استعدادات مبكرة:

لماذا صعدت "قوات سوريا الديمقراطية" ضد "الحشد الشعبي"؟

04 June 2017


بدأت الأطراف المنخرطة في الصراع السوري وفي الحرب ضد تنظيم "داعش" في الاستعداد مبكرًا لمرحلة ما بعد انتهاء معركتى الموصل والرقة، وهى المرحلة التي ربما تشهد تحولات استراتيجية لن تفرض تداعيات جديدة على التوازنات القائمة بين تلك الأطراف فحسب، وإنما سوف تؤثر أيضًا على المسارات المحتملة للصراع بين بعض القوى الدولية والإقليمية المعنية بتلك الملفات. ففي هذا السياق، وجهت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي تضم "وحدات حماية الشعب" الكردية، في 30 مايو 2017، تحذيرات لميليشيا "الحشد الشعبي" العراقية من عبور الحدود العراقية-السورية إلى مناطق سيطرتها في محافظة الحسكة شرقى سوريا، وذلك بعد أن ألمح بعض القياديين في "الحشد" إلى التقدم بدعوى ملاحقة بعض عناصر تنظيم "داعش".

ومن دون شك، فإن هذا التصعيد اللافت لا يمكن فصله عن العديد من المتغيرات الأخرى، التي يتمثل أبرزها في الضغوط المستمرة التي تمارسها تركيا بهدف منع رفع مستوى تسليح الميليشيات الكردية في سوريا باعتبار أن ذلك يفرض تهديدات جدية لأمنها ومصالحها، والجهود التي تبذلها إيران من أجل تأسيس خطوط تواصل عابرة للحدود لتقديم مزيد من الدعم للنظام السوري والميليشيات الموالية لها في سوريا خلال المرحلة القادمة، فضلا عن التصعيد الحالي بين إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإيران، والذي تجاوز الاتفاق النووي ليمتد إلى بعض الملفات الأخرى، مثل اتهام إيران بدعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.

تحذيرات مسبقة:

مع إعلان بعض قيادات ميليشيا "الحشد الشعبي" الوصول إلى الحدود السورية بعد السيطرة على بعض القرى التي يقطنها الأيزيديون، بدأت "قوات سوريا الديمقراطية" في توجيه تحذيرات من أنها سوف تعرقل أى تقدم للميليشيات العراقية داخل الأراضي السورية. ففي هذا السياق قال المتحدث باسم "قسد" طلال سلو: "سوف نتصدى لأى محاولة من قبل الحشد الشعبي للدخول إلى مناطق سيطرة قواتنا، لن نسمح لأى قوات بالدخول ضمن مناطق سيطرتنا". كما ربطت قيادات كردية أخرى بين هذه التحركات وبين الأهداف التي تسعى إيران إلى تحقيقها على الساحة الإقليمية.

وربما يمكن القول إن ثمة أهدافًا عديدة سعت "قسد" إلى تحقيقها من خلال توجيه هذه التحذيرات والانتقادات، يتمثل أبرزها في:

1- حائط صد: ترتبط مسارعة "قسد" إلى توجيه هذه التحذيرات بتداعيات الضربة العسكرية الأمريكية للرتل العسكري التابع للميليشيات الحليفة لإيران والنظام السوري، والذي كان يتجه إلى المعبر الحدودي مع العراق في منطقة التنف، في 18 مايو 2017، حيث اعتبرت اتجاهات عديدة أن هذه الضربة وجهت رسالة إلى إيران وحلفاءها بأن جهودها لتأسيس ممر لمواصلة دعم النظام السوري عبر تلك المنطقة تواجه عقبات لا تبدو هينة، وهو ما يمكن أن يدفعها، على الأرجح، إلى محاولة اختبار مدى إمكانية تأسيس ذلك عبر المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية. ومن هنا سارعت الأخيرة إلى تأكيد أنها لن تسمح بذلك، في مرحلة ما بعد انتهاء معركتى الموصل والرقة، في رسالة موجهة إلى إيران والنظام السوري تحديدًا.

