مخاوف مستترة:

كيف تعاملت إيران مع الضربة الأمريكية لسوريا؟

14 April 2017


يبدو أن الضربة العسكرية الأمريكية لمطار "الشعيرات" الجوي في سوريا، في 7 إبريل 2017، قد تسببت في ارتباك السياسة الإيرانية تجاه التطورات السياسية والميدانية التي يشهدها الصراع السوري خلال الفترة الأخيرة، خاصة أنها تزامنت مع تصاعد حدة الضغوط الإقليمية التي تتعرض لها إيران بسبب تدخلاتها المستمرة في الأزمات الإقليمية المختلفة، فضلا عن اتساع نطاق خلافاتها مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الملف النووي وبعض القضايا الإقليمية الأخرى.

وربما يمكن القول إن إيران ترى أنها أحد الأطراف المستهدفة بشكل مباشر من التصعيد الأمريكي الجديد، خاصة أنها لم تفصله عن تأكيد بعض المسئولين الأمريكيين على أن إخراج إيران والميليشيات المرتبطة بها من سوريا أصبح من أولويات الإدارة الأمريكية خلال المرحلة القادمة. وبعبارة أخرى، فإن إيران باتت تعتبر أن الرسالة الأكثر أهمية التي سعت إدارة ترامب إلى توجيهها من خلال الضربة العسكرية على أحد أهم المواقع العسكرية التابعة للنظام السوري، تتمثل في أنها تتبنى سياسة مختلفة عن تلك التي اتبعتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وأنها قادرة على ترجمة تهديداتها إلى خطوات إجرائية على الأرض على غرار ما فعلت عبر توجيه تلك الضربة العسكرية، وهي إشارة تحذيرية لطهران بأن الإدارة الأمريكية تستطيع تنفيذ التهديدات التي وجهها الرئيس وبعض أركان إدارته إليها خلال الفترة الماضية.

ملفات مترابطة:

سارعت إيران إلى توجيه انتقادات قوية للضربة الأمريكية التي اعتبرت أنها "تصب في مصلحة الإرهابيين"، وحرص الرئيس حسن روحاني على الاتصال برئيس النظام السوري بشار الأسد لتأكيد استمرار دعم إيران له. لكن الأهم من ذلك هو الإشارات التحذيرية التي وجهتها إيران وروسيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في 9 إبريل 2017، من خلال مركز القيادة المشترك الذي يضم أيضًا بعض الميليشيات الحليفة للنظام، والذي اعتبر أن الضربة الصاروخية تمثل "تجاوزًا للخطوط الحمراء"، وهدد بأنه سوف يرد في الفترة القادمة على أي هجوم، وسيرفع مستوى دعمه للنظام السوري.

لكن ذلك في مجمله لا ينفي في الوقت ذاته أن الضربة الأمريكية لمطار "الشعيرات" في سوريا جاءت في توقيت حرج بالنسبة لإيران، وربما تفرض خيارات ضيقة أمامها للتعامل مع التطورات الجديدة التي قد تنتجها على مسارات الصراع في سوريا، بعد أن كان الدور الأمريكي محدودًا خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بشكل أفسح المجال أمام روسيا وساهم في تكريس نفوذ وتأثير إيران في الأزمة خلال الأعوام الستة الماضية، خاصة مع تراجع الإدارة الأمريكية السابقة عن توجيه ضربة عسكرية مماثلة في أغسطس 2013 بعد الهجوم الكيماوي على الغوطتين الشرقية والغربية لريف دمشق.

هذا الارتباك بدا جليًّا في مؤشرات رئيسية ثلاث: يتمثل الأول في أن إيران باتت تربط بين التصعيد الأمريكي في سوريا والإجراءات التي تتخذها الإدارة الأمريكية ضد إيران، على غرار العقوبات الجديدة التي فرضت بسبب إجراء تجارب خاصة بإطلاق صواريخ باليستية، وكان آخرها العقوبات التي صدرت في 24 مارس 2017 على 8 كيانات و3 أشخاص تم اتهامهم بنقل تكنولوجيا حساسة إلى إيران ترتبط ببرنامجها الصاروخي، إلى جانب التركيز على الأدوار السلبية التي تقوم بها إيران في زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا في دول الأزمات. 

هذا الربط انعكس في تصريحات رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني، في 10 إبريل 2017، والتي أشار فيها إلى "مؤامرة يجري تنفيذها في المنطقة حاليًّا، وقد جرى التخطيط لها منذ فترة ووجدت ذريعة لمغامرة جديدة في المنطقة"، وهو ما يعني أن إيران تتوقع أن تتصاعد حدة الضغوط الإقليمية والدولية عليها خلال المرحلة المقبلة، في ظل حرص كثير من القوى على كبح أدوارها الإقليمية والضغط عليها من أجل الالتزام حرفيًّا بالاتفاق النووي الذي توصلت إليه مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015.

