استراتيجية رباعية:

كيف تمدد تنظيم "داعش" في تعز؟

21 July 2017


شهدت مدينة تعز خلال الفترة الأخيرة انتشاراً ملحوظاً لتنظيم "داعش" وتحديداً في أرياف تعز، الأمر الذي ستزداد معه عوامل عدم الاستقرار الأمني والسياسي في ظل تزايد احتمالات وقوع اشتباكات عسكرية بين عناصر التنظيم الذين يريدون إثبات وتعزيز وجودهم وبين قوات التحالف العربي والجيش الوطني لتحجيم نفوذ عناصر التنظيم بتعز، وهو ما يزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية هناك.

ويمكن تفسير عوامل الانتشار المتسارع للتنظيمات الإرهابية في مدينة تعز، نتيجة لضعف الأجهزة الأمنية ونقص الإمكانيات اللازمة لتمكينهم من مواجهة العناصر الإرهابية، وأيضاً غياب أجهزة مكافحة الإرهاب، حتى أن قيادة إدارة أمن محافظة تعز قد اقترحت تشكيل قوة لمكافحة الإرهاب في تعز قوامها 400 عنصر من أبناء المحافظة، إلا أن الاقتراح لم يتم تنفيذه، وهو ما يثير مخاوف من مخططات أخرى أكثر خطورة قد تقوم بها التنظيمات الإرهابية في تعز بشكل أكثر مما هو عليه الآن.

مظاهر التمدد:

تمثل ظهور العناصر المنتمية لـ"داعش" بتعز في الكشف عن أول خلية تابعة للتنظيم بمنطقة "الكدف" الواقعة بين مديريتي "مقبنة" و"شرعب الرونة"، والتي تسمى بخلية "بدر"، ويقوم أعضاء التنظيم وفق استراتيجية ترتكز على استقطاب المزيد من الأفراد من أبناء القرى التي يوجدون فيها، ويتخذون من مساجد هذه القرى مراكز للتجنيد والمبايعة عبر الخطب والمحاضرات الدينية. 

وتعد قرية "الكدف" - الواقعة ضمن قرى منطقة "الزراري" - من أكثر المناطق التي ينتمي عدد كبير من أبنائها لتنظيم القاعدة، وأغلبهم شارك في القتال مع التنظيم في أفغانستان سابقاً، وهو ما يعني توافر الخبرة القتالية لهؤلاء الأفراد واستعدادهم للانضمام إلى أية تنظيمات إرهابية أخرى، الأمر الذي سهل عملية استقطاب العناصر الجديدة لتنظيم "داعش" في اليمن.

وقد جاء الإعلان عن ظهور خلية بدر التابعة لـ"داعش" في تعز، بعد أن تعرض زعيم "داعش" في اليمن "جلال بلعيد" الذي كان ملقباً بـ"حمزة الزنجباري" للاغتيال بغارة جوية أمريكية استهدفته في فبراير 2016، والذي انشق عن تنظيم أنصار الشريعة الموالي لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية باليمن، وإعلان مبايعته لأبي بكر البغدادي زعيم تنظيم "داعش".

وقد قامت "خلية بدر" التابعة لـ"داعش" في تعز بعدد من العمليات العسكرية بغرض إثبات وجودها وفرض سيطرتها على القرى المنتشرة فيها، حيث دخلت في مواجهات مع أبناء القرى المجاورة، خاصة قرية "جريس" التابعة لقرى "عزلة الزراري" وقامت باختطاف عدد من المدنيين وحاصرت قرية الكدف إلى أن هدأت الأمور وفكت خلية بدر حصارها عن القرى المحاصرة.