2- استيعاب التصعيد: يبدو أن الميليشيات الكردية باتت تدرك أن مساحة الخلافات القائمة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تقتصر على الاتفاق النووي، الذي توجه إليه إدارة الرئيس ترامب انتقادات متواصلة وتعكف على مراجعته في الوقت الحالي لتقييم مدى توافقه مع المصالح الأمريكية ومدى التزام إيران به، وإنما أصبحت تشمل أيضًا دعم إيران للإرهاب ودورها في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال الميليشيات الحليفة لها الموجودة في بعض دول الصراعات.

وعلى ضوء ذلك، بدأت تلك الميليشيات في توجيه رسائل عديدة بأنها طرف معني بمواجهة المحاولات الإيرانية للتمدد في المناطق الكردية لتأسيس ممر لدعم النظام السوري خاصة في ظل الدعم الذي تحظى به من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. ففي هذا الإطار، كان لافتًا حرص رئيس هيئة الدفاع التابعة للإدارة الذاتية الكردية ريزان كلو، في 30 مايو 2017، على تأكيد أن "اقتراب الإيرانيين والحشد الشعبي من الحدود العراقية- السورية هو لتنفيذ مخططاتهم القديمة لتطبيق الهلال الشيعي في منطقة الشرق الأوسط"، مشيرًا إلى أن "محاولة استيلائهم على المناطق الحدودية تشكل تهديدًا للمناطق التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية".

وربما يمكن القول أيضًا إن تلك الأطراف تضع في اعتبارها التنسيق الملحوظ بين إيران وتركيا في التعامل مع الملف الكردي، في ظل سعى الطرفين إلى منع الأكراد من الحصول على مكاسب استراتيجية من الصراعات الإقليمية المختلفة، لأسباب خاصة بالارتدادات الداخلية والإقليمية التي يمكن أن يفرضها ذلك.

3- احتواء الضغوط: ربما تسعى تلك الأطراف من خلال هذه التحذيرات إلى إضفاء أهمية خاصة على دورها سواء في الحرب ضد "داعش" أو في مرحلة ما بعد إسقاط مدينة الرقة، التي تمثل المعقل الرئيسي للتنظيم، وذلك من أجل احتواء التأثيرات المحتملة للجهود التي تبذلها تركيا للتعامل مع اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى رفع مستوى تسليح تلك الميليشيات استعدادًا لمعركة الرقة.

إذ وجهت أنقرة انتقادات قوية لإعلان واشنطن عن تقديم أسلحة خفيفة ومركبات للميليشيات الكردية، معتبرة أن ذلك يمكن أن ينتج تهديدات عديدة يتمثل أبرزها باحتمال انتقال تلك الأسلحة إلى عناصر "حزب العمال الكردستاني".

وهنا، فإن الميليشيات الكردية ربما تسعى عبر تبني هذه المواقف الجديدة إلى محاولة تقليص حدة الضغوط التي يمكن أن تفرضها التحركات التركية الأخيرة، من خلال تأكيد تحولها إلى طرف رئيسي ربما يتعدى دوره الحرب ضد تنظيم "داعش"، ليمتد إلى منع تأسيس ممر يساعد إيران والميليشيات الحليفة لها على مواصلة تقديم دعمها للنظام السوري في الفترة القادمة، وهو ما يمكن أن يساهم في رفع مستوى الدعم المقدم لها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن ترجيح أن تشهد المرحلة القادمة تصعيدًا بين أكراد سوريا من جهة وإيران وحلفائها في العراق وسوريا من جهة أخرى، خاصة في ظل الاستعدادات التي تجريها الأطراف المعنية بتطورات الصراع السوري في الفترة الحالية للتعامل مع التداعيات المحتملة التي سوف تفرضها معركة الرقة.