حتى قبل الثورات العربية والحرب الأهلية في سوريا. وقد مر النظام العربي على مر تاريخه بمثل هذه التحديات من قبل واستطاع أن ينجو منها، لكن الوضع الراهن مختلف، لأسباب عدة، منها أن الدولة أضحت أضعف بكثير في ظل عدم قدرتها على ضمان الأمن، مثلما هو الوضع في سوريا والعراق، حيث لم يعد للحكومات هناك سيطرة على الأوضاع، كما تراجع الدور الاقتصادي للدولة، ولم تعد الحكومات قادرة على توفير الاحتياجات الاقتصادية للطبقات الفقيرة والوسطى، وقد تفاقم الوضع مع اتباع بعض الدول العربية نظام السوق في مطلع الألفية الجديدة، حيث استفادت نخبة محدودة جداً من سياسات الإصلاح.

2 -إيران كأحد أهم ديناميات التغيير، إذ تصف الدراسة إيران باعتبارها قوة تتمتع بنفوذ كبير في المنطقة، وهذا مرده ضعف القوى الإقلمية المنافسة لها مثل العراق بعد الاحتلال الأمريكي له وسقوط نظام صدام حسين. ويؤكد Burrows أن المسار الذي ستسلكه إيران في العقد المقبل سيؤثر على مستقبل الإقليم بأكمله. ويطرح الكاتب هنا مسارين: الأول متفاءل، ومفاده أن تلجأ إيران إلى التركيز على التنمية الاقتصادية والإصلاح الداخلي وإبرام اتفاقية مع الغرب للحد من برنامجها النووي؛ مما سيفتح فرصاً جديدة ليس فقط للتعاون بل أيضاً للمنافسة الإقليمية المكثفة لإيران على النفوذ.

ويدعم هذا السيناريو صعود الجناح المعتدل للحكم بعد انتخاب حسن روحاني، فضلاً عن حالة عدم الرضا في المجتمع الإيراني عن الوضع الاقتصادي المتدهور بعد العقوبات الاقتصادية الموقعة على طهران؛ مما دفع الإيرانيين إلى انتخاب روحاني في رسالة واضحة بأنهم مستعدين للتضحية بالبرنامج النووي لصالح النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، وقد تلجأ القيادة الإيرانية، بما في ذلك المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، للموافقة على الحد من طموحاتهم النووية من أجل تجنب الاضطرابات والمظاهرات الداخلية.

أما السيناريو الأخر، فيتعلق بفشل المفاوضات مع إيران بشأن البرنامج النووي، ووفقاً لهذا السيناريو ليس واضح إلى أي مدى سوف يكون المرشد الأعلى وغيره مثل الجنرال قاسم سليماني قائد قوة القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، على استعداد للتسوية بشأن القضية النووية. وفي هذه الحالة تتزايد فرص وقوع هجوم عسكري من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، لاسيما إذا كان يُنظَر إلى إيران على أنها تعيد تطوير برنامجها العسكري. ومن جانبها ستُصعد طهران بتسليح حزب الله وحماس، ومضاعفة الدعم لنظام بشار الأسد في سوريا، ودعم المجموعات الشيعية المعارضة في دول الخليج.

وتحذر الدراسة من أن مثل هذا السيناريو الكارثي وما سيتبعه من توترات، سيؤدي ليس فقط إلى شل حركة الاقتصاد الإقليمي، بل والتأثير سلباً على الاقتصاد العالمي في ظل الزيادة المتوقعة لسعر النفط. وتؤكد الدراسة على الحاجة إلى أسلوب "العصا والجزرة" – أي الترهيب والترغيب – لتوجيه طهران بعيداً عن الدعم التقليدي للجماعات الراديكالية والجماعات الإرهابية.

3-الوضع الاقتصادي، فقد ساءت التوقعات الاقتصادية بالنسبة لدول المنطقة ككل منذ بداية الثورات العربية. وإذا كانت العديد من الاقتصاديات قد بدأت في التحسن عام 2014، بيد أنه من المستبعد أن يحدث تحسن سريع على مدى السنوات القادمة، حيث توقع البنك الدولي أن ينتعش النمو الاقتصادي في الدول العربية من 2.8% في عام 2014 إلى 3.6% في عام 2016، وهو أقل بكثير نسبة نمو بلغت 4.6% في عام 2010 قبل الثورات العربية.

