متغيرات مترابطة:

هل يمكن أن يستمر اتفاق "مناطق تخفيف التصعيد" السوري؟

14 May 2017


يواجه اتفاق "مناطق تخفيف التصعيد" أو ما يسمى بـ"المناطق الآمنة" الذي توصلت إليه كل من روسيا وتركيا وإيران في الأستانة في 4 مايو الحالي، تحديات عديدة خلال الفترة الحالية، خاصة فيما يتعلق بتكرار انتهاكه، بشكل قد يضفي شكوكًا على مدى قدرته على الاستمرار خلال المرحلة القادمة، وإن كان ذلك لا ينفي أن بعض الاتجاهات تشير إلى أنه ربما يمثل مقدمة لطرح مزيد من المبادرات التي قد تساعد في دعم الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية للأزمة السورية.

واللافت في هذا السياق، هو أن فكرة إنشاء "مناطق آمنة"  في سوريا ليست جديدة، حيث سبق أن طرحها فريق عمل داخل الإدارة الأمريكية في يناير 2017، باعتبارها أحد المحاور الأساسية لخطة التعامل مع تطورات الصراع في سوريا التي طلبها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. 

وعلى الرغم من أن روسيا رفضت عروضًا مماثلة في الفترة الماضية من جانب إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما؛ إلا أنها أجرت، في الغالب، تغييرًا في موقفها، حيث اتجهت خلال مؤتمر "أستانة 4" إلى رسمَ خطة للعمل على إنشاء تلك المناطق.

دور جديد:

ومن دون شك، فإنه لا يمكن فصل ذلك عن التطورات التي شهدها الصراع السوري خلال الفترة الماضية، وعلى رأسها الضربة الصاروخية التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى مطار "الشعيرات" في 7 إبريل الفائت. إذ كشفت تلك الخطوة عن اتجاه الإدارة الأمريكية إلى رفع مستوى انخراطها في الصراع، بشكل يبدو أنه دفع روسيا نحو القبول بإقامة تلك المناطق، كبديل، وفقًا لرؤية اتجاهات عديدة، لمنظومات دفاع لن تحد من مزيد من التدخل الأمريكي، بما يعني أن موسكو سعت فقط إلى توسيع هامش الخيارات المتاح أمامها بعد تلك الخطوة التي اتخذتها واشنطن. 

لكن في خضم الكثير من الإشكاليات الخاصة بالضمانات ومواقف الأطراف المختلفة من الاتفاق، يمكن القول إنه يواجه اختبارات لا تبدو هينة.

ملامح الخطة:

لم تتضح بعد تفاصيل اتفاق "مناطق تخفيف التصعيد" لا سيما فيما يتعلق بآليات التنفيذ، لكن ما كُشف عنه من خطوط عريضة هو التوزيع المناطقي لأربع مناطق في الشمال والوسط والجنوب. فبحسب ما صرح به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر صحفي عقب توقيع مذكرة الاتفاق، فإن مناطق "تخفيف التصعيد" تشمل ريف إدلب، وأجزاء من ريفى حمص وحماة الشماليين، والغوطة الشرقية بريف دمشق، وأجزاء معينة بجنوب سوريا في ريفي درعا والقنيطرة، وهي المناطق التي تتعرض، قبل ضربة "الشعيرات"، لعمليات تغيير ديمغرافي وجيوسياسي ممنهجة برعاية روسيا وإيران. 

وبحسب تصريحات لوزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، في 8 مايو الجاري، فإن قوات الشرطة العسكرية ستكون هي القوات القائمة فعليًّا على تنفيذ الاتفاق على الأرض وليس قوات أممية.

وسيعتبر الاتفاق مقدمة لعودة المهجرين وتعزيز مبادرات وقف إطلاق النار، باستثناء مكافحة التنظيمات الإرهابية، وهو تفاهم يُفترض أنه ينطلق من فرضية أن اتفاقات وقف إطلاق النار كانت مثمرة، في حين أن العكس هو الصحيح. لكن هذا الاتفاق سيظل مؤقتًا، ويخضع تجديده لمدى التزام الأطراف المختلفة به.

حذر روسي:

ربما يمكن تفسير اتجاه روسيا إلى دعم هذا الاتفاق في إطار إدراكها أنه من الصعوبة بمكان توفير منصات دفاعية روسية إضافية في الساحة السورية، وحتى مع تقوية الدفاعات في المناطق المركزية في سوريا، خاصة في اللاذقية وحميميم، فإنه لا يتوقع أن تتجه موسكو إلى تصعيد حدة خلافاتها مع واشنطن بعد عملية قصف "الشعيرات".

وقد كان لافتًا أن روسيا قامت بإعداد مذكرة الاتفاق فعليًّا، بل وحرصت على إدخال اتفاق برزة دمشق، في 8 مايو الحالي، كأول اتفاق من نوعه لتهجير المعارضة من دمشق إلى إدلب، حيز التنفيذ بعد اتفاق أستانة بثلاثة أيام فقط، وهو ما يرجح أن الخطة كانت معدة مسبقة من جانب الأطراف المعنية بها. ورغم أن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون رحب بالاتفاق من حيث المبدأ، إلا أنه تبنى موقفًا حذرًا تجاهه بشكل عام، حيث قال أن "الشيطان يكمن في التفاصيل".