إبعاد روسيا:

وينصرف الثاني، إلى أن إيران ترى أن أحد الأهداف الرئيسية للضربة الأمريكية على سوريا يتمثل في توسيع نطاق الخلافات بينها وبين روسيا، أو بمعنى أدق إبعاد روسيا عنها، من خلال العمل على إجراء تغيير رئيسي في توازنات القوى على الأرض لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل يمكن أن يفرض، وفقًا لهذه الرؤية، معادلة جديدة للصراع تقضي بأن تكون التفاهمات الرئيسية حوله بين واشنطن وموسكو، وليس بين الأخيرة وبعض القوى الإقليمية الأخرى، مثل إيران وتركيا، وهو ما يمكن أن يعزز من احتمالات تراجع الدور الإيراني في الصراع السوري بشكل أكبر، وهو المسار الذي بدأ منذ ارتفاع مستوى التفاهمات بين روسيا وتركيا في مرحلة ما بعد انتهاء معركة حلب في منتصف ديسمبر 2016.

وهنا، فإن إيران لا تبدي ارتياحًا تجاه التكهنات التي تشير إلى أن الضربة العسكرية الأمريكية ربما تفرض تداعيات غير مباشرة قد تساهم في النهاية في تعزيز الجهود التي تبذلها أطراف عديدة للوصول إلى تسوية للأزمة السورية، بشكل قد لا يضمن مصالح إيران التي سعت إلى حمايتها من خلال دعمها المتواصل للنظام السوري، وهو ما أدى إلى استنزاف مواردها العسكرية والمالية والبشرية بدرجة لا يمكن تجاهلها خلال الفترة الماضية.

دعم المعتدلين:

فيما يرتبط الثالث، بوجود اتجاهات داخل إيران باتت تتبنى رؤية ضيقة إزاء التداعيات التي يمكن أن تفرضها الضربة العسكرية على إيران، حيث تربطها بالتوازنات السياسية الداخلية في إيران قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية في 19 مايو 2017.

ففي رؤية تلك الاتجاهات، فإن التصعيد العسكري الأمريكي في سوريا ربما يصب في صالح تيار المعتدلين الإيرانيين، الذي يمكن أن يستفيد من ذلك في تعزيز فرص مرشحه (إشارة إلى الرئيس الحالي حسن روحاني) في الفوز بولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية.

وقد عبر عن هذه الاتجاهات رئيس تحرير صحيفة "كيهان" (العالم) حسين شريعتمداري، الذي قال، في حوار مع وكالة أنباء "فارس"، القريبة من الحرس الثوري، في 8 إبريل 2017، بأن الضربة العسكرية الأمريكية يمكن أن تضفي وجاهة خاصة على الادعاءات التي يروجها تيار المعتدلين والتي تقوم على أن الوصول للاتفاق النووي أدى إلى تحييد الخيار العسكري الذي كان من الممكن أن تستند إليه الولايات المتحدة الأمريكية في صراعها مع إيران حول البرنامج النووي على غرار ما فعلت في الأزمة السورية مؤخرًا، بشكل يمكن أن يساعده في استقطاب دعم بعض النخب السياسية الإيرانية، ومواجهة الضغوط التي يتعرض لها من جانب خصومه السياسيين الذين يوجهون انتقادات قوية للاتفاق النووي وللسياسة التي تتبناها الحكومة، خاصة فيما يتصل بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.

تحول مشروط:

وفي النهاية، ربما يمكن القول إن اتجاه إيران إلى بلورة مواقف واضحة تجاه التصعيد الأمريكي في سوريا سوف يعتمد في المقام الأول على متغيرين رئيسيين: أولهما، الإجراءات المحتملة التي سوف تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية إزاء النظام السوري وحلفائه خلال المرحلة المقبلة، في ظل التهديدات الأمريكية بإمكانية تكرار الضربة العسكرية مرة أخرى. وثانيهما، الخيارات التي يمكن أن تستند إليها روسيا، الداعم الرئيسي لإيران والنظام السوري، في مواجهة هذا التصعيد الأمريكي، إذ ربما يمكن القول إن مخاوف طهران لا تنحصر فقط في تداعيات الضربة الأمريكية وإنما تمتد أيضًا إلى ما يمكن أن تفرضه من تغيير محتمل في السياسة الروسية إزاء الصراع في سوريا، بشكل قد لا يكون مواتيًا بالنسبة لحسابات طهران.