ويرتبط بالوضع الاقتصادي السيئ تحدي توفير فرص العمل، فوفقاً لمنظمة العمل الدولية (ILO) فإن معدل بطالة الشباب في الشرق الأوسط هو الأعلى في العالم، إذا يبلغ 27.2%، بما يمثل ضعف المتوسط ​​العالمي. كما تلفت الدراسة الانتباه إلى السلبيات التي تعاني منها نظم التعليم في الدول العربية في ظل حرمان بعض الطلاب من الحصول على تعليم جيد.

4-تكنولوجيا المعلومات كنقطة مضيئة، فالشباب يتمتع بميزة عندما يتعلق الأمر بتكنولوجيا المعلومات، حيث إن 85% من مستخدمي الإنترنت العرب تقل أعمارهم عن 40 سنة. وتشير الدراسة إلى عدد من المؤشرات في هذا الشأن، منها أن ثمة نحو 90 مليون شخص يستخدمون الإنترنت في المنطقة، أي نحو 40.2% من إجمالي السكان. وتعد إيران أولى الدول في هذا الشأن، يليها السعودية ثم الإمارات. وطبقاً للدراسة فإن 9 من كل 10 من مستخدمي الإنترنت في الشرق الأوسط يتصفحون يومياً شبكات التواصل الاجتماعي، كما ينفق الشرق أوسطيون دخولهم عبر الإنترنت، فثمة 43% من مستخدمي الإنترنت في دول مجلس التعاون الخليجي يشترون المنتجات أو الخدمات عبر الإنترنت كل شهر. وينتشر الإنترنت فائق السرعة في معظم دول الخليج العربي بمعدلات أعلى من مثيله في الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن المستهلكين في الخليج هم أكثر عرضة من غيرهم لامتلاك الهواتف الذكية.

ويرى Burrows أنه رغم أن درجة الاعتماد على التكنولوجيا الجديدة مرتفعة نسبياً في أجزاء كثيرة من المنطقة، بيد أنه من الصعوبة بمكان قياس الأثر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الدقيق لذلك.

5-التأثر بالتغيرات المناخية، فمنطقة الشرق الأوسط معرضة لتغير المناخ، حيث إنها تعد واحدة من أكثر مناطق العالم التي تعاني من شح المياه، فضلاً عن الاعتماد على الزراعة المتأثرة بالمناخ، ناهيك عن تمركز نسبة كبيرة من السكان والنشاط الاقتصادي في المناطق الحضرية الساحلية المعرضة للفيضانات. وتتوقع الدراسة أن تشهد منطقة الشرق الأوسط على مدى العقود القليلة المقبلة ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار وندرة المياه والضغط على موارد المياه الجوفية؛ مما يؤدي بشكل عام إلى تدهور الظروف المعيشية، والإضرار بالقطاعات الاستراتيجية مثل السياحة والزراعة، وانتشار البطالة، وعدم التكامل مع الاقتصاد العالمي.

6-ارتفاع أسعار المواد الغذائية، حيث تؤكد الدراسة أن عدداً من دول الشرق الأوسط معرضة لارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما يجعلها مشكلة مثيرة للقلق، خاصةً أن التقديرات المستقبلية تشير إلى أن تكلفة شراء الغذاء ستلتهم المزيد من ميزانيات الأسر المستهلكة وبصفة خاصة الفقيرة. وعلاوة على ذلك، فمن المتوقع أن يؤدي نقص المياه والتغيرات المناخية إلى تذبذب إنتاج بعض السلع الأساسية مثل القمح. وطبقاً لما ذكره Burrows، فإن الاتجاه المتصاعد لأسعار الأغذية وصل إلى نقطة أدت إلى حالة من عدم الاستقرار على نطاق واسع، بما جعل البعض يرجح أن يكون ارتفاع أسعار السلع الغذائية قد ساهم في اندلاع الانتفاضات السياسية في عدد من الدول العربية في عام 2011.