وفي المحصلة، لا يمكن إغفال أن هذه الترتيبات خرجت بداية في أول انعقاد لمؤتمر أستانة، كما أنها تتزامن أيضًا مع عقد اجتماع ثنائي في واشنطن بين وزيري الخارجية الأمريكي والروسي، والذي سبقه لقاء بين نائبي وزيري خارجية البلدين، سيرغي ريابكوف ونظيره الأمريكي توماس شينون. 

تحديات مختلفة:

لكن رغم ذلك، فإن ثمة تحديات يمكن أن تواجه الاتفاق، ويتمثل أبرزها في:

1- التفسيرات الخاصة: أو التفسيرات الواسعة للاتفاق، والتي تعني أن كل طرف سيُعيد التعامل مع الاتفاق بناء على حساباته السياسية، وهو ما يتضح من ردود الفعل والمواقف المختلفة تجاه الاتفاق، خاصة في البند الذي يتضمن تخفيف التصعيد لكن مع استمرار المواجهة ضد التنظيمات الإرهابية. ومن هنا ربما يمكن تفسير توافق الأطراف الضامنة (روسيا وتركيا وإيران)، بناءً على الاتفاق، على إعداد خرائط مناطق وقف التصعيد، والخرائط الخاصة بفصل فصائل المعارضة المسلحة عن تنظيمي "داعش" و"النصرة" بحلول 4 يونيو المقبل.

وهنا أيضًا يمكن التوقف عند مؤشر مهم، وهو التصريحات التي أدلى بها وليد المعلم وقال فيها أن "قوات سوريا الديمقراطية لديها مشروعية في المواجهة مع داعش"، وهو ما يطرح دلالات عديدة، يتمثل أهمها في أن النظام السوري يسعى إلى تعاون غير مباشر مع الميليشيا الكردية في المرحلة المقبلة، وربما يدخل في مفاوضات لاحقة معها بشأن المواقع التي سيتم استعادتها من "داعش" في الرقة ومحيطها.

 وبالتوازي مع ذلك، ترجح اتجاهات عديدة أن تسعى إيران و"حزب الله" والميليشيات الأخرى إلى فرض وضع تكتيكي على الأرض في المناطق محل الاتفاق في مقابل قوى المعارضة، بحكم أن أغلب تلك المناطق شملتها اتفاقيات تهجير لعناصر المعارضة.

2- خريطة انتشار التنظيمات غير المشمولة بالاتفاق: سواء "جبهة النصرة" أو غيرها، والتي تتعرض، أحيانًا، لتغيرات مستمرة، خاصة في ظل الصراعات القائمة بين تلك التنظيمات وبعضها بعضًا، على غرار الصراع الذي شهدته الغوطة الشرقية بين "جبهة تحرير الشام" (جبهة النصرة) و"فيلق الرحمن" (جيش الإسلام)، بشكل يضفي شكوكًا على مدى إمكانية الالتزام باستمرار العمل بالاتفاق. 

وبالطبع، فإن مواقف قوى المعارضة السياسية السورية سوف تؤثر أيضًا على تنفيذ الاتفاق، إذ كان لافتًا أن تركيا وافقت على الاتفاق، بينما رفضته تلك القوى، التي أبدت تحفظات عديدة إزاء الدور الإيراني وهلامية الخطة، كما أعربت عن مخاوفها من أن يساهم اتفاق لا يشمل كافة سوريا في تقسيمها إلى مناطق نفوذ. لكن ذلك لا ينفي أن الأجنحة العسكرية لتلك القوى تتعامل مع الاتفاق، تقريبًا، على الأرض، ربما لرغبتها في اختبار مدى إمكانية العمل به.

3- شكل ترتيبات الاتفاق النهائي: لا يمكن تصور أن شكل الاتفاق النهائي سيجري على النحو الذي تم تضمينه في مذكرة الاتفاق، إذ إن الأمر سيعتمد على ما سوف تنتهي إليه التفاهمات الأمريكية- الروسية في الأساس، وبالتالي من المتوقع أن يتغير الاتفاق إما بحلول جولة جديدة من أستانة، أو مع المفاوضات التي ستجري في جنيف في 16 مايو الجاري.

وفي النهاية، يظل الاتفاق مقدمة لإطار عمل سياسي يهدف إلى معادلة متغيرات القوى على الأرض في سوريا بعد أن أصبح التدخل الأمريكي أمرًا واقعًا، وربما يكون خطوة تمهيدية للتعاطي مع شكل الخريطة السياسية القادمة بعد تبلور التحالفات المرحلية في سوريا، وبالتالي فهو يعبر عن مقدمات لمرحلة انتقالية في الصراع وليس جوهر المرحلة، خاصة مع الوضع في الاعتبار أن هذا الاتفاق ما زال مؤقتًا، بانتظار تبلور استحقاقات استراتيجية أكثر قدرة على فرض تغييرات رئيسية في مسار الصراع.