أنشطة متكاملة:

تنوعت أنشطة الخلايا التابعة لتنظيم "داعش" في اليمن بشكل عام وفي تعز على وجه الخصوص، وذلك على النحو التالي:

1- استقطاب الشباب الجامعيين وإلحاقهم بالمعسكرات التدريبية التابعة لـ"داعش" في محافظة شبوة جنوب اليمن، وإغرائهم بالفتاوى الدينية المغلوطة وتقديم المحاضرات والخطب الدينية والأناشيد الخاصة بـ"داعش" انطلاقاً من فكرة أهمية الجهاد في سبيل الله ونصرة دولة الخلافة الإسلامية.

2- تكليف الشباب بتنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات سياسية وعسكرية واجتماعية.

3- تفجير الأضرحة، ومن ذلك تفجير وسرقة ونهب قبة القطب "عبدالهادي السودي" نهاية شهر يوليو 2016 في المدينة القديمة بتعز. وكذلك تم تفجير ضريح نبي الله شعيب في أغسطس عام 2015 بمنطقة "جبل صبر" في تعز، وأيضاً تفجير مقام الولي عبدالله الطفيل في الشهر نفسه بمنطقة "ثعبات" شرق المدينة، وكذلك تحطيم ضريح الشيخ "مدافع الخولاني" في نوفمبر 2015 بمنطقة "صينة" غرب تعز.

4- إطلاق الفتاوى بتحريم الانضمام للجيش الوطني، حيث قام تنظيم "أنصار الشريعة" في يوليو 2016 بتوزيع منشورات على المواطنين بشوارع مدينة تعز تحرم الالتحاق بالجيش اليمني وتحذر الملتحقين به، وحرمة القبول بالدستور وبمخرجات الحوار الوطني.

العامل الأمريكي:

يواجه انتشار التنظيمات الإرهابية باليمن، لاسيما "داعش" في تعز الجهود الأمريكية المعلنة بالتنسيق مع قوات التحالف العربي والحكومة الشرعية، في إطار الاستراتيجية الأمريكية التي أعلنتها الإدارة الأمريكية بعد تولي الرئيس دونالد ترامب السلطة في يناير الماضي.

وتتمثل في وضع خطة عسكرية تستهدف مواقع تنظيمي القاعدة و"داعش" في اليمن، حيث شنت الطائرات الأمريكية حوالي 40 غارة جوية ضد مواقع تنظيم القاعدة في عدد من المدن (شبوة – أبين) جنوب اليمن وكذلك في محافظة البيضاء وسط اليمن. 

وقد كشف تقرير لمجلس الأمن عن تعرض تنظيم القاعدة في جزيرة العرب طوال عام 2016 إلى أكثر من 30 ضربة أمريكية بـ"الطائرات من دون طيار" ما تسبب في مقتل 139 فرداً، وهو ما يعادل تقريباً العدد الإجمالي للغارات الجوية التي نفذت في عام 2016 كله، ويرجح أن ترتفع الخسائر في صفوف "تنظيم القاعدة" بعد أن نشرت واشنطن مجموعات عسكرية صغيرة على الأرض للمساعدة في العمليات العسكرية التي تستهدف التنظيم ميدانياً.

وهو ما يرجح أن تدخل القوات الأمريكية بشكل مباشر في مواجهات عسكرية للقضاء على ميليشيات الحوثيين وبالتالي تقديم المزيد من الدعم لقوات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في تحقيق ذلك الهدف.

تأطير الفراغ:

خلاصة القول، ساعد تدهور الأوضاع الاقتصادية في مجمل أنحاء اليمن واستمرار التصعيد الحوثي ورفضهم الخضوع للحلول السياسية، في انتشار التنظيمات الإرهابية، مستغلين تلك الظروف السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وتبرز خطورة انتشار وتمدد الخلايا التابعة لتنظيم "داعش" في تعز تحديداً، في وجود العديد من الفصائل والجماعات والتنظيمات الإرهابية والمسلحة الأخرى، وهو ما يمثل خطورة على الاستقرار الأمني في هذه المدينة التي تعاني الحصار الحوثي وتدهور الأوضاع الإنسانية بها.