7-موارد الطاقة، حيث تعتبر عنصر حاسم آخر لتحديد مستقبل المنطقة، فبالنسبة للدول الفقيرة تبرز الدراسة رؤية البنك الدولي بأن نقص موارد هذه الدول وارتفاع أسعار الطاقة وتقلباتها يشكل تهديداً لمحاولة تلك الدول إنعاش اقتصادها. وقد أدى ارتفاع أسعار النفط في بعض الدول المستوردة له مثل مصر وتونس والأردن والمغرب إلى زيادة عجز الموزانة العامة فيها، وزيادة ديونها، فضلاً عن معاناة تلك الدول من انقطاع الكهرباء في فصل الصيف، مما يمثل عائقاً أمام التنمية الاقتصادية بها. وتقع بعض الحكومات العربية تحت ضغط متزايد من صندوق النقد الدولي لخفض الدعم على الوقود والغذاء لتقليل عجز الميزانية. وبالفعل لجأت دول مثل المغرب ومصر مؤخراً لخفض دعم الطاقة، وهو الأمر الذي لاقى انتقادات من عدد من المنظمات غير الحكومية التي حذرت من أضرار ذلك على الطبقات الفقيرة وحتى الوسطى.

8-التهديد المتزايد للصراعات، فلا شيء أكثر ضرراً للتنمية الاقتصادية من الصراعات التي تعاني منها المنطقة، وفي مقدمتها الحرب الأهلية في سوريا، وأعمال العنف التي يشهدها كل من العراق وليبيا وقطاع غزة، فضلاً عن نشاط الجماعات المتطرفة في سيناء.

ثانياً: السيناريوهات المحتملة

ثمة سيناريوهات ثلاثة تتوقعها الدراسة بالنسبة للوضع في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة:

- السيناريو الأول والأكثر خطورة (شرق أوسط طائفي): تتوقع الدراسة حال حدوثه نشوب صراع طائفي واسع في المنطقة بين السنة والشيعة، وبين العرب والأكراد. وثمة مؤشرات عدة قد تعزز هذا الطرح المتشائم، منها استمرار الاتجاهات الحالية نحو تناقص سلطة الدولة، والتشرذم والنزاعات الانفصالية داخل عدد من البلدان مثل سوريا والعراق ولبنان، وزيادة نفوذ تنظيمات مسلحة بها مثل "داعش" و"حزب الله"، فضلاً عن رغبة الأكراد في الانفصال وإقامة دولة مستقلة في شمال العراق، ناهيك عن تدني الأوضاع الاقتصادية التي تزيد من وتيرة التشرذم والصراع. ووفقاً لهذا السيناريو، فإن الدول في الشرق الأوسط الجديد ستكون أشبه بمجموعة من مناطق الحكم الذاتي، وتحذر الدراسة من أن الجميع -باستثناء الأكراد في ظل صعود كيانات عرقية قومية – سيكون خاسراً حال تحقق هذا السيناريو.

- السيناريو الثاني (شرق أوسط سلطوي): ترجح الدراسة وفقاً لهذا السيناريو "عودة الاستبداد من جديد" في بعض الدول، نتيجة الاضطرابات المتزايدة في أماكن أخرى، وهذا ما يراه Burrows يحدث في دول الثورات العربية والبلدان المجاورة لها، حيث تخلت الطبقات الوسطى ومن بينها الشباب العاطل في هذه الدول عن الديمقراطية والحريات، لصالح الاستقرار وخوفاً من التعرض لفوضى مماثلة.

- السيناريو الثالث الأكثر تفاؤلاً (شرق أوسط مستقر): تصف الدراسة هذا السيناريو بأنه الأقل احتمالاً ولكنه ليس مستحيل الحدوث، وفيه تبرم إيران في ظل حكم روحاني المعتدل اتفاقاً بشأن برنامجها النووي مع القوى الخمس الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، وبما يترتب عليه سحب طهران تدخلها في النزاعات الطائفية في سوريا والعراق في مقابل رفع كامل للعقوبات الدولية عنها، فضلاً عن تجنب الحرب الباردة الإقليمية بين القوى السنية والشيعية، والوصول إلى تسوية سلمية إسرائيلية – فلسيطينة بما يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى حدوث تقارب بين المؤسسة العسكرية وتيارات الإسلام السياسي وتحديداً جماعة الإخوان في مصر، وأيضاً عودة الدفء إلى العلاقات بين تل أبيب وأنقرة.


* عرض موجز لدراسة بعنوان: "الشرق الأوسط عام 2020: مُحدِد أم مُحدَد بواسطة الاتجاهات العالمية؟"، المنشورة في أغسطس 2014 عن المجلس الأطلسي، وهو منظمة غير حزبية تعمل على تعزيز القيادة الأمريكية وتهدف إلى دفع التعاون عبر الأطلسي والسلام الدولي ومواجهة التحديات العالمية.

المصدر:

Mathew J. Burrows, Middle East 2020: Shaped by or Shaper of Global Trends? (Washington, Atlantic Council, August 2014)